لم تخف الدوائر السياسية في واشنطن، أسباب صراع المواقف والسياسات في الفناء الخلفي للولايات المتحدة، بين واشنطن وكراكاس، بين الولايات المتحدة والدولة الاشتراكية في خاصرة أمريكا على شواطئ أمريكا اللاتينية، وأن الأحداث الساخنة في فنزويلا ليست مجرد صراع على السلطة بين الرئيس نيكولاس مادورو، وبين زعيم المعارضة خوان جوايدو المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه صراعا أمريكيا يحمل إرثا تاريخيا مع الدولة التي تطلق عليها واشنطن «المارقة» والتي تنتهج مواقف وسياسات دولية ومحلية متناقضة تماما مع النفوذ الأمريكي. تدخلات خارجية في شؤون فنزويلا الأحداث داخل فنزويلا دفعت بالبلاد إلى منعطف جديد في أزمتها السياسية الداخلية بعد إعلان رئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية، خوان جوايدو، نفسه رئيسا انتقاليا للدولة بعد تنحيته بشكل غير قانوني للرئيس الشرعي نيكولاس مادورو الذي بدوره رد بشكل صارم على التدخلات الخارجية في شؤون بلاده، والذي بدا ذلك جليا من خلال التدخل الأمريكي المباشر بشؤون فنزويلا بعد قرار جوايدو حول تسلمه السلطة، فأعربت الدول الغربية وبعض دول أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة الأمريكية سريعا عن دعمها له ومن دون استشارة أحد أو حتى التفكير لساعات عن الخطوة المتخذة من قبل أحد أبرز المعارضين لمادورو في فنزويلا. ومن جهة أخرى، رد مادورو على القرار بإعلانه عن محاولة انقلابية جديدة تحاول الولايات المتحدة الأمريكية القيام بها عبر أدواتها في الداخل الفنزويلي، وترجم رد مادورو من خلال طرد الدبلوماسيين الأمريكيين وإغلاق قنصليات وسفارات فنزويلا في أمريكا، كما أعربت دول كثيرة عن دعمها الشرعية في فنزويلا وعلى رأسها الرئيس مادورو، ومن بين هذه الدول روسيا والصين وتركيا وإيران، والمكسيك وكوبا. فنزويلا تدفع فاتورة مواقف وسياسيات ضد توجهات أمريكا وضد إسرائيل العنصر الأهم في الأزمة، وله الكلمة العليا في تطورات الأحداث، أن الجيش الوطني الفنزويلي، يدعم الرئيس الشرعي، مادورو، وأعلن رفضه لما حصل من «انقلاب» ضد نظام مادورو، واعتبره تدخلا بشؤون البلاد الداخلية، وأكد على الحفاظ على المؤسسات الحالية وعلى الأمن في البلاد، وكان الجيش قد أثبت بالفعل ولاءه لمادورو كرئيس حين أحبط محاولة اغتياله عبر طائرات مسيرة، بالإضافة إلى محاولات انشقاق مختلفة باءت بالفشل. ويؤكد مراقبون في العاصمة الفنزويليه «كاركاس»، أن البلاد تدفع فاتورة مواقف وسياسيات ضد توجهات الولايات المتحدة الأمريكية، وضد تل أبيب، وأن واشنطن تسعى للثأر من سياسات ومواقف من زمن رئيس فنزويلا الراحل هوغو تشافيز. ويرى المفكر والسياسي الفنزويلي، مانويل راداس، أن ما يجري هو مجرد محاولات انقلاب على سياسات ومواقف فنزويلا، المناهضة للرأسمالية المتوحشة، وللسياسيات العنصرية الإمبريالية ولكل صور وممارسات الهيمنة والاحتلال. وأضاف، لا توجد دولة في العالم كانت صادقة في دعمها للقضية الفلسطينية مثل فنزويلا، وفي ظل حكم الرئيس هوغو تشافيز، تدهورت العلاقات بين إسرائيل وفنزويلا بسرعة كما دعمت فنزويلا بشدة حقوق الفلسطينيين، وأدانت الإجراءات الإسرائيلية، وقامت مرتين بطرد السفير الإسرائيلي في فنزويلا (في 2006، خلال حرب لبنان، ورداً على حرب غزة 2009 واعترفت رسمياً بدولة فلسطين، وإقامة علاقات ديبلوماسية مع السلطة الفلسطينية، وبالطبع لا تنسى واشنطن أو تل أبيب، مقولة الرئيس الراحل تشافيز، في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2011 خلال زيارة رئيس دولة فلسطين محمود عباس إلى فنزويلا: «قضية الشعب الفلسطيني هي قضية فنزويلا، فلسطين جزء من القومية الإنسانية». مادة في الدستور الفنزويلي للدفاع عن القضية الفلسطينية ويؤكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور سالم عبد الفضيل، للغد، أن مواقف فنزويلا في أمريكا اللاتينية تمثل شوكة في خاصرة الولايات المتحدة، ومن أبرز تلك السياسيت والمواقف التي تحاول واشنطن الثأر منها حاليا، هي المواقف ضد الاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين، وسبق أن أكد رئيس جمهورية فنزويلا نيكولاس مادورو، التزام بلاده الأخلاقي والثوري، بتبني ودعم القضية الفلسطينية في جميع المحافل، كسياسة ثابتة على خطى القائد الراحل تشافيز، وأطلقت بلدية كراكاس، اسم الشهيد ياسر عرفات على إحدى الساحات وسط المدينة، ونصبت تمثالا من البرونز له في الذكرى الحادية عشرة على رحيله. وقال الدكتور عبد الفضيل، إن تلك المواقف غير المسبوقة عالميا، ومن الدول التي تدعم فلسطين، أن الحزب الحاكم في فنزويلا، (الحزب الاشتراكي الموحد)، أضاف في شهر أبريل/ نيسان 2017 مادة إلى الدستور الفنزويلي للدفاع عن القضية الفلسطينية، وأذكر مقولة الرئيس الفنزويلي مادوروا: «القدس فلسطينية منذ آلاف السنين وستبقى لآلاف السنين أيضا عاصمة لدولة فلسطين، القضية الفلسطينية أروع القضايا التاريخية، ونحب فلسطين من قلبنا، ونحب التاريخ الطويل لفلسطين».. وهذه هي المواقف التي تدفع ثمنها فنزويلا حاليا. وتابع للغد، هذه المواقف كانت واضحة وحاسمة في كلمات الرئيس تشافيز: «لا يصدق أن إسرائيل موجودة بفضل قرار الجمعية العامة، ولا يهتم ولا يبالي بقرارات الأمم المتحدة، وأن الازدواجية الأمريكية التي تنتهك بها القانون الدولي، تسمح لإسرائيل أن تفعل ما تشاء، وهكذا تتحول إلى أهم شريكة في إبادة الفلسطينيين على أيدي الوحشية الصهيونية، وختم تشافيز: «السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط تنطلق من زاوية إسرائيل».
مشاركة :