ما هي أبعاد العلاقة بين المثقف والسلطة، ولماذا تبقى شهوة السلطة تغازل المثقف، والفنان مثقف في كل الأحوال، يسعى بفنه لإيصال فكره للجماهير العريضة؟ هل العلاقة هي قصة «الخيط والعصفور»، أي أن السلطة لا تسمح للمثقف والفنان بأن يحلق بعيداً عن المدى المسموح له به، المتمثل به الخيط، أم أن المثقفين مجرد حلي تزين عنق السلطة وليس شيئاً آخر؟ التوصيفات السابقة يمكنها أن تنسحب على العوالم العالمثالثية، حيث مساحة الحريات متقلصة، وحيث الكثير من المثقفين والفنانين قد اختاروا أن يعيشوا كنباتات في الظل، في بيوت من زجاج بدلاً من أن تعيش أرواحهم كأحراج في الغابات وأشواك في الصحراء، جذورها في الأعماق، وأعناقها تخترق عين الشمس والهواء الطلق يحميها من الوحوش الغادرة. النموذج الأخير ولا شك هو نموذج المثقف والفنان الحالم، والذي لا تداعبه شهوة السلطة بقدر ما تستدعيه كالنداهة شهوة تغيير العالم، والتي تجعل المقعد الرئاسي أحياناً هدفاً له، وبعضهم نجح في هذا السياق، من الشاشة الفضية إلى مقاعد الحكم، والبعض الآخر لا يزال يسعى في الطريق.. لماذا هذا الحديث في هذه الأوقات؟ إنها أميركا، ومن جديد التي يأتيك منها كل مثير وغريب وعجيب، وها هي تستعد للانتخابات الرئاسية 2020، والمثير هذه المرة يتمثل في الأعداد الكبيرة من الفنانين، وبعضهم من المثقفين المعروفين، وأصحاب التجارب الإنسانية الكبرى حول العالم، الذي يتسابقون في الميدان، الأمر الذي يستدعي تساؤلات عديدة عن العلاقة بين الفنان والسلطة، والسينما والسياسة في الولايات المتحدة، عطفاً على المزاج الثقافي الذي يفتح الأبواب الواسعة للنقاش حول أحقية الفنان المثقف في الوصول إلى البيت الأبيض، الأمر الذي يكاد أن يكون رجع صدى بشكل أو بآخر لجمهورية أفلاطون، حيث الفلاسفة هم الحكام، والمفكرون هم القابضون على جمر صناعة القرار. مواصفات رئاسية على أن علامة الاستفهام الأولى التي تقابلنا على قارعة الطريق في هذه القراءة: ما هي مواصفات الرئيس الأميركي المثالي، وهل نجدها هنا متوافرة في أي من الفنانين المثقفين، أو سواهم ممن يسعون إلى مقعد البيت الأبيض؟ أحد أهم الذين أقدموا على تقديم رؤيتهم في هذا السياق الفكري الباحث وعالم السياسة الأميركي البارز «توماس كرونين» في مؤلفه الشهير «الرئاسة تشريف أم تكليف»، وعنده أنه إذا كان الأميركيون يحلمون بانتخاب رئيس مثالي يجمع بين الاستقامة والحنكة، والحزم والخبرة السياسية والتنفيذية، إلا أن هناك مجموعة من السمات الشخصية، والمهارات الرئاسية السياسية التي يجب أن تتوافر في أي رئيس، ويجملها في ثمانية منطلقات، يضيق المسطح المتاح للكتابة عن تفصيلها لكنها بغير تطويل ممل كالتالي: 1 ـ الاستقامة وسمو الأخلاق: تتصدر عادة صفة الاستقامة قمة استطلاعات الرأي التي تجري في أميركا حول ما يرغب الأميركيون في توافره من سمات في شخصية الرئيس القادم، وهذه بالطبع هي النتيجة المتوقعة بعد أربعة عقود من محاولات التضليل والفضائح الرئاسية المتوالية. 2 ـ الشجاعة: إن معنى الشجاعة اصطلاحاً أنها حالة عقلية أو معنوية تمكن الشخص من مجابهة الأخطار التي تحيط به بثقة وعزم وإقدام، وبالتالي تعطيه القدرة على الارتفاع لمستوى التحديات. 3 ـ الطموح والزعامة: يجب أن يتحلى الرؤساء بطموح ورغبة غير تقليدية في الزعامة، ولكنها يجب ألا تنقلب إلى رغبة مرضية في السلطة لا يمكن كبح جماحها، فبالإضافة إلى تلك الرغبة في الزعامة يجب أن يكون لديهم قابلية للتفاهم وتقدير لاعتماد السياسة على مسألة الأخذ والعطاء. 