عندما نتحدث عن الفساد يجب ألا نغفل مكامنه، وطرق انتشاره حتى نستطيع بكل طاقاتنا أن نقضي على دائه، وليس كما يروّجه البعض وكأنها بضاعة، وأقصد هنا من السهل التحدث عن الفساد المستشري في البلاد، ولكن أين هم الفاسدون؟ وما سبل القضاء عليه؟ ولماذا لا تتم محاسبة الفاسد لينال عقابه؟ جميع المسؤولين لدينا يتحدثون عن الفساد، وطرق القضاء عليه، ولكننا في النهاية لا نرى هؤلاء الفاسدين، بل وهناك أشخاص تلوثت أسماؤهم وسمعتهم بالفساد والسرقات، ولكننا - مع الأسف - نسمع «جعجعة ولا نرى طحيناً» كما يقول المثل... إذاً أين يقع الفساد، ولماذا يتم السكوت والتغافل عن الفاسدين، فهل هم جماعة من المتنفذين الأقوياء حتى لا نرى أحداً يحاسبهم؟وهل يعقد منذ بداية الحديث عن فساد بعض مؤسسات الدولة، وحتى يومنا هذا، لم يحاسب فاسد واحد في أي جهة حكومية؟!لقد سمعنا مراراً عن فساد البلدية، وعن سرقات الناقلات الكويتية أيام حقبة الثمانينات، واليوم نسمع عن قيام هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» بتحويل بعض مسؤولي البلدية الى النيابة العامة للتحقيق على خلفية تزوير شهادة أوصاف عقار مخالف، وهذا «غيض من فيض»، فهناك في - هذا السياق - تقرير ديوان المحاسبة عن العديد من الأخطاء إذ إنه قدم ملفاً متخماً بالملاحظات والتجاوزات، وكذلك ما سمعناه عن فساد المكاتب الصحية في الخارج، ثم فساد الهيئة العامة لشؤون ذوي الاعاقة وإحالة ملفات عديدة تخص مدعي الإعاقة - لشبهات التزوير والتحايل على الميزات المالية - إلى النيابة العامة، ثم فساد الشهادات المزورة، مروراً بفساد الأغذية، ومصروفات الضيافة، وتزوير الإقامات واستمارات القيادة، وفي ملفات الجنسية الكويتية من أجل حفنة دنانير، وهي الرشوة، وقد تمت إحالة جميع المتهمين في فساد التزوير وسرقات مصروفات الضيافة إلى النيابة.ولا ننسى فساد التأمينات بعدما شاهدنا العديد من التجاوزات المالية، التي تخص شريحة كبيرة من أموال المتقاعدين، ومقولة العجز «الاكتواري» الشهيرة أمام سوء إدارة هذه المؤسسة الحيوية، وكيف استطاع هؤلاء المتهمون المسؤولون الإفلات من الأحكام الجزائية، ومن العقاب والهروب بأموال التأمينات خلسة، واليوم أيضاً نسمع عن فساد بعض الجمعيات التعاونية وإحالة معظم أعضاء مجلس إداراتها إلى النيابة العامة بسبب اكتشاف سرقات مالية بالجملة من بند مصروفات كل جمعية تعاونية.وقد كان لوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السابقة هند الصبيح دور كبير في القضاء على فساد الجمعيات التعاونية، ما أدى إلى حل معظم الجمعيات مع مجالس إداراتها المنتخبة، وتعيين أعضاء جدد من وزارة الشؤون، وأيضاً ملف الاتجار بالبشر وفساد رؤوس المافيات، وصدور أحكام قضائية تدين هذه الافعال المشينة.ففساد «الشؤون» - كما قالت هند الصبيح - لا يقتصر فقط على الفساد المالي وإنما الفساد الإداري وهو الأعظم، حيث قالت: «لو أكتب كتاباً عن الفساد الموجود في وزارة الشؤون فلن أنتهي منه، وبالتالي هي محقة في ما تقول، مع وجود هذا الكم الهائل من الفساد في أروقة مؤسسات الدولة».ومن هنا نجد أن إطلاق استراتيجية وطنية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، أصبح أمراً ملحاً في الوقت الحالي، ونشيد بتوجه الحكومة ممثلة بمجلس الوزراء على إنشاء مقار لهيئة مكافحة الفساد «نزاهة» في الوزارات والجهات الحكومية، وذلك لتحسين صورة الكويت وتحسين مؤشر مدركات الفساد للقضاء عليه كلياً، بعد أن احتلت الكويت المرتبة الـ75 دولياً، والسابعة عربياً في مؤشر مدركات الفساد لسنة 2016م، فكلنا أمل أن نجد الكويت خالية من أي مؤشر فساد في المستقبل القريب، بما أن الجميع مشارك في نبذ ومواجهة هذا الفساد في البلاد.... ولكل حادثٍ حديث.
مشاركة :