** يتواصل الجدل منذ حين حول بعض خريجي الجامعات الذين يخطبون ود الوظيفة، فلا يجدون إليها وصلاً، ثم يقبل بعضهم على بعض يلومون ويتلاومون! *** ** فريق منهم يلوم نفسه لأنه اختار تخصصًا لا جدوى منه ولا مستقبل له. ** وفريق ثانٍ يلوم الجامعة لأنها لم ترشده إلى الصراط السوي، قبل أن يبدأ مشوار سنينه الأربع أو الخمس داخل أسوارها، آملاً أن يخرج منها إلى مسرح العمل! ** وفريق ثالث ينحون باللائمة على أسرهم أو رفاقهم لأنهم حرضوهم على اقتحام مجاهل تخصص ليس له مردود وظيفي ولا مسوغ أو شفيع! *** ** وهناك من يساند موقف الخريج معاتبًا الجهات المعنية بالقوى العاملة، لأنها لم تفصح بدءًا عن التوجهات التي يمكن أن يسلكها الخريج، قبل فوات الأوان، ويأتي بعد ذلك صوت (الأكاديميا) يقول إن الجامعة ليست (معمل تفريخ) للوظائف بل (بوتقة) إثراء للحياة ومن فيها! *** ** ومن عجب، أننا بقدر ما نسمع من ضروب العتب تساق باسم الخريج أو على لسانه، نواجه بضروب أخرى من (الاعتذار) لكل موقف من المواقف السابق ذكرها: ** فالجامعة تدفع عن نفسها اللوم بالقول إن مسئوليتها تقتصر على تقديم المادة العلمية للتخصص، وفق ضوابط أكاديمية، شأنها في ذلك شأن كل جامعات الدنيا، وتختار الراغبين في هذا التخصص أو ذاك وفق آلية تعينها على تحقيق الغاية: توجهًا ومضمونًا. *** ** والخريج يدافع عن موقفه مستشهدًا بقول الله تعالى {..وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ}، لكن جهله بقواعد العرض والطلب في (سوق) العمل جعله يسلك مسارًا غير مرغوب، ويتساءل عن الحكمة في حرمانه من الوظيفة في أي قطاع (ثمنًا) لجهله!! *** ** أما الأهل والأقربون والرفاق، فإنهم يدفعون عن أنفسهم (تهمة) التغرير بالخريج وتحريضه على طرق باب هذا التخصص أو ذاك قائلين: ما علمنا إلا مما سمعنا، ولو علمنا خيرًا من ذلك، ما حجبنا النصح له، وما نحن إلا مجتهدون، نبتغي خير الخريج وصلاحه، حاضرًا ومستقبلاً! واجتهادنا في هذا السبيل لا يملك الحصانة من الخطأ اجتهادًا أو تأويلاً! *** ** تلك كانت بعض أطراف الجدل القائم حول بعض الخريجين الجامعيين الذين يؤرقهم البحث عن الوظيفة - أي وظيفة - فلا يفلحون، كثيرون يفضلونها (حكومية)، فإن عزت أو تعذرت، فالقطاع الخاص خيار آخر، وهناك من يعتبر وظيفة هذا القطاع مؤقتة حتى تتهيأ الأولى! فإن لم يفلحوا هنا أو هناك، لجأوا إلى وسيلة (لإسقاط) ينثرون من خلالها أشواك العتب والشكوى، مرةً للأهل، وأخرى للجامعة وثالثة للرفاق، وقليلون منهم الذين (يشركون) أنفسهم، عتابًا أو لومًا! *** وبعد...، ** فإن الحقيقة التي لا مفر منها هي أن للخريج بعضًا من حق، فيما زعم، (وعليه) مثل ذلك من الحق فيما قيل عنه: أ) فقد كان بإمكانه ممارسة حرية (السؤال) عن هذا التخصص أو ذاك لدى من يملك جوابًا، لكنه لم يفعل ذلك، واكتفى بما انتهى إليه هو، انطباعًا لا قناعة! ب) وقد كان على الأهل والرفاق أن يرشدوه بمنحه حرية السؤال والبحث، لا تمريرًا لقناعاتهم التي لا تقوم إلا على شيء من ظن لا يغني من الحقيقة شيئًا! ج) كان على الجامعة أن تطرح له المشورة ولا تلزمه بها، حول هذا التخصص أو ذاك، فإن أبى وأصر على سلوك درب بعينه، فمسئوليته هو، لا وزر لغيره فيه، أهلاً كانوا أو جامعة أو خلاً! ** يبقى أخيرًا السؤال الأهم والأعم: هل التعليم الجامعي للوظيفة.. أم للحياة؟!
مشاركة :