تونس - كشفت الحكومة التونسية أمس عن تفاصيل خططها الاستراتيجية في ما يتعلق بتحفيز الشركات الناشئة، وتشجيع روّاد الأعمال على إنشاء مشاريعهم الخاصة. وتتمحور الاستراتيجية على ركيزة أساسية تتمثّل في إنشاء 10 حواضن لشركات التكنولوجية ستتوزع على الأرجح في عشر ولايات تونسية، على أن تكون جاهزة بحلول العام 2021. ويرى خبراء ومسؤولون أن اتجاه الحكومة للاستثمار في قطاع التكنولوجيا يمثّل جوهر انقلاب اقتصادي وشيك في بلد يعاني من أزمة اقتصادية، فيما تشكّل الشركات الناشئة محرّك هذا الانقلاب. وأعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد خلال افتتاحه الدورة الأولى للأقطاب التكنولوجية تحت شعار “الاستثمار في التجديد التشاركي” أن بلاده ستطلق حملة ترويجية لهذا المشروع الواعد ستمتد حتى نهاية العام المقبل. وأوضح أن الحملة تهدف إلى التعريف بمناخ الأعمال في تونس والإمكانات المتاحة للاستثمار في القطاعات الواعدة. وسترصد الحكومة خط تمويل بقيمة مئة مليون يورو بالتعاون مع أحد البنوك الدولية التنموية، لم يكشف الشاهد عنه هويته، من أجل بناء فضاءات صناعية داخل الحواضن التكنولوجية. ويتوقع أن تتبنى مصارف محلية خاصة تلك الحواضن كما هو الحل مع القطب التكنولوجي الفجة المنستير، الذي يموّله بنك تونس العربي الدولي، والقطب التكنولوجي ببنزرت، الذي يموّله البنك التونسي، والقطب التكنولوجي بسوسة، الذي يموّله بنك الأمان. وستعتمد تونس في تنفيذ خططها على الدبلوماسية الاقتصادية، التي طوّرتها شركات التصرف في هذا النوع من الحواضن، بهدف إحداث قفزة في مسار تنويع الاستثمارات التي باتت تستهدف الابتكار والذكاء الاصطناعي. وستقود كل من وكالة النهوض بالصناعة والتجديد ووكالة النهوض بالصادرات ووكالة النهوض بالاستثمار الخارجي، هذه الخطة في سبيل تحديد قائمة تضم 300 مؤسسة أجنبية كبرى في قطاع التكنولوجيا سيتم المراهنة على جلبها للاستثمار في تونس خلال العامين الحالي والمقبل. وأكد رئيس الحكومة، الذي يحاول الإفلات من كمين النقابات العمالية التي تضغط لزيادة رواتب موظفي الدولة والقطاع العام، أنه سيتم توقيع ميثاق “الأقطاب التكنولوجية” خلال الفترة القليلة المقبلة. وسيتضمن الميثاق التزام كل الأطراف المعنية بنشاط حواضن الشركات الناشئة، بما فيها الوزارات ومراكز البحث وهياكل التكوين ومؤسسات التعليم بهدف تطوير العمل التشاركي والتكامل والتفاعل مع جميع مكونات منظومة التجديد والتطوير. ويرجّح محللون تونسيون أن تصبح استراتيجية تحفيز الشركات الناشئة على الابتكار نقطة مفصلية نحو التحول إلى اقتصاد المعرفة عبر تأسيس “وادي سيليكون تونسي” بحلول عام 2020. ويتوقع أن تؤدي هذه الخطوة لتحريك معادلات الاستثمار الراكدة، رغم أن الأوساط الاقتصادية تحذّر من ضياع الخطط الطموحة في دروب البيروقراطية مثلما حدث في خطط أخرى كثيرة. وكان المفوّض الأوروبي لسياسة الجوار يوهانز هان قد أعلن خلال زيارته لتونس في مارس الماضي أن الاتحاد الأوروبي خصص حوالي 25 مليون يورو لتمويل ألف شركة ناشئة في تونس. ويعتبر سوق التكنولوجيا التونسي من الأسواق الناشئة الأكثر نموا في شمال أفريقيا، إذ تظهر البيانات الرسمية أن أكثر من 30 بالمئة من الأسر مرتبطة بالإنترنت، أي ما يعادل 800 ألف أسرة. ورغم الإقرار بوجود خلل في مجال التجديد نتيجة محدودية قدرات الشركات المحلية على استيعاب التغيرات التكنولوجية، بالإضافة إلى ضعف العلاقة بين القطاع الصناعي والجامعة، لكن الحكومة تراهن على نجاح خطط الإصلاح الذي تسير فيه بالتعاون مع صندوق النقد الدولي. ولدى المسؤولين، بمن فيهم وزير تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي أنور معروف، قناعة بقدرة الشباب على اقتحام هذا المضمار ويرون أنه من الممكن خلال سنوات حصول البلاد على اقتصاد رقمي ينتج ثروة عبر دعمهم بمناخ أعمال بسيط. ودفعت المطبّات الكثيرة، التي تعرقل إطلاق المشاريع الصغيرة والمتوسطة، على سبيل المثال، الحكومة للبحث عن حلول لتحفيز الاستثمار في القطاع الخاص وتشجيع روّاد الأعمال في إطار بحثها عن سبل لتعزيز مساهمة هذا القطاع في إنعاش مؤشرات النمو. وتسعى تونس إلى رفع نسبة مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 30 بالمئة في السنوات القادمة، في وقت لا تتجاوز فيه النسبة حاليا حاجز 2 بالمئة، وفق بيانات رسمية. وتتسلّح تونس بمؤشرات دولية جعلتها تحتلّ مركزا متقدّما بين خرّيجي الجامعات، إلى جانب تصنيفها كأول مدينة حيوية أفريقية بحسب تقرير ألماني نشر العام الماضي، ما يؤهلها لتطوير بيئة أعمال الشركات الناشئة.
مشاركة :