الشارقة: محمدو لحبيب قراءة في المنجز الإبداعي للشعراء المكرمين في الدورة ال15 من مهرجان الشارقة للشعر الشعبي، ذلك هو مضمون الندوة التي استضافها قصر الثقافة في الشارقة صباح أمس في إطار فعاليات المهرجان، وقد قدمت في الندوة ثلاث أوراق بحثية هي: «البلبل المغرد، الشاعر الذي لا يتحول عن الشعر، راشد سعيد شرار»، للدكتور منصور الشامسي، و«أحبت البر وعشقت الطبيعة وحياة البداوة، الشاعرة ريم البوادي إطلالة على إبداعها» للشاعرة شيخة محمد الجابري، والورقة الأخيرة للناقد علي العبدان وحملت العنوان: «محمد بن رضوة الكتبي شاعرمتفرد في أسلوبه وتجربته الشعرية، قراءة جمالية وأدبية وفنية». حضر الندوة الشاعر بطي المظلوم مدير مركز الشارقة للشعر الشعبي، وجمهور كبير من الشعراء والمهتمين بالمجال، وأدارها الشاعر والإعلامي فهد المعمري. في ورقته البحثية حاول الشامسي أن يقرأ تجربة الشاعر راشد شرار بإسقاط نظرية الشعر لدى جيمس فنتن عليها، فابتدأ ممهداً لذلك وقائلاً: «في نظرية الشعر يعالج ( جيمس فنتن) أستاذ الشعر في جامعة أكسفورد ( صنعة الإبداع) وسعي الشاعر إلى النجاح وتنافسه مع غيره من الشعراء، وطموحاته في أن يصبح البلبل المغرد الوحيد فوق شجرة الإبداع الشعري». ويبين الشامسي أن ورقته تلك هي ملخص لدراسة أوسع عن الشاعر شرار تحاول التعرف جمالياً إلى نصه دون التطرق لنماذج من شعره لأنه معروف وقال: «هذه الورقة هي ملخص دراسة أوسع عن الشاعر تتجه لمعرفة نصه الشعري جمالياً وفق رؤية تطورية واستيعابية»، ويضيف الشامسي مبيناً منهجه النقدي في قراءة أعمال الشاعر شرار فيقول: «لست هنا بصدد الحديث عن النظام الفني والعروضي ونظام القافية للقصيدة، هذا أتركه لآخرين، ولنقاد في الأدب، بل أتحدث عن هذا الرسم والوعي الجمالي في قصيدة الشاعر راشد سعيد شرار، وعن هذا الاستحواذ الذي يملكه الشاعر على نوعية الشعر وتفسيره من جديد، وجعله رسوماً في القلب متعددة مهما كان ذلك الشعر: قصيدة غزلية عادية أو غير عادية أو قصيدة اجتماعية أو وطنية أو غير ذلك». ويحدد الشامسي جهده في مقاربة أعمال الشاعر شرار فيقول: «إن جهدي المتصل لفهم قصيدة الشاعر راشد شرار ذو صلة باللحظة، أو الفترة الزمنية التي شعرت فيها أو عرفت بأن نفس وروح الشاعر جمالية، وتلك الجمالية للشاعر أو لأي إنسان ليست بالأمر السهل الذي يمكن تحصيله أو تحقيقه بصورة آلية أو شكلية أو بدون جهود مكثفة على صعد عدة كما قد يعتقد بعضهم، وإنما الاستحقاق الجمالي يعكس نمطاً تربوياً راسخاً وثقافة ذاتية داخلية عميقة الجذور ونفساً وروحاً خيرة واستثنائية، فضلاً عن التجارب الحياتية النوعية والتي تسهم في صياغة شخصية الشاعر أو الإنسان، فحين شعرت بروح الشاعر راشد شرار الجمالية اقتربت منه شخصياً وكان ذلك في فترة مبكرة من حياتي في أوائل التسعينات من القرن الماضي». الشاعرة شيخة الجابري بينت في إطار عرضها لورقتها كم الصعوبة التي واجهتها في إعدادها والمتعلقة بأن معظم شعر الشاعرة ريم البوادي لم يعد موجوداً، فضلاً عن تواريها عن الإعلام لفترة طويلة، واستعرضت الجابري سيرة حياة ريم البوادي وكيف كانت من الشاعرات اللواتي ظهرن في حقبة ثمانينات القرن الماضي، وكيف تأثرت بالشاعرة الكبيرة الراحلة عوشة بنت خليفة السويدي والمعروفة ب «فتاة