ليلاس سويدان – كتاب «ذاكرة تصلح للسفر» هو فعلا كما قالت كاتبته إيلاف الريش، لايمكن تصنيفه بأنه كتاب رحلات ولا كتاب تاريخ، وليس بالتأكيد دليلا سياحيا، هو كل ذلك في وصفة كتابة خاصة، أو تجربة تعاطي الحياة والسفر كحالة ثقافية وفنية، تستحضر القراءات والكتب وأماكن الأحداث والشخصيات، وطرق الحياة وأساليب العيش والترحال. تحكي الكاتبة قصتها مع السفر عندما كان يعني بالنسبة اليها في طفولتها، حقائب القادمين منه، الجد والجدة، والخالة، والأب، وكل الهدايا المدهشة والمفرحة التي تفيض بها حقائبهم، وعلاقتها القديمة بالخرائط التي عشقتها وأغوتها بالمطارات والوجوه والنكهات والأماكن التي ستشدها إليها دوما لتكتشفها. ووصفت العدد الكبير من الأكواب والصحون والنحاسيات والمفارش التي ابتاعتها من سفراتها، لتحكي عن تجربة متكاملة من السفر، وذاكرة من التفاصيل الحميمة مع الفنادق والأطباق الشهية في كل مدينة. روت الريش عن تاريخ اسبانيا وعن الزعفران، وعن لبنان وشراب الورد والقناطر، وعن فيينا والموسيقى، وعن مصر والجاتوه والمشربية، والمغرب والطاجين، وتركيا بقصورها وفنادقها وأواني القيشاني والبازارات وقطار الشرق السريع وذاكرة نساء اسطنبول. إيطاليا ومدنها عن إيطاليا قالت «عزيزي القارئ: إذا أتيحت لك فرصة السفر لمرة واحدة في حياتك، فلتكن وجهتك إيطاليا»!. وحكت عن كنوز روما الفنية وعن مدن إيطالية أجمل من أن تلتقط الصور جمالها، مثل فلورنسا، وعن مدن يصنع الأدب أسطورتها مثل مدينة فيرونا، التي صنعها شكسبير حين حكى ملحمة الحب الأكبر «روميو وجولييت»، وعن ملذات مدينة توسكانا ونكهات الأرض وممارسة الزراعة كطقوس الشعائر الدينية، والطهو وفق الثقافة الإيطالية، وصنع كيكات ومربيات الجدات. وعن قهوة نابولي وفطيرة الاسفولاياتيلا في مقهى جامبرينوس. منزل مأهول بالمدن المدن العربية لها حكاية أخرى، فهناك مدن مستحيلة مزروعة بالقنابل والحروب رغم وقعها القريب على القلب، كما قالت الريش، مثل القدس وبغداد وحلب وسيناء، والتي تستعيض عن الرحيل إليها بالقراءة عنها وبمشاهدة الصور والأفلام، ومدن أخرى «آمنة» زارتها واطمأنت روحها فيها في حضرة الأذان والجمال الشرقي الذي يختزل في حجرة شحيحة بالأثاث وممتلئة بالخضرة والضوء في بيت قديم، كل الجمال الذي شاهدته في قصور أوروبا ومتاحفها وفنادقها الأسطورية. ما يميز هذا الكتاب هو ألبوم صور ثري «لمنزل مأهول بالمدن» هو منزل الكاتبة الذي أصبح سجلا لذاكرتها بما اقتنته من المدن التي سافرت إليها.
مشاركة :