فنانون سعوديون يشيدون جسراً يربط الماضي بالمستقبل في «شتاء طنطورة»

  • 1/22/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

من موقعها في شمال المملكة، تعتبر محافظة العلا عروس الآثار والحضارات القديمة على مر العصور، وأحد المواقع الأثرية المعترف بها عالمياً، وتعد وجهة سياحية من الطراز الأول لعشاق المناظر الطبيعية لما تتمتع به من بيئة خلابة بتنوع غطائها النباتي، فضلاً عن مجتمعها الزراعي المستند إلى إرث تاريخي عريق. أدركت الهيئة الملكية لمحافظة العلا هذه الحقيقة، وكرّست جهدها لتسليط الضوء على تراث المنطقة الغني الذي يعود إلى ثمانية آلاف عام، سطرت البشرية خلالها مسيرتها الحضارات سطرت على واجهات الجبال في كل أنحاء العلا، فحولتها إلى متحف مفتوح بكل ما تحتويه، ووقفت شاهدة على تاريخ الحضارات ومهدت الطريق لحضارة المملكة الحالية ومستقبلها. وخلال «شتاء طنطورة» الذي تنظمه الهيئة للمرة الأولى هذا العام، شارك فنانون سعوديون مسيرة تلك الحضارة بمجموعة من الأعمال الفنية المعروضة في المخيم الشتوي، جمعوا فيها بين الفن المعاصر وسحر التاريخ. ومنهم الأمير سلطان بن فهد الذي شارك بعمل فني بعنوان «كان حاكماً»، وهو تجميع لصور مجسمات معاصرة للحكام العرب القدامى التي اخذها من معرض «كنوز أثرية من المملكة العربية السعودية»، تم تصويرها بالأشعة السينية (الطبية) التي تظهر مميزات شبيهة بالإنسان مثل الأسنان والعظام وشارك أيضاً كلاً من: عبدالله العثمان، والدكتورة زهرة الغامدي، وراشد الشعشاعي، وناصر السالم، واستلهم هؤلاء الفنانون أفكاراً وعناصر أعمالهم الفنية من طبيعة وآثار وتراث العلا، بهدف تسليط الضوء على كنوزها، وإعادة بناء الفترات التاريخية الغابرة لشعوب المنطقة لإبراز الهوية الوطنية والكشف عن عمق ملامحها. ومن الأعمال ما أطلق عليه الفنان عبدالله العثمان اسم «الصخرة»، وهي صندوق زجاجي يحوي صخرة كبيرة مزود بمؤثرات صوتية تم تسجيلها على فترات زمنية بين جبال العلا، لنعيش من خلاله تجربة الانتقال عبر الحضارات القديمة باستخدام الأصوات الطبيعية بين الكهوف والجبال والمزارع والبيوت التراثية وصوت الناقة وهمس الليل. وقال العثمان: «السماع منشأ الوجود، فإن كل موجود يهتز». وشارك العثمان أيضاً بعمل فني آخر أطلق عليه اسم «قسطرة القلب» يتشارك الفنان من خلاله مع المجتمع ويتفاعل مع التراث المعماري في العلا من خلال تقديم عمل فني معاصر يتناول فكرة «إنعاش البيوت التراثية»، من خلال عملية القسطرة لإعادة إحياء قلب المدينة. وعبّر الفنان عن ذلك باستخدام التغليف الكامل بالقصدير لبيت تراثي، ما يعكس الأضواء من حوله بشكل ملهم. اما زهرة الغامدي فشاركت بـ«نمو يتسارع» مصنوع من الجلد الطبيعي مستوحى من الآثار الحجرية في العلا، وما تحمله من نقوش، ليجسد النمو والتطور الحاصل في المناطق الأثرية التاريخية في العلا. واستخدمت الفنانة أسلوب الرمزية التعبيرية لنمو الأحجار بفعل العوامل والمؤثرات المختلفة سواء الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية والتاريخية المحيطة في المنطقة. أما العمل الذي يحمل اسم «الطفل العملاق يصنع المدينة»، فاستخدم راشد الشعشعي في تجهيزه مواد مختلفة وصوراً مخصصة ليخدم المعاني المفاهيمية لتعريف الإشارات المتلقاة يومياً، ويبتكر ما يصفه بـ«الحقل الدلالي» من خلال ما يطرحه من تساؤلات فلسفية، وفي مقدمة تلك التساؤلات الغرض من الوجود الإنساني والوظائف الاجتماعية التي من الممكن اختبارها. ويسعى من خلال أشكاله الملهمة أن يدعو المتفرج للارتباط مع العمل بالدلالات الدنيوية وذلك لتسهيل ما قد يشكل اضطراباً أثناء المشاهدة. ويُجسّد هذا العمل أحد خيالات الفنان في صغره بأن يكون عملاقاً يستطيع بناء المدينة بيديه. هذه الدهشة عادت للفنان حين زار العلا للمرة الأولى وشاهد جبالها العظيمة وآثارها الشامخة وكيف استطاع البشر نحت الجبال قبل آلاف السنين وتخليد آثارهم. أما الفنان ناصر السالم، فيقدم عملاً فنياً يحمل اسم «يتباهون في البنيان»، وهو عمل فني مبني أساساً على الكلمة العربية المكتوبة، إذ يعتبر الفنان نفسه خطاطاُ، وتهدف ممارساته الفنية لدفع حدود الفن الإسلامي القديم عبر إعادة اختراعه وتطبيقه بأساليب ووسائل غير تقليدية، وأيضا عبر استكشاف إمكاناته ونواحيه المفاهيمية. ويسعى الفنان من خلال هذا العمل إلى المقارنة بين المدن القديمة والمعاصرة، فهناك عدداً كبيراً من المدن العربية التي تفتقر إلى ما يُسمى في عالم المعمار «المخطط الشامل للمدينة» الذي يخضع الجميع لقوانينها ومعاييرها. فبحسب السالم فإن «دورة حياة المدن تشبه إلى حد كبير دورة حياة البشر وتقلبات هوياتهم، وبالتالي فإننا بحاجة إلى فهم جديد للهوية العمرانية وتعريف أكثر واقعية للعمارة والمدنية والدلالات الثقافية التي يوحيان بها».

مشاركة :