التنمية المستدامة .. هل يسد القطاع الخاص فجوة المال؟

  • 1/27/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قبل أكثر من ثلاث سنوات، الأمم المتحدة أطلقت أهداف التنمية المستدامة لدفع قادة العالم إلى معالجة مشكلات مثل الفقر والجوع وتغير المناخ بحلول عام 2030. بدا ذلك مدعاة للإعجاب وأضحت أهداف التنمية المستدامة هذا اليوم إطارا ناجعا لمناقشة التنمية العالمية. كما أنها أنتجت دبوسا على شكل قوس قزح لافت يثبته المسؤولون الحكوميون وقادة الأعمال في الغالب على طية البدلة، بوصفه شعارا يشير إلى الفضيلة. "أهداف التنمية المستدامة هي خريطة طريق رائعة"، كما يقول بول بولمان، الرئيس التنفيذي السابق لشركة يونيليفر، بلهجة طابعها الحماس. لكن ثمة معضلة واحدة كبيرة: المال. منذ إطلاق أهداف التنمية المستدامة، قدر البنك الدولي أن الأمر سيستغرق نحو أربعة تريليونات دولار من الاستثمارات السنوية لإنشاء البنية التحتية اللازمة لتحقيق الأهداف. وحددت هيئات الأمم المتحدة المختلفة مبلغا يراوح بين خمسة تريليونات دولار وسبعة تريليونات سنويا. مع ذلك، يعتقد البنك الدولي أيضا أن الحكومات الغربية لا تقدم سوى 150 مليار دولار سنويا من "المساعدات الإنمائية الخارجية" - أو المعونة. حتى لو تم إدراج التمويل المتعدد الأطراف من هيئات مثل البنك الدولي نفسه، فإن إجمالي المبلغ سيصل إلى نحو تريليون دولار فقط. بالتالي، السؤال الكبير هو: كيف يمكن للأمم المتحدة سد هذه الفجوة؟ في عصر دونالد ترمب، والشعبوية المتزايدة والدين المتصاعد، لن تسارع أي حكومة غربية لتكريس مزيد من ميزانيتها للمساعدة. لكن من دون كثير من السيولة، فإن أهداف التنمية المستدامة هذه مهددة بأن تكون ضربا من الزيف والمراء، أو بالأحرى طموحات وهمية لا تتحقق في الواقع المعيش. لذا، في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الأسبوع الماضي، كان بعض أطراف النخبة العالمية يتناقشون حول فكرة مدهشة لسد الفجوة: استخدام تريليونات الدولارات من الأموال الموجودة حاليا داخل صناديق التقاعد الغربية، ومجموعات التأمين، والأوقاف، ومكاتب العائلة لدعم المشاريع الاستثمارية التي تنتج عائدات وتدعم أهداف التنمية المستدامة. بالنسبة إلى شخص ساخر متشائم، قد تبدو هذه الفكرة جيدة للغاية لدرجة يصعب تصديقها، أو أن تكون أكثر من مجرد خدعة غير مضرة بالعلاقات العامة حاكها نخبة "دافوس" الذين يواجهون ردة فعل عنيفة. على أي حال، التمويل عادة ما وضع الأعمال الخيرية في وعاء فكري مختلف عن أنواع الاستثمار التي تحقق عوائد. لكن مختصي المال يصرون على أن مثل هذه السخرية في غير محلها، أو على نحو أكثر دقة، عفا عليها الزمن. "الاستثمار المؤثر" أصبح أكثر براعة في عمل الخير، كما يقولون، وفي الوقت ذاته يحقق أرباحا. خذ "يو بي إس"، مثلا. في العقود الماضية، وظف المصرف الاستثماري السويسري العملاق أموالا لعملائه الأثرياء في المقام الأول لزيادة العائدات. لكن في هذه الأيام يقول مسؤولو المصرف "إن عملاءهم يطالبون بمنتجات استثمار مؤثر". في دافوس الأسبوع الماضي أطلق "يو بي إس" مبادرة جديدة يدعي أنها تسمح للمستثمرين بتخصيص استثماراتهم في هذا المجال، وهي خطوة يجادل بأنها ستجني مزيدا من الأموال. ويشير إلى أن المدخرين في العالم قد وضعوا بالفعل عشرة تريليونات دولار من أموالهم في سندات حكومية ذات عوائد منخفضة، وسبعة تريليونات دولار أخرى في سندات تحقق حاليا عوائد حقيقية سلبية، ونحو تسعة تريليونات دولار في سوق الصرف. لذلك إذا تم توجيه بعض هذه الأموال "الميتة" إلى الاستثمار المؤثر، فربما تحل فجوة التمويل الخاصة بأهداف التنمية المستدامة. يقول أكسل فيبر، رئيس مصرف يو بي إس "لن يكون من الممكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة دون استخدام التمويل الخاص". شركة بلاك روك، التي تدير صندوقا استثماريا، تعمل على تعزيز هذا القطاع أيضا. لاري فينك، رئيسها التنفيذي، يتوقع أن حجم الصناديق المتداولة في البورصة، مع مهمة اجتماعية وبيئية سينفجر من 25 مليار دولار حاليا إلى 400 مليار دولار في غضون سنوات قليلة. المجموعات المالية الأخرى، مثل "أفيفا" تفعل الشيء نفسه، حتى الشركات الاستشارية، مثل "إي واي"، تفعل ذلك أيضا. مارك وينبرجر، رئيس شركة إي واي، يصف التحول بأنه شبه ثوري. هل ينجح؟ لا تزال هناك بعض العقبات الكبيرة بشكل هائل يجب التغلب عليها. إحداها حقيقة أن عالم استثمار "فعل الخير" مفكك وغامض، مع تقسيم النشاط إلى فئات متعددة بأسماء واختصارات مختلفة - "أدغال إصطلاحية"، على حد تعبير أحد المشاركين في "دافوس". الأمر الذي يجعله مربكا للمستثمرين. كذلك التعقيد ونقص المعايير المتفق عليها يزيدان من خطر الفضائح، والمنتجات التي لا تفي "فيما يبدو" بما وعدت به. لكن المتحمسين، بمن فيهم فيبر، من "يو بي إس"، يصرون على أن مجموعات الصناعة، مثل معهد التمويل الدولي، تتدافع لاستحداث معايير للصناعة وزيادة الشفافية، باستخدام قواعد اللعبة نفسها التي حولت سابقا منتجات مالية وليدة إلى أسواق ناضجة تماما. في الواقع، مسألة المعايير كانت موضع نقاش ساخن في اجتماعات جرت وراء الكواليس في "دافوس". من دون معايير "نعم، هناك خطر الفضائح المالية"، يعترف فيبر. ويضيف "لكن يمكن لهيئة مثل معهد التمويل الدولي استحداث هذه المعايير والعمليات، مثلما فعلت مع عمليات إعادة هيكلة الديون السيادية في الماضي". لذا اسخر، إن شئت، من المفارقة في نقاش نخبة العالم لمحنة الفقراء - أو تصريح مختصي المال، الذين كانوا في يوم من الأيام مذمومين، أن بإمكانهم "إنقاذ" أهداف التنمية المستدامة. لكن لا ينبغي لأي أحد أن يتجاهل الزخم وراء هذه الحركة الآن. وإذا كانت المنتديات، مثل المنتدى الاقتصادي العالمي، يمكن أن تساعد على تحويل جزء من هذا الخطاب النبيل إلى عمل - بل في الحقيقة، إلى تلك التريليونات المفقودة - فإن ذلك سيكون إنجازا رائعا.

مشاركة :