ساتياجيت داس* ارتفع حجم ديون حكومة الولايات المتحدة إلى 22 تريليون دولار، من 9 تريليونات قبل عشر سنوات.. كما نمت ديون الأسواق الناشئة وارتفع حجم ديون الحكومة الصينية من تريليوني دولار عام 2000 إلى 40 تريليوناً اليوم الوصف الذي أطلقه خبير الاقتصاد توماس شيلنج على أسواق المال العالمية بأنها «تنسى بأنها تنسى» يجد ما يثبت صحته في كل المآزق التي يتعرض لها النظام المالي العالمي خاصة عند مراجعة مشكلة الديون الهائلة. فمنذ عام 2008، بحثت الحكومات في جميع أنحاء العالم عن طرق غير مؤلمة نسبياً لخفض مستويات الديون المرتفعة التي كانت السبب الرئيسي للأزمة المالية العالمية. وساهم خفض أسعار الفائدة إلى الصفر أو أقل، في تسهيل خدمات الديون. كما ساعدت برامج التيسير الكمي ودعم البنوك المركزية في تسهيل شراء الديون، في حين رفعت الزيادات المنهجية في أسعار الأصول قيم الضمانات، وهو ما قلص الضغوط على المقترضين المعسرين وعلى البنوك المتعثرة. وفي واقع الأمر عززت هذه السياسات رغبة الشركات والأفراد في عدم المسارعة إلى قضاء ما عليها من ديون، بل إنهم زادوا عمليات الاقتراض وزاد أيضاً الطلب على الديون عالية المخاطر في نفس الوقت في ضوء سعي المستثمرين اللاهثين وراء العائدات لتوسيع دائرة استثماراتهم المغطاة بالقروض. ومنذ عام 2007، ارتفع حجم الدين العالمي من 167 تريليون دولار إلى 247 تريليون دولار، أي أن نسبة الديون إلى الناتج الإجمالي العالمي بلغت 320 في المئة، بزيادة 40 في المئة على مدى العقد الماضي. وشملت الزيادة جميع أشكال الاقتراض الخاصة بالأسر والشركات والحكومات. وكان لا بد أن ينمو حجم الدين العام بشكل كبير لتمويل جهود الإنقاذ بعد الكساد الذي رافق الأزمة. فقد ارتفع حجم ديون حكومة الولايات المتحدة ليصل إلى 22 تريليون دولار، صعوداً من حوالي 9 تريليونات دولار قبل عشر سنوات - أي بزيادة بنسبة 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي. كما نمت ديون الأسواق الناشئة حيث ارتفع حجم ديون الحكومة الصينية بشكل مطرد من تريليوني دولار عام 2000 (120٪ من الناتج المحلي الإجمالي)، إلى 7 تريليونات دولار عام 2007 (160٪ من الناتج المحلي الإجمالي) ثم إلى حوالي 40 تريليون دولار اليوم (250٪ من الناتج المحلي الإجمالي). ولم يعد لدى العالم الكثير من الخيارات. فمن الناحية النظرية يجب على المقترضين تحويل كامل دخلهم لتغطية خدمات الديون. لكن ذلك غير ممكن من الناحية العملية بالنظر إلى أن نسبة ضئيلة جداً من القروض على مدى العقد الماضي قد تم وضعها في تعزيز الإنتاجية. ومع ركود معدلات الأجور، اضطرت الأسر لتمويل الاستهلاك بالقروض، ولجأت الشركات للاقتراض لتمويل إعادة شراء الأسهم وصفقات الاستحواذ، بينما اقترضت الحكومات لتمويل الإنفاق بدلاً من تطوير مشاريع البنية التحتية والاستثمارات الاستراتيجية الأخرى. وأي تحرك سريع للتخلص من الديون حالياً ينطوي على مخاطر تسريع الركود، ما يزيد من صعوبات استكمال السداد. فتقليص كتلة الدين العام، على سبيل المثال، يتطلب من الحكومات زيادة الضرائب وخفض الإنفاق وهذا يكبح النشاط الاقتصادي. لكن جهود زيادة معدلات النمو وإنعاش معدلات التضخم منذ عام 2007، لم تحقق سوى قدر محدود من النجاح. ذلك لأن التدابير النقدية والسياسات الضريبية تبقى محدودة التأثير في مثل هذه الظروف. فهي قد تقلل من آثار الاضطراب الاقتصادي ولكنها قد تضر أيضاً بآفاق النمو على المدى الطويل. ومنذ تسعينات القرن الماضي كان النشاط الاقتصادي مدفوعاً بزخم الديون، ولا تزال كثافة العمليات الائتمانية في تصاعد حتى بات تحقيق نفس معدلات النمو بحاجة إلى كميات أكبر من الديون. أما الجهود المبذولة لتقليص هذا الدين فتنطوي على مخاطر التسبب بانكماش اقتصادي. وأخيراً، عندما يكون الدين مقوماً بعملة وطنية ومستحقاً لجهات أجنبية، يلجأ البلد المدين لخفض هذا الدين عن طريق تخفيض قيمة عملته. والمشكلة هي أن الجميع بات يتلاعب بهذه المعادلة حيث سعت العديد من الدول إلى اعتماد العملة الأرخص في تقييم ديونها من أجل تعزيز مركزها التنافسي وخفض التزاماتها. ثم وصلت هذه التحايلات إلى طريق مسدود قلص خيارات الحصول على المزيد من الديون. ولم تنفع قوانين إشهار الإفلاس التي يلجأ إليها المدينون المعسرون لحماية أنفسهم وشركاتهم، في حل تعقيدات الدين العام وسط تشابك مصالح الأطراف وتباين النصوص القانونية التي يحتكمون إليها. كما أن صناع القرار في القطاع المالي لم يتحلوا بمستويات النزاهة الكافية في التعامل مع مشاكل الدين طويل الأجل وعملوا على ترحيلها للأجيال المقبلة. لكن فاتورة تلك الديون لا بد أن تسدد بشكل أو بآخر. * بلومبيرج
مشاركة :