4 ـ التفاؤل: يحب الأميركيون الرؤساء الذي يرتقون بآمالهم، ويذّكروهم بأمجادهم السابقة، ويقنعوهم بأنهم مقبلون على «فجر جديد لأمريكا»، وقد مكّنت روح التفاؤل تلك «روزفلت» من الفوز على «هوفر»، وساعدت كلاً من كيندي وريجان وكلينتون، في الفوز على نيكسون وكارتر وبوب دول على الترتيب. 5 ـ القوة والحزم: يريد الأميركيون رئيساً قوياً وحازماً حتى يستطيع حماية تلك الأمة، بكل ما أوتي من قوة، وأن يستخدم كل وسيلة ممكنة للدفاع عن مصالحها. 6 ـ التعلم والإنصات: ولأن الأميركيين يعلمون علم اليقين أن بعض الرؤساء سيقعون في أخطاء من آن لآخر، لذا فإنهم يريدون رؤساء يتقبلون النصائح، ويكون لديهم فضول فكري، وإدراك عميق للتاريخ والمبادئ الدستورية. 7 ـ الثقة بالنفس والتواضع: إحدى أهم الخصائص التي يبغيها الأميركيون في رئيسهم القادم أن يدرك أين هي مواطن القوة وكذا نقاط الضعف في شخصيته، وأن يعمل على تعظيم الأولى وتقليص الثانية. 8 ـ التفاهم وحب الناس: يريد الأميركيون رؤساء يحبون أو يتفاعلون مع الناس بمودة، كل الناس من مختلف الطبقات، والانتماءات، قريبين من الشعب، يتفهمون رغباتهم، ويعبرون عنها. تسييس الفن قبل الدخول في عمق تحليل الشخصيات الفنية الساعية للترشح للرئاسة 2020 ينبغي علينا أولاً التوقف مع الحدود الفاصلة بين الفن والسياسة في الولايات المتحدة الأميركية، وأين تتماس الحدود وأين تفترق؟ ذات مرة تحدث الزعيم الهندي جواهر لآل نهرو عن حال العالم في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية فقال: «نحن محاصرون في منافسة بين قوتين أميركيتين، واحدة شريرة غامضة تستعمل للتطويع والإخضاع، وهي وكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA، والثانية براقة وخداعة تستعمل للغواية والإغراء، وهي هوليوود، عاصمة السينما»... هل الحديث المتقدم لقائد سياسي ماهر على نحو نهرو يميط اللثام عن الخطوط الواضحة بين السياسة والفن في الداخل الأميركي؟ الشاهد وفيما يخص مقاربة نهرو أنه إذا فازت مخابرات أميركا فإن حريات العالم تبقى مهددة، وإذا انتصرت هوليوود أصبحت ثقافات الأمم والشعوب الأخرى مخترقة، وهذا ما جرت به الأقدار في تسييس الفن الأميركي، ذاك الذي أضحى مقدمة ضارية آيديولوجياً للترويج للنسق والحلم الأميركي، منذ أربعينيات القرن المنصرم. لم يتوقف توصيف ظاهرة العلاقة بين السينما والفنانين والحياة السياسية عند نهرو فقط، فهناك مفكرون آخرون مثل الألماني «والتر بنيامين» صاحب مؤلفات «المؤلف كمنتج» و»العمل الفني في عصر الاستنساخ التقني»، من يجادل بوجود صلة وثيقة بارتباط صعود الرأسمالية بإعادة إنتاج الأعمال الفنية، بخاصة في أوج عصر الفاشية، حيث تحالف هتلر مع موسيليني في الربع الثاني من القرن العشرين. الأمر عينه رأيناه يتكرر على شاشة هوليوود في سبيعنيات وثمانينيات القرن المنصرم، عندما كانت الـ CIA، تنتج أفكاراً وأفلاماً عن العربي بنوع خاص، وملامحه ومعالمه، كثريّ لا يهتم إلا بالأموال والنساء، ولا دالة له على علم أو حضارة. وطوال العقدين المنصرمين، تبدلت الصورة، وأضحى العربي هو الإرهابي، مصّاص الدماء، وفي الحالتين كان الفنان الأميركي هو المعبر والجسر، بين الجماهير، وبين الدولة الأميركية العميقة، ولهذا بات السؤال الذي يداعب، بل ويشاغب العقل الفني الأميركي، الفردي والجمعي، لم لا يكون الفنان رئيساً من جديد؟ ولعل المتابع لحفلات الأوسكار في الأعوام الأخيرة، يدرك أن عدداً من الفنانين والمخرجين الأميركيين الكبار، قد خطا خطوات واسعة، في عالم السياسة، بالاقتراب المباشر تارة، أو الاستدارة نحو المعاني والمباني تارة ثانية، وقد كان آخر هؤلاء المخرج المثير للجدل مايكل موور صاحب أشهر الخطب السياسية في محفل فني، ذلك أنه غداة تسلمه جائزة أفضل فيلم وثائقي عن فيلمه: bowling for columbine والذي انتقد فيه الغزو الأميركي للعراق، علا صوته بالهتاف صائحا: «نعيش في زمن يرسلنا رجل إلى الحرب لأسباب خيالية»، مختتماً الحديث بالقول «نحن ضد هذه الحرب، العار عليك يا سيد بوش، نحن لا نريد تلك الحرب». ولم ينته الأمر عند ذلك، فثمة العديد من الخطب ذات المضمون السياسي خلال حفلات الأوسكار، سواء التي نادت بحقوق أقليات، أو أدانت حروباً وممارسات عنف، ومنها ما جرى على سبيل المثال عام 2015، عندما شكرت الكاتبة لورا بويتراس، عميل جهاز الأمن القومي الأميركي المنشق إدوارد سنودن لكشفه الوثائق التي تدين الولايات المتحدة، وتكشف تجسسها على عدد من البلدان والدول. والشاهد أن فنانيّ ومثقفيّ أميركا قد أدركوا ومنذ وقت بعيد أنهم أضحوا أدوات في أيدي جماعات الضغط الأميركية، والتي تشكل الأيادي والأذرع الأخطبوطية للدولة الأميركية العميقة، وبات عند أبطال الشاشة والمسرح والسينما الأميركية قناعة بأنهم يشكلون وعن حق اليوم، جزءاً لا يتجزأ من القوة الناعمة الأميركية، التي مكنت للمشروع الامبراطوري الأميركي أن ينطلق محلقاً حول العالم، وبات التساؤل المثير لماذا لا تكون لهم القيادة مرة ثانية؟ طريق ريجان لعل رونالد ريجان الرئيس الثالث والثلاثين للولايات المتحدة الأميركية (1911 ـ 2004) كان النموذج والمثال الأمثل للفنان الأميركي الذي شاغله إلهام السياسة أو شيطانها، فمن شاب رياضي مجالاته متنوعة بين السباحة وكرة القدم والعدو، إلى معلق رياضي في محطة إذاعية في «لوا» بولاية كاليفورنيا عام 1932، وذلك بعد تخرجه مباشرة من جامعة إيلينوي التي درس فيها وتخصص في الاقتصاد والاجتماع. يصف نايجل هاملتون كاتب السير والأكاديمي البريطاني الشهير في كتابه العمدة «القياصرة الأميركيون» رونالد ريجان بأنه أحد الرؤساء الذين بلغوا مرحلة من العظمة بالنسبة إلى المحافظين. بفضل مهارته كمذيع في الراديو تحول ريجان إلى أسطورة إيلينوي، وخصوصاً قدرته على جعل لعبة كرة حيّة تؤثر في عقول الناس من وراء المذياع، وعلى صعيد آخر، وبعد أن قام بزيارة موقع فيلم لـ«جين أوتري» الذي كان يصوّر في استوديو «ريبابليك بيكتشور»، في هوليوود، وقع في غرام عالم الأفلام، وبعد اختبار على الشاشة تسلم ريجان برقية في (أبريل) 1937 تعلمه أن شركة «وارنر برذرز» مستعدة لتقدم له عقداً لمدة سبع سنوات مقابل مئتي دولار في الأسبوع، وبحلول عام 1941، كان ريجان يكسب اثنين وخمسين ألف دولار عن كل فيلم. كان الفن سبيله إلى عالم السياسة، فقد لعب أدواراً مختلفة على صعيد النقابات المهنية والفنية في هوليوود، وبات لسان حال العديد من المؤسسات السياسية التي يلقي بها الخطب ويشعل حماس الجماهير، لتمضي به دروب الحياة إلى تحويل شعبيته الواسعة التي اكتسبها عبر التلفاز إلى شعبية في صفوف