العرب»، واستعرضت من خلال كل ذلك نماذج من شعرها فقالت: «من المؤسف أن الشاعرة فقدت أرشيفها الشعري الذي يحتوي النصوص التي كتبتها منذ أن تفجرت لديها موهبة الشعر في الطفولة المبكرة، ولم يتبق لديها إلا ما تحفظه ذاكرتها، أو ما تكتبه حالياً، ومن شعرائها المفضلين والذين تأثرت بهم سالم الجمري رحمه الله، وعوشة بنت خليفة السويدي (فتاة العرب) رحمها الله، حيث كانت صديقة لوالدتها وتحرص على التواصل معها وكانت تزورهم في المنزل بين فترة وأخرى». وأبرزت الجابري العاطفة الدينية في قصائد الشاعرة فقالت: «تتجلى العاطفة الدينية بشكل واضح في قصائد الشاعرة ريم البوادي، ويظهر ذلك في الكثير من النصوص التي منها قصيدة ( علام الغيوب)، وفيها تذهب إلى ضرورة الخضوع والتذلل للمولى سبحانه وتعالى بالدعاء وصدق النية فيه، وذلك كي يضمن الإنسان الاستجابة»، ثم تأتي الجابري بنموذج من القصيدة الآنفة الذكر والتي تلجأ فيها الشاعرة إلى الله متضرعة له كي يعينها على كوامن نفسها الزاخرة بجمر الحب وتقول فيها: يارب يا علام الغيوب يا عالم بصبري وبلواي ياكاشف البلوى عن أيوب ياسامع ذا النون في الماي لك بشتكي والذل مطلوب للخالق المعبود مولاي دريك متعلل ومصيوب ما ريت من ينعت لي دواي ينهال جمر الحب ليهوب فاليوف يتصافح مع اعضاي الناقد علي العبدان عرَّف في بداية ورقته البحثية بالشاعر محمد بن رضوة الكتبي، وبحث في الخصائص الفنية والأدبية لأشعاره مستعرضاً نماذج من تلك الأشعار، ولخص تلك الخصائص قائلاً: «من تلك الخصائص والسمات الفنية والأدبية ما يلي: -موضوعات الشاعر وأغراضه متنوعة، لكن يغلب عليها طابع الغزل والمُشاكاة، وهما على كل حال غرضان رئيسان في الشعر الشعبي، ومع ذلك فهو عفيف في الطرح والوصف، يتجمل بالآداب في بيانه ووصفه. -يعمل الشاعر على تبسيط وتسهيل لغة الشعر، مع الحرص على تدفق المعاني والألفاظ جميعاً في لطافة وسلاسة ظاهرتين - في لغة الشاعر الكثير من مفردات اللهجة المحلية عربية الأصل، والتي تعود جذورها إلى العربية الفصحى، ولذلك فقصائده ككثير من عيون القصائد الشعبية في الإمارات، هي ذخيرة كبيرة وثرة في هذا السياق اللغوي ما يقتضي العناية بها وبشرحها وتوضيحها من ناحية المعنى والاشتقاق. جماليات صوتية بين علي العبدان أن الشاعر محمد بن رضوة الكتبي، ينوع في أوزان قصائده ويحرص على الجماليات الصوتية فيها ويكرس بذلك صفات جمالية خاصة بها فقال: ينوع الشاعر في أوزان قصائده فهناك وزن (الردح)، وزن مجزوء الرمل، وزن المديد، وهو يُلوِن في هذه الأوزان في القوافي خاصة، ولكنه أيضاً يختار من الأوزان ما يتوافق وينسجم وموضوعاته، وفي هذا انتباه إلى طبيعة رنين الأوزان وحسن توظيفها في الأغراض الأدبية»، وأضاف العبدان قائلاً: «يحرص الشاعر على الجماليات الصوتية للحروف العربية، وجرس الألفاظ، ويستخرج منها إبداعاته النغمية لتزيين وزخرفة مفردات القصيدة». وأكد العبدان أن الكتبي لا يكاد يفارق اللطافة والرشاقة والسلاسة في كل أغراض شعره، واستعرض تأثير نشأته المحلية في موهبته وإبدعاته ونموها فقال: «نشأ الشاعر وعاش بين ربوع المنطقة الوسطى من إمارة الشارقة حيث البداوة والأصالة والتقاليد العريقة، وحيث الآداب والفنون الشعبية الأصيلة كالأمثال الحكيمة والقصائد البليغة والقوافي الجميلة».
مشاركة :