تشعر سيسيليا ماسينا بالقلق وهي تتوجه بنظرها صوب قطعة الأرض الزراعية الصغيرة التي تمتلكها، وذلك قبيل موسم زراعة الذرة، وتتساءل هذه المزارعة التي تعيش في قرية تقع في المنطقة الجنوبية من مالاوي، عما إذا كان المحصول الجديد سيكون كافياً لإطعام أسرتها المكونة من 12 فرداً. وعلى الرغم من أن مالاوي الكائنة في جنوب شرقي أفريقيا لا تحتل عادة عناوين الأخبار في ما يتعلق بالمجاعات الكارثية التي تتعرض لها، بخلاف مناطق أخرى بالقارة، فإن نقص المواد الغذائية أصبح قضية مثارة فيها، وفي هذا الصدد تقول ماسينا «لقد تغير المناخ عندنا، كما أن المحصول الذي نجنيه لم يعد بنفس حجمه السابق». وتوضح ماسينا أنه في الأيام الخوالي كان المحصول السنوي، الناتج عن قطعة الأرض الخاصة بها يتكون من 20 جوالاً من الذرة، التي تعد أحد موارد الغذاء الرئيسة في مالاوي، وكان هذا المحصول كافياً لإطعامها وزوجها وأطفالهما العشرة طوال عام. وترتسم معالم العبوس على وجه ماسينا وهي تقول «وبعد ذلك وخلال السنوات الأخيرة تقلص حجم المحصول ليصل إلى خمسة أجولة، ثم تراجع الحجم العام الماضي ليصل إلى جوالين فقط»، ونتيجة لذلك اضطرت الأسرة إلى تغيير عاداتها الغذائية إلى وجبة واحدة في اليوم. فما الذي تغير وتسبب في هذا التراجع في ناتج المحصول؟ ترد ماسينا على هذا التساؤل قائلة «الأمطار»، وتنظر بحزن إلى الشقوق الجافة بالتربة التي تحولت إلى اللون البني الضارب للحمرة، وتضيف «لم يعد المطر يصل إلينا وفقاً للنمط المعتاد، أو ربما لم يعد كافياً لري الزراعات، وأحياناً يتوقف عندما تكون النباتات غضة وضعيفة، عندئذ يتعين علينا أن نعيد عملية زراعة البذور مرة أخرى». ولم يعد المزارعون يعتمدون على نمط المواسم الزراعية الذي اعتادوا عليه على مدار أجيال، وسمعت ماسينا لأول مرة منذ بضعة أعوام عبارة «التغير المناخي» حسبما تقول وهي في قريتها تشيلاموي. تقول غير أننا شهدنا التغيرات المناخية قبل حتى أن نعرف هذه العبارة». وتعد مالاوي واحدة من أكثر الدول فقراً في العالم وأقلها نمواً، ووضعها «المؤشر العالمي للجوع» عام 2018 في المرتبة رقم 87 من بين 119 دولة. ويلخص تقرير أعده المعهد الأفريقي لسياسات التنمية الوضع في مالاوي، بقوله إنها تعد واحدة من بين 15 من النقاط الساخنة، و«تتسم بمعدل عال من النمو السكاني وبتوقعات عالية بانخفاض الإنتاج الزراعي وبمعدل منخفض في التكيف مع التغير المناخي»، وأضاف التقرير أن هذه الدولة «عرضة إلى حد كبير لتداعيات التغير المناخي». وفي بلدة مانجوتشي لا يبدو على الأطفال العلامات التقليدية للمجاعة، ومع ذلك تقول كل من السلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية أن الجوع بات قضية يجب الاهتمام بها. ويقول هورست كروسمان من منظمة «ويلثونجيرهيلفي» الألمانية غير الحكومية إنه «يوجد سوء تغذية حتى لو كان السكان يستطيعون ملء بطونهم». وبالإضافة إلى حقل الذرة الذي تمتلكه وحديقة تزرع فيها الخضروات، غيرت ماسينا طرق الزراعة التي تنتهجها إلى الزراعة المستدامة، مما يسمح للتربة بأن تستعيد عافيتها من سنوات كان يتم خلالها التركيز على زراعة محصول واحد، كما تقوم بتربية الأرانب بحيث توفر اللحوم لوجبات أفراد أسرتها أو ليمكن بيعها في الأسواق المحلية. ولكن عندما يتأخر هطول الأمطار إلى حد كبير أو أن تكون قليلة للغاية، فإن كل هذا الجهد لا يكون كافياً. وتوضح إيريني ماتيوي وهي مزارعة أخرى تبلغ من العمر 60 عاماً قائلة «إن آخر محصول جيد لدينا كان في عام 2007، وخلال الأعوام التي تلت ذلك عانينا من موجات الجفاف، ولم يعد لدينا ما يكفينا من محصول الذرة». وتتذكر ماتيوي قائلة إن بحيرة مالاوي بدأت تشهد تغيرات بعد عام 2007، وتنزل ماتيوي إلى داخل حقل جار لها تكسوه الخضرة وينم عن الخصوبة، ويبعد عن سطح البحيرة بمسافة 200 متر تقريباً، وتقول وهي تمد ذراعيها نحو الأفق «كل مساحة هذا الحقل كانت في السابق جزءاً من البحيرة». ويعد المزارعون الذين يستطيعون زراعة محصول الذرة على الضفة السابقة للبحيرة من المحظوظين، غير أن صائدي الأسماك المحليين لا يشعرون بالتأكيد بذات الإحساس. وفي هذا الصدد يقول صائد الأسماك إيدان تشادوكا وهو ينحني فوق زورق خشبي مقلوب موضوع في ظل شجرة مانجو، «هذه المناطق كانت في السابق مليئة بأعشاب المستنقعات، والتي كانت أماكن مناسبة لتكاثر الأسماك». وإضافة إلى أن التغير المناخي يعد مشكلة خطيرة بالنسبة للمزارعين وصائدي الأسماك في مالاوي، فإن التزايد السكاني والمشكلات التي ظهرت من صنع الإنسان يزيد من سوء أحوالهم. كما أن الطلب على أخشاب الوقود يؤدي إلى تقلص مساحات الغابات المحلية، في القرى المحرومة من الكهرباء والتي تتزايد فيها أعداد الأفراد الذين يحتاجون الطعام. ويقول كوناي ماتيويري «اعتدنا في السابق أن نجمع أخشاب الوقود من أماكن محيطة بقريتنا، ولكننا الآن نضطر إلى السير لمدة ثلاث ساعات لنصل إلى هذا المكان، على الرغم من أن الأخشاب فيه ليست سهلة المنال». ويعرب عن أفكاره بصوت يخيم عليه الكآبة قائلاً «قد يضطر الشباب إلى النزوح من القرية، بل إنهم يواجهون في مختلف أنحاء البلاد نفس مشكلة نقص الأشجار والمياه، ومن هنا فقد يفكرون في الانتقال إلى موزمبيق».
مشاركة :