الناخبين. وفي (نوفمبر) 1966، هزم ريجان حاكم كاليفورنيا الديمقراطي «بات براون»، بما يقارب مليون صوت، وأصر ريجان على إلقاء خطاب القسم بعد مرور دقيقتين من منتصف الليل في الثاني من (فبراير) 1967. من نجم هووليودي، أضحى ريجان في العشرين من يناير 1981، رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وأعاد نفوذ أميركا إلى العالم، سيما بعد أربع سنوات للرئيس الديمقراطي جيمي كارتر الذي يعده الأميركيون وحتى الساعة رئيساً ضعيفاً، ووصفه «هاملتون»، بأنه انتُقد في البداية واحتُرم في النهاية، مهزلة الجميع بداية، ومحط احترامهم لاحقاً. والشاهد أن ريجان المذيع والممثل، وحاكم كاليفورنيا، ثم الرئيس الجمهوري لولايتين متتاليتين وباقتدار (1981 ـ 1988) قدر له أن يكون الرجل الذي تتحطم على صخرة رئاسته، أسطورة الاتحاد السوفييتي، فقد استطاع النجم الهوليودي في داخله أن يسطو على ملكات الرئيس، ليحذّر وينذر من الدب الروسي، ما مكّن الأميركيين من السير وراءه إلى اللحظة التي تفتت فيها الاتحاد السوفييتي، وسقط الستار الحديدي، على يدي الرئيس الفنان. سحر شوارزينجر وفرانكن لم يكن رونالد ريجان وحده الممثل الهوليوودي الذي استقطبته شاشة الأحداث السياسية، فقد برز بعد آرنولد شوارزينجر، فمن بطل في كمال الأجسام، إلى ممثل لأدوار صغيرة في النمسا، موطنه الأصلي، قبل أن يهاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية في 1968، ليجمع بين الرياضة والفن الذي عرف طريقه إليه في أوائل الثمانينات. وكالعادة يبدو الفنان هنا في حاجة إلى الدعم والسند السياسيين، الأمر الذي توافر له من خلال زواجه من «ماريا أوينز»، التي تنتمي إلى عائلة الرئيس الأميركي الراحل جون كيندي. تغيّرت حياة شوارزنيجر العام 2003، حين دخل إلى مجلس ولاية كاليفورنيا، وفاز بمقعد الحاكم، واستمرت حاكميته حتى عام 2011، وقد لعب دوراً مهماً في إصلاح أحوال الولاية اقتصادياً، وهي من كبرى الولايات الأميركية، قبل أن يعود إلى السينما مرة أخرى في 2010. وبجانب شوارزنيجر، يأتي الحديث عن «آل فرانكن» الكوميديان الأميركي الشهير، ومقدم البرنامج التلفزيوني الكوميدي «ليلة السبت مباشرة»، ومن أعمال فرانكن الساخرة من السياسة والسياسيين، تلك المقابلة التي أجراها مع الرئيس الأميركي رونالد ريجان في حافلة حملته الانتخابية 1976. وقد خاض فرانكن انتخابات مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي عام 2008، ليفوز وليكتب مسيرة الفنان الذي أغوته السياسة فترك الفن، وكان سحر السياسيين الذين عرفهم، قد ألقى بظلاله عليه. «حلم «أوبرا» من بين الأسماء التي لمعت في سماء الفن والإعلام الأميركي، وأضحت من النجوم البارزة أميركياً، كانت ولا تزال الإعلامية أوبرا وينفري، التي دخلت إلى بيوت الأميركيين وعقولهم وقلوبهم إلى حد أن طالبوا بترشحها للرئاسة الأميركية 2020. كان لافتاً للنظر في نوفمبر 2008، وقت إعلان فوز الرئيس أوباما بالرئاسة، كيف أن الدموع ملأت عيني أوبرا، وهي التي دعمته مالياً وأدبياً بشكل غير مسبوق. مرة أخرى وأمام 29 ألف أميركي في كولومبيا وقفت أوبرا في حشد أغلبه من الأميركيين الأفارقة متحدثة بالقول: «إن حلم مارتن لوثر قد وقف عند حدود الحلم، أما نحن فلا يجب علينا الاكتفاء بالحلم فقط، علينا أن نحول الحلم إلى واقع». دفعت كلمات أوبرا هذه العديد من الأميركيين الذين