شيخة الجابري لماذا عليك أن تترك مسافة؟ ومع من؟ ومتى؟ وكيف؟، وما هي المسافة المقدّرة التي يجب أن تتركها؟، هل هي ذات صلة ببشر أم بمكان، أم بموقف؟ وكيف يمكنك أن تدير شؤونك من خلال تلك المسافة التي ربما تظن لوهلة أنها عامل معيق لما تنوي الشروع فيه من عمل أو علاقة، أو أي شيء آخر يمكن أن يكون على خريطة اهتماماتك، أو سلوكك اليومي؟ إن المسافة التي أعنيها هنا، ليست تلك التي تصلنا ضمن الرسائل الخاصة بإرشادات السلامة عند استخدام الطرق، ولكنها تشبهها وقد تتقاطع معها كذلك في الهدف المباشر منها، وهي ضمان السلامة في كل حال، فأنت تحتاج إلى تلك السلامة التي لا تضعك في مأزق، ولا تأخذك للمهالك، ولا تزرع في روحك القلق، ولا تصدمك بالآخر الذي هو إمّا قريب أو صديق أو شريك، أو حتى عابر في شارع إلى الضفة الأخرى منه. عندما تترك مسافة بينك وبين الآخرين، تصبح أكثر أماناً، يصير قلبك مطمئناً لا ينازعه خوف أو قلق، وتكون قادراً على إدارة ذاتك بشكل أفضل، حتى إنك تستطيع أن تقوم بمهامك وتدير علاقاتك أيضاً بشكل أكثر وعياً وتفهّماً ومقدرة على التعايش دون توتر، أو سيطرة من أحد عليك وعلى مشاعرك، ووقتك، وحياتك، وتفاصيلك الخاصة بك جداً. إن بعضنا في علاقاتهم بالآخر يكسرون المسافة، يصلون الطريق بالطريق، ويلغون الأرصفة التي يمكن أن تكون مساحة أمان حين العبور من خلالها إلى الطرف الآخر أو الاستراحة من عناء الطريق. وهذا الأمر ينبغي ألاّ يحدث لأن التخلص من الرصيف يعني إلغاء منطقة آمنة تسهّل العبور، وتقلل الحوادث والتصادم، وإن تعثرت بها مرات نتيجة لسوء الصيانة. هكذا هي علاقاتنا، وهكذا ينبغي أن تكون، وهذا هو الأسلوب الأمثل لإدارتها، أن تترك مسافة كافية بينك وبين من هم حولك، كل الذين يشاركونك الحياة بتجلياتها ومصاعبها، بانتصاراتها وخساراتها، وأحزانها وأفراحها، وكل ما يمكن أن تحمله لنا من ملوثات لا تقنصها مصدات الرياح، ولا تقبض عليها مشاعرنا الفيّاضة باتجاه من نحب، ذلك أن «مراية الحب عمياء» كما يقولون. علينا أن نعتني كثيراً بمرايانا الداخلية، تلك التي تعكس لنا المسافة التي تفصلنا عن الآخر الذي أمامنا أو خلفنا أو إلى جانبنا، لنكون قادرين على تقدير المدى التي يجب أن نحدّده حرصاً علينا، وعلى قلوبنا، وأعصابنا، وكل الأشياء الجميلة التي نمتلكها. اتركوا مسافة لتسلموا. Qasaed21@gmail.com
مشاركة :