«فنوا عن بكرة أبيهم، وفى هذا أقصى درجات المجد، وكفاهم فخرًا أن واحدًا منهم لم يتزحزح عن مكانه».. كلمات قالها اللواء محمد نجيب، عن عيد الشرطة، ليبقى صداها حاضرًا فى الذكرى السابعة والستين.. هى ليست معركة بل ملحمة تاريخية، سطر بها التاريخُ صفحات وضاءة، كُتِبَت بحروف من نور، وحبرها دماء ذكية، سيظل شذاها عبقًا يتزين به تاريخ الشرطة المصرية.هم ليسوا أبطالًا فحسب بل أساطير يتعلم منها القاصى والدانى، ليعلم أن رجال الشرطة المصرية كان لهم من العزة والفخر إرثًا كفيلًا برفع راية الشرطة عالية شامخة، ففى دروب تاريخ الملحمة تجول الكثيرون، وكتبوا على مدار سنوات عدة حكايات وحكايات، ونقلوا للأجيال من ملفاتها بطولات وبطولات.. واليوم تطرق «البوابة» أبوابًا جديدة من أبواب تاريخ الملحمة لتنفرد بأحاديث أبطال، وأبناء موقعة الإسماعيلية. شعب الإسماعيلية يتلاحم مع رجال الشرطة ضد الاحتلال الإنجليزى شهود عيان: أجدادنا جسّدوا شرفًا توارثه رجال الشرطة «بديوى».. المصور الوحيد الذى وثق معركة الشرطة ضد الإنجليز فى الإسماعيلية «الشريف»: شاركت فى أحداث حريق النافى الإنجليزى بالإسماعيلية «هاشم»: 25 يناير 1952 يوم تاريخى فى حياة الإسماعيليةمصور يوثق معركة الشرطة ضد الإنجليزفى البداية؛ يقول محمود بديوى، المصور الوحيد الذى وثق معركة الشرطة ضد الإنجليز فى الإسماعيلية، إن الأحداث فى الإسماعيلية التهبت منذ أن خرج النحاس باشا رئيس الحكومة، معلنًا إلغاء معاهدة ١٩٣٦، حيث قرر طلاب مدارس الثانوى بالإسماعيلية الخروج فى تظاهرات لمواجهة النافى الإنجليزى، وكان الهدف هو إسقاط العلم البريطانى، ورفع العلم المصرى، كنوع من فرض الإرادة المصرية على أراضيها؛ مشيرًا إلى أنه «خلال أحداث ١٦ أكتوبر كان دورى تصوير ما يحدث، وكنت أمتلك كاميرا ٣٥ ملل». وأضاف «بديوي»: «أنه أثناء الأحداث كنت طالبًا فى المدرسة الثانوية، وكنت متابعًا للأحداث على الساحة السياسية، ولذلك قررت أنا وزملائى التظاهر أمام النافى، كرمز للاستعمار البريطانى فى الإسماعيلية»، موضحًا أنه بعد أن جابت المظاهرة شوارع الإسماعيلية، وانضم إليهم عمال السكة الحديد، توجه إلى إحدى المدارس، و«طلبت من ناظر المدرسة إعطائى العلم المصرى لرفعه على النافى، بدلًا من العلم البريطانى، وبالفعل قوبل طلبى بالموافقة».ويتابع قائلًا: «وعند وصولنا أمام النافى تسارعت القوات البريطانية فى إجلاء العائلات الإنجليزية خارج النافى، حفاظًا على سلامتهم، كل هذه المشاهد قمت بتصويرها منذ البداية حتى آخر لحظة، ثم توجهت مسرعًا إلى اليوزباشى حسن طلعت، كان وقتها رئيس مباحث، وهو بدوره أخد الفيلم وسافر به إلى القاهرة، وقام بتسليمه إلى فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية وقتها، وتوجهت بعدها إلى استوديو التصوير الخاص بأخى». ويستطرد «بديوي»: «وبمجرد وصولى، وجدت الكينج صبرى، وهو