سأل سائق أوبر رجل الأعمال الصيني والخبير في مجال الذكاء الاصطناعي “كاي فو لي” عن الوقت المتبقي له قبل أن تستحوذ السيارات ذاتية القيادة على وظيفته! فأجاب “فو لي” الذي كان في طريقه لحضور مؤتمر تقني بمدينة نيويورك: ربما 15 أو 20 سنة هذا الحديث المقتضب يلخص في ظني حالة التسارع المحموم التي تقودنا خلالها الثورة الصناعية الرابعة إلى عالم يكاد يكون مختلفاً في نظامه الاقتصادي والاجتماعي وحتى الثقافي عن عالمنا اليوم. وفي ظل المشكلات الناجمة عن الاستخدام المفرط للتقنية خصوصاً على الأطفال تُرى ما المتغيرات التربوية والاضطرابات الاجتماعية التي توشك أن تعصف بنا مع تلبد سماء مجتمعنا بغيومها الداكنة ؟!. تحضرني جملة قالها أحدهم وكنا نتجاذب أطراف الحديث عن مخاطر التقنية: ” ولكن التقنية لها إيجابيات كثيرة ” فقلت إننا لسنا في حاجة لتعداد فضائل التقنية في ظل شغف الناس بها ، إن التقنية سيل جارفٌ حين ينحدر يأخذ كل شيء في طريقه إلى رفاهية لا يمكن الاستغناء عنها أو بالأحرى لا نستطيع أن نقتلع أنفسنا من براثنها ولكننا يمكن أن نتفادى الأضرار المترتبة على الاستسلام الكامل لهذا السيل بمعرفة السلبيات وتوخي الإيجابيات. إنني في كل مرة تطيف بها عيناي على مقالة أو معلومة عن الذكاء الاصطناعي وثورته القادمة أصطدم بسؤال ملح ينشب أظفاره في ذهني هو: ماذا يمكن لآلة أن تفعله إذا كانت قادرة على محاكاة القدرات الذهنية البشرية وأنماط السلوك الإنساني واستطاعت من خلال خوارزميات محددة أن تحل الألغاز وتلعب الشطرنج وتتفادى العقبات وتتعامل مع المعلومات غير المؤكدة مستخدمة تقنية الاحتمالات. هذا السؤال العريض وجدت إجابته في مقولة قرأتها ذات يوم لعالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينج حيث قال: إن تطوير ذكاء اصطناعي قد يمهد لفناء الجنس البشري! وإذا كان عالم بهذا الحجم يبشر بفنائنا لو أفرطنا في الثقة بذكاء الآلة ولو على سبيل الاحتمال العلمي المحض فإنه من باب أولى أن نجد عشرات الأسباب لاحتمال ذوبان بعض القيم التربوية والعادات الاجتماعية والمسلمات الفكرية واندثارها مع وجود هذا النوع من الطفرات ، لا سيما عندما نسترجع التحولات التي عشناها خلال العقد الأخير مع ثورة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على تغيير الكثير من الأنماط والأفكار والمعتقدات . والغريب أن عدوى الخوف هذه أصابت بيل جيتس رئيس مايكروسوفت السابق هو الآخر حين أعلن عن رغبته في بقاء الروبوت غبية إلى حد ما وقال أنا في معسكر من يشعر بالقلق إزاء الذكاء الخارق الشيء الجيد في هذه التخرصات التي تطرق ذهني اليوم أنها لم تجعلني وحيداً يسبح عكس التيار أو يشعر بالقلق إزاء التحول التقني الذي ينتظرنا إذا ما أطلق العنان لها في أن تحكمنا وتتحكم بنا ، يقول أحدهم إن رجلاً عادياً متسلحاً بالمعلومات قادر على هزيمة عالم عبقري في تخصصه فكيف بنا نحن ! كيف سنواجه آلة تستخدم تقنيات نفسية لإقناعنا بضرورة وأهمية منتج ما؟! وكيف سنواجه آلة تستخدم برمجة حاسوبية ذكية لإقناعنا بفكرة ما أو بنظرية ما أو حتى بقدوة ما ؟! يقول كاي فو لي : بغض النظر عما يقوله لك أي كان نحن لسنا مستعدين لمواجهة الاضطرابات الاجتماعية الخطيرة القادمة إلينا. وإذا كان علماء التقنية وصانعي ثورتها المعرفية في العقدين الماضيين ينذروننا على الصعيد الاجتماعي والثقافي بهذه اللغة المتشائمة والمتخوفة فكيف بنا كمتابعين سادرين أو كتربويين مهتمين أو كباحثين اجتماعيين يضعون نصب أعينهم المشكلات النفسية والاجتماعية التي تؤثر في المجتمع خصوصاً صغار السن أكثر الناس شغفا بالتقنية وأكثرهم عرضة لأخطارها. على كل حال فإن الثورة الصناعية الرابعة مبشرةٌ بقدوم تقنيات ناشئة تطمس الحدود التقليدية بين العالمين المادي والرقمي وهي طفرة عملاقة من شأنها خدمة الإنسانية إذا ما أعددنا العدة للاندماج معها بما يناسب قيمنا ولا يطغى على إنسانيتنا
مشاركة :