رأوا في وجه أوبرا الفني والإنساني معالم وملامح رئاسة غير عنصرية، ذلك أن أحاديثها وتصريحاتها لا تحمل عصبيات، ولا تحتمل أي شوفينيات أو قوميات، وظل الحديث طويلاً عن احتمالات ترشحها للرئاسة. غير أنه وفي فبراير الماضي، وخلال استضافتها في برنامج «جيمي كيميل»، صرحت بأنها لن تترشح للرئاسة، مشيرة إلى أن اعتقاد الناس بأنها قادرة على إدارة شؤون البلاد، أمر جعلها تشعر بالخجل، وأنها تفضل أن تقوم بما تقوم به في خدمة مؤسسات المجتمع المدني... لكن هناك من لا يخجل من فناني أميركا؟ هل تفعلها أنجلينا؟ أحد أكثر الوجوه الفنية حداثة المنضمة إلى سرب من غازلتهم شهوة السلطة، أنجلينا جولي، تلك التي وضعها الأميركيون قبل بضعة أعوام في مرتبة متقدمة من حيث الأهمية على الرئيس باراك أوباما، وكان ذلك في استطلاع أجرته مجلة «فوربس» العالمية، في سعيها لتحديد أهم الشخصيات الأميركية بالنسبة للمواطنين الأميركيين. والشاهد أن أنجلينا تكاد تكون أقرب الفنانين الأميركيين إلى الواقع، لاسيما وأنها سفيرة نوايا حسنة للأمم المتحدة، ومعروفة بجولاتها وصولاتها في معسكرات ومخيمات اللاجئين، وبخاصة العراقيين الذين شردتهم الحرب والغزو الأميركي بنوع خاص منذ عام 2003 وحتى الساعة. ولعل أهم ما لفت نظر الأميركيين إلى أنجلينا جولي هو أنها تلعب دوراً إنسانياً بالغ الأهمية على الصعيد الدولي، ومنذ العام 2001 وهي تمارس عبر هذا المنصب دوراً حيوياً لا دعائياً، ولم تنظر للمركز الأممي هذا بوصفه مكانة شرفية، بل أخذت الأمر على سبيل الجد، امتلأت نشاطاً، فسافرت إلى العديد من الدول كباكستان وتنزانيا وجيبوتي وغيرها من دول العالم الثالث التي تعاني من الفقر، وكإشارة على تعاطفها مع الدول الفقير والمطحونة، تبنت أنجلينا جولي، الطفل الكمبودي «مادوكس»، وجعلته بين أبنائها. في مساء الجمعة 28 ديسمبر الماضي وخلال استضافتها في برنامج (BBC Today)، ألمحت أنجلينا جولي إلى إمكانية الترشح لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية، مشيرة إلى أنها يمكن أن تتبع خطوات دونالد ترامب، لأنها تشعر أنها بحاجة لذلك. في هذه الاستضافة قالت: «لو سئلت هل أنتِ جاهزة للترشح لرئاسة أميركا قبل عشرين عاماً، لكنت سأضحك، ولكن الآن الوضع مختلف، ودائماً أتخذ القرارات في وقتها، ولا أعلم ما إذا كنت مناسبة للسياسة أم لا»، ومضيفة «سأفعل ما أظن أنه يمكن أن يحدث التغيير بالفعل».. هل من رؤية معينة لأنجلينا جولي تفوق فيها تطلعات دونالد ترامب؟ الشاهد أن الرئيس ترامب رفع وقبل أن يدخل البيت الأبيض شعاراً مثيراً «أميركا أولاً»، وعلى الرغم من أن الشعار ظاهرياً لا يحمل مخاوف بعينها، إلا أنه يعيد التذكير بالطروحات القومية والعنصرية المخيفة، هذا في حين إن أنجلينا جولي ترى أنها «وطنية»، ولكنها أيضاً أممية، وتحب وتقدّر أوطان الآخرين، وتوضح ذلك بالقول: «أن تكون وطنياً هو أن تفخر ببلدك أن يكون أولاً، لكنك لا تعتقد أن بلدك أفضل من غيره». ولعل السؤال هل يمكن لانجلينا جولي أن تعيد سيرة رونالد ريجان، لا سيّما وأن أميركا المنقسمة روحها في داخلها في حاضرات أيامنا تسعى لرئيس ورئاسة تعيد تجميع ما قد تفرق؟ مرشحون وحالمون هل كان نجاح المرشح دونالد ترامب في الوصول إلى البيت الأبيض عام 2016 نموذج ومثال لعدد من المشاهير الأميركيين من خارج سياق الدائرة السياسية الرسمية، لخوض غمار الانتخابات الرئاسية القادمة؟ المؤكد أن دونالد ترامب قد جاء من وسط أعمال العقارات، والرجل لا دالة له بالمرة على العمل السياسي، إذ لم يكن يوماً عمدة لأصغر قرية في الداخل الأميركي، ولهذا بات الكثيرون يتطلعون لتكرار التجربة، غير أن غالبيتهم باستثناء أوبرا وينفري، وأنجلينا جولي يفعلون ذلك من باب الدعاية لأنفسهم والمرور من بوابة الشهرة والصخب اللذان يلازمان تلك الانتخابات الرئاسية عادة. والثابت أن الظاهرة عنوان هذا الطرح قد لفتت انتباه موقع «بيزنس إنسايدر» الأميركي، الذي أشار إلى عدد ثماني أشخاص من هوليوود، وما حولها يتطلعون لدخول البيت الأبيض. في المقدمة من هؤلاء الممثل والمصارع الأميركي دواين جونسون المعروف باسم «الصخرة»، الذي أشار في تصريح له لمجلة (Vanity Fair) إلى أنه لا يستبعد ترشحه، وهو من المنتمين إلى الحزب الجمهوري. هناك الممثل الكوميدي «كريس روك» الذي أعلن بدوره على صفحته، على موقع تويتر، أنه سينوي خوض تلك الانتخابات، إضافة إلى الممثل الأميركي رون بيرلمان، الذي شارك سابقيه نفس التوجه. هناك بعض الأسماء التي أعلنت نيتها الترشح للرئاسة مثل مغني الراب الأميركي كاني ويست، زوج نجمة تلفزيون الواقع الشهيرة كيم كارداشيان، فقد أشار إلى ذلك في أكثر من خطاب، لكن هذا الترشح لاقى استهجان الجماهير بسبب مواقف لا أخلاقية منسوبة إليه، الأمر الذي يتعارض جملة وتفصيلاً مع السمات التي أشرنا إليها من قبل والمطلوب توافرها في أي رئيس أميركي قادم. الأمر نفسه ينطبق على كيم كارداشيان، ففي مقابلة لها مع شبكة CNN الإخبارية الأميركية، ورداً على سؤال حول ما إذا كانت تنوي دخول عالم السياسة والترشح للانتخابات الرئاسية قالت كارداشيان: «في كل الأحوال لا يجب القول لا»، وحتى تفتح باب التكهنات أضافت، «لكن هذا لا يعني إنني سأبدأ غداً العمل من أجل ذلك». بين الانقسام والوحدة لعل الدلالة الواضحة للأسماء التي أعلنت عن تفكيرها في الدخول لمعترك الحياة السياسية الأميركية، وبنوع خاص من الفنانين الأميركيين، والإعلاميين، والمغنيين، هي أن هناك حالة عوز حقيقي لشخصية سياسية كاريزماتية، قادرة على لم شمل ما قد تفرق من جراء سياسات دونالد ترامب . ولعل أحد أفضل الوجوه السينمائية الأميركية التي تحدثت في هذا الإطار كان الممثل الأميركي والنجم الأسمر ويل سميث ففي حديث له لشبكة (CBS) الإخبارية الأميركية العام المنصرم، أشار إلى أنه يفكر في الترشح للرئاسة، رداً على الخطاب التفريقي لدونالد ترامب، وأضاف سميث: «إذا استمر الناس في ترديد مثل تلك الأمور الجنونية بشأن الجدران الفاصلة، وطرد المسلمين، فسوف يجبرونني على الانخراط في العمل السياسي، وأعني أنه سيكون عليَّ أن أترشح للرئاسة، فلا يوجد منصب آخر يمكنني الترشح له». أما مايكل موور المخرج المسيّس، فقد أشار إلى أنه سيكون من الأفضل بالنسبة للحزب الديمقراطي أن يقوم بترشيح أشخاص محبوبين ويتمتعون بشعبية كبيرة مثل «أوبرا وينفري» أو «توم هانكس»، لمنافسة ترامب في انتخابات 2020. الخلاصة... اللحظة الآنية الأميركية حقاً مثيرة، فالفن يكاد يصبح بوابة جديدة للدخول للبيت الأبيض، ولم تعد المسألة فقط شهوة سلطة تغازل المثقف والفنان، بل استدعاء للمثقف والفنان المشهور لتفعيل أدواته من أجل إنقاذ الوطن في أوقات تمضي فيها سفينة الحكم في بحر هائج ومائج وعلى غير هدى من ربّانها .
مشاركة :