مصرى، كانت القوات البريطانية تستعين به فى الترجمة، وكان يرتدى ملابسهم، وبصحبته مجموعة من الضباط يسألون عن الفيلم، ووقتها نفيت قيامى بالتصوير، لكنهم ألقوا القبض علىَّ، واقتادونى إلى معسكر الجلاء، الخاص بالقوات البريطانية، للتحقيق معى، واستمر التحقيق أسبوعًا، وبعد الثبات على الإنكار حاولوا تجنيدى، وقالوا لى إنه سيتم توفير فرصة تعليم لى بالخارج، لكنى لم أستجب لذلك، فأصدروا ضدى حكمًا بالإعدام».من الإعدام إلى التعيين فى «الأهرام»ويقول محمود بديوي: «تدخل أحد المسئولين المصريين، لدى الجانب البريطانى، لتخفيف الحكم، وبالفعل ألغى حكم الإعدام، وتم طردى من الإسماعيلية إلى القاهرة، وهناك التقيت وزير الداخلية فؤاد سراج الدين، ثم تعرفت على صحفى فى جريدة الأهرام، كان يشغل منصب رئيس قسم التصوير، وتولى تعليمى التصوير على كاميرات الأهرام، واتعينت فى الأهرام، وقبل معركة الشرطة عدت مرة أخرى للإسماعيلية». ويتذكر «بديوي» أحداث معركة الشرطة، عندما كان فى رحلة مع المدرسة إلى المتحف وشركة كوكاكولا ونصب الجندى المجهول، وأثناء مرور الطلاب فى شارع محمد على، تفاجأوا بتوجه عدد من الدبابات والمدرعات نحو قسم البستان، مع العديد من القوات الإنجليزية، هنا قرر «بديوي» ممارسة هوايته فى التصوير، لعلمه الجيد بوقوع حدث مهم، بعد هذا التحرك العسكرى الضخم، الذى شاهده للمرة الأولى، داخل شوارع الإسماعيلية، وبالفعل اختبأ خلف إحدى الدبابات الإنجليزية، وبدأ تصوير أحداث المعركة.ويروى «بديوي» أن أحد القادة الإنجليز شاهده أثناء التصوير، وقال له مداعبًا: هل ستصورني؟ فرد عليه نعم، وكأنه لا يعلم ما سيفعله هذا الشاب الصغير، الذى لم يتعد العقد الأول من عمره، وقال: إنه استطاع تصوير القوات الإنجليزية وهى تحاصر قسم البستان، وبعض قوات الشرطة المصرية، وهم يتحصنون بأجولة مملوءة بالرمال، داخل قسم الشرطة، ليصدوا العدوان الإنجليزى، والبعض الآخر يقفون بالعصا الخشبية أمام القسم، كما صور الضباط المصريون أعلى القسم يحاولون الدفاع بالأسلحة، وصور القائد الإنجليزى إكس هام، وهو يرسل إنذاره لرجال الشرطة المصرية، وأيضًا وهو يقود قواته فى المعركة.ويستكمل سرده للذكريات؛ فيقول: «بعد أن حاصر الإنجليز قسم البستان، وأطلقوا قذائفهم نحوه، اتجهت بعض القوات لضرب أحد المستشفيات القريبة من محيط القسم، لمنع إنقاذ المصابين وضحايا المعركة، وهذا يدل على بشاعة معركة الشرطة، وعدم تكافؤها على جميع الأصعدة، لكن رجال الشرطة صمدوا حتى نهاية المعركة، رغم قلة إمكانياتهم، وحاربوا بكبرياء وجسارة أذهلت الإنجليز أنفسهم، ولهذا أدوا لهم التحية العسكرية، بعد انتهاء المعركة».