قال خالد شقير، الخبير في الشأن الفرنسي، رئيس جمعية مصر فرنسا 2000، إن فرنسيًا كانت رقم 5 عالميًا من حيث قوة اقتصادها، لكنها تراجعت إلى المركز الـ6 مؤخراً بسبب أزمتها الاقتصادية الأخيرة، ولكن المجتمع الفرنسي مجتمع واعٍ جدا يدرك مصلحة بلده، صحيح هم يعانون اقتصاديا لكن انتفاضة السترات الصفراء لن تكون بذرة ربيع أوروبي في فرنسا.وأضاف «شقير» في حوار لـ«صدى البلد» أن فوز الرئيس إيمانويل ماكرون بالرئاسة الفرنسية في 2017 كانت ضربة قوية جدا لأكبر معسكرين في فرنسا هما المعسكر الاشتراكي والمعسكر الديجولي، وماكرون كان وزير اقتصاد صغيرا في حكومة الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا أولاند، وبعد استقالة أولاند بدا ماكرون يضع عينه على قصر الإليزيه، ولكن في البداية لم يتوقع أحد أن يفوز ماكرون بالانتخابات الرئاسية لأنه كان ينافس فرنسوا فيون رئيس وزراء فرنسا السابق في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، وكان هو المرشح الأكثر حظا في الفوز، وزعيمة اليمين المتطرف ماري لوبان.وتابع: إلا أن تهمة استخدام السلطة التي لاحقت المرشح فرنسوا فيون بتعيينه زوجته وأولاده كمستشارين له وأنهم يتقاضون أجرًا لهذا، كانت سببًا في إقصائه من الانتخابات وحصوله على المركز الثالث في الجولة الأولى، وبما أن الجولة الثانية كانت بين ماكرون الذي يمثل الحزب الليبرالي وماري لوبان ممثلة اليمين المتطرف، فكان الطريق ممهدا امام ماكرون، لأن كل الأحزاب أيدت ضرورة التصويت ضد اليمين المتطرف وممثلته ماري، وهو ما حدث.وأوضح أن الرئيس ماكرون رئيس ذكي جدا، حيث بدأ فترة ولايته بحكومة توكنوقراط ممثلة من حزب اليمين والنصف الثاني من حزب اليسار، في محاولة منه لعمل توليفة وسطية للحكومة؛ لأنه جاء عن طريق حزب الوسط الفرنسي.وأكد أن الرئيس ماكرون استطاع خلال عامه الأول في الحكم، من خلال سياسة التقشف، أن يصل إلى تحقيق معدل كبير في خفض نسبة البطالة، وأيضا تقليل خسائر الميزانية الفرنسية، والمسموح به هو 3% واستطاع أن يصل بها إلى 2.7%.وقال الخبير في الشأن الفرنسي إن أعداء نجاح الرئيس ماكرون خرجت مسيرة للعمال في مايو الماضي تقودها مسيرات العمل المدني ومنظمات حقوق العمال، وقد تهور أحد مساعدي ماكرون وهو «أليكسندر بينالا»، وهو حارس شخصي لماكرون وبالتالي تحولت المسيرات إلى رفض نوع من أنواع استغلال النفوذ والسلطة والقهر، وتم تفعيل الواقعة إعلاميًا، وكانت أول ضربة قاضية في نعش الرئيس ماكرون، الذي كان يعلن دائمًا أنه ضد استغلال السلطة وضد الفساد، وكانت هذه هي الخطوة الأولى من النيل من شعبية الرئيس الفرنسي الشاب.وأوضح أن الأمر الثاني الذي دعم تلك الاحتاجات هو الصدام الخارجي مع الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران، ففرنسا وألمانيا وأوروبا تضررت كثيرا من هذه الخطوة، لأن أمريكا استغلت سلطتها بفرض عقوبات على الشركات التي ستتورط في التعامل مع إيران، وفي المقابل فقد بدأ ماكرون يتخذ بعض الإجراءات التقشفية ضد الفقراء والطبقة الوسطى، وبدأ يرفع الضرائب، وفي الوقت نفسه لغى ضريبة على الأغنياء الذي هربوا من فرنسا بسبب الضرائب، وذلك في محاولة منه لاستعادة رأس المال الهارب، وبالتالي اتسعت رقعة الاحتجاج، لافتا إلى ان هذا الإجراء من الرئيس الفرنسي كان بهدف فتح سوق العمل للتوظيف وإعادة قوة ومتانة الاقتصاد الفرنسي مرة أخرى.وأكد أن ثالث قرار اتخذه ماكرون أدى لاشتعال انتفاضة السترات السفراء هو اقتراح إنشاء جيش أوروبي جديد، هنا كانت صيحة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومحاولة إظهار فرنسا بأنها دولة ضعيف، وبالتالي دعم الانتفاضة، مع دعم آخر روسي، وكذا سقوط إيطاليا في يد اليمين المتطرف، وبالتالي تكالب اليمين المتطرف في الداخل والخارج مع تأييد أمريكا وروسيا، وبدأ التحرك في الشارع.وأشار إلى أن التحرك في الشارع بدأ بدعوة من سيدة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، ودعت إلى السترات الصفراء، واقترحت ارتداء السترات الصفراء لأن حكومة ماكرون كانت قد فرضتها على سائقي السيارات، ودعت لارتدائها في إشارة للتعبير عن رفض قرار رفع أسعار الوقود.وكشف رئيس جمعية «مصر فرنسا 2000» أن حكومة ماكرون اتخذت قرار رفع أسعار الوقود كي يحارب التلوث البيئي؛ إذ إن فرنسا أكبر المهتمين بالمناخ.وأوضح أن غالبية المشاركين في انتفاضة السترات الصفراء من العمال والطبقة الوسطى والفقيرة، وتم استغلال هذه المظاهرات لإظهار الرئيس الفرنسي بالرئيس الضعيف وضعف مكونات الشعب الفرنسي، وراهنوا على وقوف صدامات في الشارع الفرنسي، واستغل اليمين المتطرف هذا الوضع وأخذ يروج له.وأضاف أنه بعد خطاب ماكرون الأول زادت حدة الأوضاع في الشارع، ووصلت مطالبات المتظاهرين إلى رحيل الرئيس الفرنسي، مع إلغاء الضريبة واستقالة الحكومة، وهو ما دفع البعض إلى القول أن ما يحدث في فرنسا هو ربيع أوروبي، ولكن الحقيقة أن ما يحدث هناك مختلف تماما عما حدث في الدول العربية، فما حدث في المنطقة العربية كان مخططا من الغرب، أما الأوضاع في فرنسا كانت نتيجة لضغط شعبي ومساندة الولايات المتحدة الأمريكية والجانب الروسي في إظهار ضعف ماكرون لأسباب سياسية.وأكد أن الرئيس الفرنسي الآن يحاول الخروج من المشكلة من خلال طرح موضوع «الحوار الوطني» وبدأ يناقش مع الناس في المجالس المحلية والقرى الخروج من الأزمة، لافتا إلى أن ماكرون نجح بنسبة كبيرة في عمل الانقسام داخل صفوف منظمي السترات الصفراء؛ لأن هناك فريقا ثار من أجل الثورة أو يغضب من أجل الغضب، وفريق آخر يرى أن الرئيس استجاب لإلغاء زيادة الضرائب وعلينا ان ندخل في الحوار الوطني.
مشاركة :