طلاب الثانوى يطالبون بسقوط الاحتلالفيما يؤكد عبدالوهاب محسن الشريف، مشاركته فى أحداث حريق النافى الإنجليزى بالإسماعيلية، فيقول: «كنت يومها طالبًا بالصف الثانى الثانوى، فى المدرسة الثانوية فى شارع نجريلى، الجيش حاليًا، ولم تكن أحداث ١٦ أكتوبر وليدة اللحظة بل سبقتها مظاهرات طلابية محدودة، بشكل يومى تقريبًا، حيث كان طلاب المدارس الثانوية يهتفون مطالبين بسقوط الاحتلال الإنجليزى، وكانت قوات الإنجليز تبحث عن أفراد هذه الحركة الطلابية، خاصة بعد أن رفضت الشرطة المصرية القبض على أى طالب منهم». ويقول «الشريف»: «عندما قامت المظاهرات فى ١٦ أكتوبر، خرجت كل المدارس الثانوية والإعدادية إلى ميدان المحطة (محطة السكة الحديد فى ميدان عرابى حاليًا)، واستمرت الهتافات ضد الإنجليز بضع ساعات تقريبا، ثم بدأ الطلاب المتظاهرون بضرب عساكر الإنجليز بالحجارة، وقذائف اللهب المصنوعة من القماش، وتحركت المظاهرات من محطة السكة الحديد، بعد أن انضم إليها عمال المحطة، واتجهت إلى مقر النافى الإنجليزي».ويضيف: «أثناء المظاهرات خطفت بدلة ضابط إنجليزى، وأسرعت واختفيت، وعند الانتهاء من المظاهرات العنيفة يومها، ذهبت إلى منزلى، بشارع الظاهر، بعرايشية مصر، وعندما دخلت البيت كان والدى فى انتظارى، فقال ما هذا الذى فى يديك فقلت بدلة ضابط إنجليزى، وبعد أن علم والدى بمشاركتى فى حريق النافى، أخدت منه علقة سخنة، وأخذ والدى بدلة الظابط الإنجليزى، ومزقها ووضعها فى بلاعة الصرف الصحى، حتى لا يراها أحد، لأن الإنجليز يومها كانوا يفتشون البيوت بحثًا عن الفدائيين».مصر عانت من الاحتلال الإنجليزى ٧٠ عامًامن جانبه؛ يقول هاشم حراجى الشريف، أحد طلاب مدرسة الإسماعيلية الثانوية، الذين نظموا مظاهرات ١٦ أكتوبر، وهاجموا النافى الإنجليزي: «عانت مصر بشكل عام من الاحتلال الإنجليزى، ٧٠ عامًا، منذ بداية الاحتلال فى ١٨٨٢ حتى خروجهم من مصر عام ١٩٥٢، حيث تركوا آثار الاحتلال على أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية»، مشيرًا إلى أن «الاحتلال تمركز فى قناة السويس، وأقاموا معسكراتهم، وكان أشهر معسكرات الإنجليز الشاهد على الاحتلال هو معسكر الجلاء بالإسماعيلية، والذى بنى خصيصًا ليضم كبار ضباط الإنجليز وأسرهم». ويضيف «حراجي»: «كما اتخذوا من بعض المناطق بالإسماعيلية مراكز لإقامتهم، مثل منطقة السلطان حسين، وكان يطلق عليها قديمًا حى الإفرنج، لأنه كانت تسكنها الأسر الإنجليزية بالكامل، كما أقام الإنجليز أكبر مركز تسوق بمدخل حى الإفرنج، على مساحة تخطت ٥ آلاف متر، وكان يسمى بـ«النافى»، لتأتى إليه كل العائلات الإنجليزية يوميًا، لشراء كل احتياجاتهم، وكانت تنقلهم أتوبيسات من معسكر الجلاء وسرابيوم والقنطرة والبلاح وفايد، كل يوم فى تمام العاشرة صباحًا للتسوق». ويتذكر «حراجي» أن من أشهر الهتافات التى كان ينادى بها المتظاهرون: «الجلاء التام أو الموت الزؤام»، «يحيا اتحاد الطلبة»، حتى جاء يوم ١٦ أكتوبر، ووصلت الأمور ذروتها، فقرر طلاب مدارس الثانوى بالإسماعيلية الخروج بمظاهرات تجوب شوارع الإسماعيلية، وصولًا إلى النافى الإنجليزى، الذى كان يمثل رمز الاستعمار، ليسقطوا العلم البريطانى، الذى كان يرفرف فى سماء الإسماعيلية، ويرفعوا بدلًا منه العلم المصرى. ويؤكد أن المظاهرات انطلقت من المدارس الثانوية بالإسماعيلية، فى تمام العاشرة صباحًا، أثناء اليوم الدراسى، وكان الاتفاق بين طلاب المدارس على أن يكون التجمع بمحطة السكة الحديد، ثم التوجه إلى مقر النافى الإنجليزى، وكان عبارة عن جدران خشبية، مقسمة إلى محلات صغيرة، لبيع جميع احتياجات الأسر الإنجليزية، مثلما كان يُقال وقتها «تجد فى النافى من الإبرة للصاروخ»، وانضم إلى الطلاب عمال السكة الحديد، وعلى الفور تم تهريب الأسر الإنجليزية، التى بلغت أعدادها المئات، من الأبواب الخلفية للنافى، وتحركت الأتوبيسات المنتظرة بهم إلى مقرات سكنهم، وتم إبلاغ القوات الإنجليزية بتصاعد الأحداث، فأرسلت قوات لحماية النافى، والأسر الإنجليزية، من معسكر الجلاء.معركة الشرطة ضد المحتل فى ٢٥ ينايرويتابع «حراجي»: «وبالفعل قررت القوات البريطانية فرض حظر التجوال، داخل الإسماعيلية ووضع أسلاك شائكة تفصل الحى الشعبى المسمى بـ»عرايشيه مصر»، والذى كان يسكنه المصريون، عن حى الإفرنج، الذى كان يسكنه الإنجليز، ومنع أى مصرى من التجول بين الأحياء، ومن يخالف التعليمات يقتل فى الحال، دون سابق إنذار، الأمر الذى زاد من غضب الأهالى، بسبب سقوط عشرات الشهداء من المدنيين». ويستطرد، قائلًا: «ازدادت العمليات الفدائية ضد الإنجليز، حتى شهدت الإسماعيلية أقوى معركة، وهى معركة الشرطة، حيث هاجمت القوات الإنجليزية قسم البستان «مديرية أمن الإسماعيلية حاليًا»، وحاصرته فى ٢٥ يناير، ذلك اليوم التاريخى، الذى سطر بدماء أبناء البلد الوطنيين، بتصديهم للجنود الإنجليز، وللاحتلال فى منطقة القناة، والتحم شباب الإسماعيلية من الفدائيين مع عساكر وضباط الشرطة، الجميع تكاتف بقدر ما يملك من إمكانيات ضعيفة وقليلة، من السلاح والذخيرة، فى مواجهة مدرعات ودبابات وجنود، بأحدث الأسلحة، للدفاع عن مبنى قسم البستان، هذا المبنى العتيق الذى يتكون من طابقين فقط، حوى بداخله مجموعة من أبطال الشرطة المصرية «رجال بلوكات النظام».ويشير «حراجي» إلى أنه «وعبر مكبرات الصوت، أجرى قادة الجنود الإنجليز الاتصالات بالقيادة المصرية للشرطة، يطالبونهم بالاستسلام، وتسليم أسلحتهم للقيادة الإنجليزية، وأن يخرجوا من المبنى رافعين إياديهم مستسلمين، كانت هذه شروط ومطالب الإنجليز، لكن رجال الشرطة باستلحتهم المتواضعه، والتى لا تتعدى سوى بنادق «ميرز»، وعشرات الطلقات، قرروا مواجهه الإنجليز، وأسلحتهم المتطورة، ورفضوا شروط الاستسلام، وقرروا المقاومة والدفاع عن مبنى قسم البستان، مهما كانت التضحيات».وأضاف: «بدأت المعركة على مبنى الرصيف، المقابل للمبنى وسط حدائق الملاحة، وبشارع محمد على اصطفت دبابات الإنجليز والمدرعات، مصوبة أسلحتها اتجاه المبنى القديم، الذى لا يتحمل قذيفه واحدة، لكن المواجهه كانت غير متكافئة، ونفذت الذخيرة، ولم يصل إلى قسم البستان أى إمدادات بالذخيرة؛ حيث إن المبنى كان محاصرًا بالكامل، ومع ذلك أصر الأبطال المصريون على الصمود داخل المبنى، رافضين الاستسلام أو الخروج، ودخل القائد الإنجليزى إلى قسم البستان، بعد وقف إطلاق النيران، وأعرب عن أسفه لهذه المعركة، التى أذهلت الجنود الإنجليز بالبطولة المصرية، لمواجهة قوة أكبر منهم فى الإمكانيات، وعندما شاهد بعض الشهداء المصريين، الذين سقطوا أرضًا وبيدهم السلاح خالٍ من الطلقات، قدم التحية لهم، بالوقوف صامتًا، رافعًا يده بالتحية للشهداء».تلاحم الشعب مع الشرطة ضد الاحتلالوأشار «حراجي» إلى أن هذه الأحداث أظهرت تلاحم الشعب مع الشرطة، فى معركة واحدة، ضد الاحتلال الإنجليزى، وخرج أفراد المقاومة الشعبية للدفاع عن بلوكات النظام، وقاموا بضرب القوات الإنجليزية بالحجارة، لإبعادهم عن قسم البستان، وكان هذا أقصى قدراتهم فى ذلك الوقت، كما ازدادت الأعمال الفدائية، بخطف الجنود الإنجليز وسرقة أسلحتهم».وكشف «حراجي»، عن أصعب الأحداث التى شهدتها الإسماعيلية، يوم ٢٨ سبتمبر ١٩٦٧، عندما هاجم الاحتلال الإسرائيلى كل شبر بالإسماعيلية، ولم ينجوا من هذا الهجوم منزل واحد، وكان الجميع يفر بالشوارع، هربًا من بطش اليهود، وتقدم الجنود الإسرائيليون لضرب محطة السكة الحديد بالإسماعيلية، فقصفت قطار السكة الحديد، فى مساره بين الإسماعيلية والسويس، وسقط مئات المدنيين شهداء فى هذه الأحداث. وأكد أنه لولا كفاح شعب الإسماعيلية ضد الاحتلال، لما خرج من أراضينا، وبالمقاومة استطاع ابناء الإسماعيلية الوقوف خلف القوات المسلحة، ضد الاحتلال، وكانت هناك ملحمة وطنية صادقة، يسطرها هذا الشعب الأبى، بداية من رفضه للهجرة، ومساعدة القوات المسلحة، والإرشاد عن أماكن أسلحة العدو، وخطف الجنود، وقتل الكثير منهم على أيدى الفدائيين.وكان أبناء الإسماعيلية من الفدائيين، يساعدون الجنود المصريين، القادمين من الجبهة، ويمدونهم بالمياه والغذاء؛ حيث كانوا يستقلون لانشات هيئة قناة السويس، لإنقاذ العساكر المصريين، العائدين من الضفة الشرقية، وقت هزيمة ١٩٦٧، وكان الفدائيون يختبئون داخل المقابر، ويخزنون أسلحتهم وعن جلاء الإنجليز بالإسماعيلية.وقال هاشم حراجي: «الاحتفالات أقيمت على مدى عامين، كان أبناء مدن القناة يقيمون الأفراح ابتهاجًا بجلاء آخر جندى إنجليزى من منطقة قناة السويس، وكانت سينما ريو بالإسماعيلية تنظم عروضًا ليلية، وتستضيف فنانين من القاهرة لإحياء هذه الحفلات، وعلى أنغام السمسمية لم تنقطع الاحتفالات الشعبية، حتى عام ١٩٥٦، بقدوم العدوان الثلاثى على مصر، بعد أن قرر الرئيس جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس.٢٥ يناير ١٩٥٢ يوم تاريخى للإسماعيليةأما جلال عيد هاشم، أحد أبطال المقاومة الشعبية، فيقول: إن يوم ٢٥ يناير ١٩٥٢، هو يوم تاريخى، فى حياة شعب الإسماعيلية، لأنه اليوم الذى سطر فيه بدماء أبناء البلد الوطنيين، الذين زادوا عن وطنهم بدمائهم وارواحهم، وتصديهم للجنود الإنجليز، وللاحتلال الإنجليزى بمنطقة القناة، هذا اليوم لا ينسى، يوم التحم شباب الإسماعيلية مع الفدائيين مع جنود بلوكات النظام، قلبًا وقالبًا، على هدف واحد، هو مقاومة الاحتلال الإنجليزي». ويضيف «هاشم»: «الجميع تكاتف بقدر ما يملك من إمكانيات ضعيفة وقليلة، من السلاح والذخيرة، فى مواجهة مدرعات ودبابات وجنود مدججين بأحدث الأسلحة، للدفاع عن مبنى محافظة الإسماعيلية، وفعلًا دافع هؤلاء الأبطال عن هذا المبنى، الذى يمثل جزءًا من الوطن الحديث، فمنهم من دفع حياته ثمنًا للحفاظ على كرامة الوطن، ومنهم من سالت دماؤه على أرضه، ليخلد التاريخ بطولة نوعية، من أبناء مصر المخلصين، الذين ساهموا فى تحطيم أطماع الاستعمار الإنجليزى، ودقوا أول مسمار فى نعشه، ما جعله يفكر جديًا بأن هذه الأرض ليست لهم، وأن الأرض لها أصحاب، لن يقبلوا عليها احتلالًا أجنبيًا، مهما كان ثمن الحرية.وتابع، قائلًا: «عندما كنت تلميذًا بالمدرسة الإعدادية، كنت أتمنى أن أحمل السلاح، وأكون مثل هؤلاء الابطال، ولكن ما باليد حيلة، وأضعف الإيمان أن يكون لنا دور إيجابى نحو الوطن، ولم نجد إلا المظاهرات، عندما كانت مدرسة الإسماعيلية الثانوية تخرج فى مظاهرة للمطالبة بجلاء المحتلين، ونحن داخل فصول الدراسة نسمع صوت الهتافات الوطنية، من شارع الثلاثينى، كنا نشعر بالحماس الوطنى، وكنا لا نستطيع الجلوس فى الفصول، وزملاؤنا بالخارج يتظاهرون من أجل الوطن، فنقوم ونتمرد ونصمم على الخروج، مثل طلبة الثانوية الإسماعيلية، ونخبر المدرسين بإصرارنا على التظاهر».ويستطرد «هاشم»: «لم يستطع أحد أن يمنعنا بل إن الوطنية والحماس طغت على ناظر المدرسة والمدرسين والعاملين بالمدرسة، فيفتحوا لنا الأبواب، ونخرج فى مظاهرة وطنية، نهتف لمصر والوطن، ونطالب بالحرية، وخروج الاحتلال من بلادنا، كانت هتافنا كله يحمل معانى الإصرار والكفاح والتمسك بحقوقنا الوطنية، كنا نسير فى مجموعات كبيرة، نحمل بعضنا على الأعناق، الجميع على قلب واحد، وهدف واحد، وطنية خالصة، لوطن وشعب، وحرية مطلوبة لا مصالح خاصة ولا منفعة».وقال: إنه أثناء تلك الأحداث كان يبلغ من العمر ١١ عامًا، وكان يسمع طلقات القذائف التى تصدم مبنى قسم البستان، وكان يسمع أيضًا الطلقات الفردية، التى يرد بها رجال الشرطة المصرية، وكان والده وأخوته وأهل شارع مصر، القريب من الأحداث، يتحدثون عن ظلم الأعداء، واستخدامهم القوة الخارقة، فى مواجهة رجال لا يحملون إلا سلاحًا غير مؤثر، ولا فائدة منه، فى مواجهة دروع من الفولاذ، يختبئ بداخلها الجنود الإنجليز، إلا أن التاريخ سطر لأبطال بلوكات النظام البطولة الخارقة، فى مواجهة صعبة غير متكافئة».
مشاركة :