كفانا سياسة

  • 1/28/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تقرأ وتقرأ.. ثم تكتب سياسة، ويقرأ لك الناس، فيقال على ألسنتهم: إن فلاناً قد أبدع وأضحى سياسياً مفوهاً محنكاً، يقف على دقيق تفاصيل الأحداث ثم يحللها تحليلاً سياسياً رائعاً. وقد تختلف الرؤى حولك، فمنهم المادح، ومنهم القادح، منهم من يستمزج رأيك ويركب معك سفينة الإبحار في توافق فكري توهمي، وينشر كلامك بقناعة، ومنهم من يصف تحليلك بسطحية التفكير وسذاجة الرأي؛ لأن فكره ساقه إلى مظانَّ تخالف رؤاك وهواك، وقد يحرف كلامك ويدخل طويتك في السوء والممنوع. آليت على نفسي أن أكف عن الكتابة في السياسة، فغالبها – رغم كياستنا – بفكري تعاسة، لأننا في حقيقة الأمر لا نملك توجيهها، ولا ناقة لنا في تسييرها إلى صواب الوجهة ومرامي الرجاء. فكلها صنع من حَكَموها بآرائهم ونظرياتهم، وأحكموا زمامها بلجامهم، وساروا فيها بزعمهم سير التمام. مقص الرقابة يطاردك، ويقف لكلماتك بالمرصاد، يشذب هذه، ويحذف هذه، وسقطات اللسان قد تكلفك الكثير من الجهد والتعب، وربما المال وسوء المآل في سبيل انتقاء الألفاظ والتقاط الأنفاس ألا تقع في محظور يتعسك ويشقيك، لذا كُف قلمك عن الدخول في دهاليزها وجحورها رأفة بنفس تؤثر السلامة والسلام في كل مقاصدها ومراميها. للسياسة رجالها الأشاوس الذين إن قالوا تلونوا وتقلبوا زهواً في مباهجها، وازدانوا ببريقها لمعاناً، وقد تطولهم الألسن تارة، وتصفق لهم الأيدي تارة أخرى، في فرح يوم بهيج، وترح يوم آخر مُذِلٍ. فهنيئاً لهم سعادتهم إن أحسنوا القول، وعزاءً لهم في تعاستهم إن أساءوا الطرح، وأفصحوا عن حقيقة ظنية متوهمة. إياك عني يا سياسة، فأنا عصفور من عصافير أسرة نواخذة البحر المبحرة في سفائنه، أعشق حرية النفس في الأدب، والتاريخ، والتراث، فلي فيها غوص لؤلؤ، وسفر شراعٍ، غاية ومطلباً، ونزهة أتقلب فيها بنفس قانعة بجمالها وروعة من أبدع العربية وعلومها لغة، وأصَّلَ للتأريخ معرفة، وأخرج التراث في ثوبه القشيب. للساسة باعهم وإحسانهم وروعة طرحهم، وأنا لقِصر اليدين ولقلة البضاعة فاقة. فرحتي حياة أنس في النأي عنها وتقلباتها، وعن الساعين إلى مجدها راحة نفس، وسكون قلب. لذا أقول لنفسي ولقلبي اهتفا معاً: كفانا سياسة، كفانا سياسة. د. سعود محمد العصفورdr.al.asfour@hotmail.co.uk

مشاركة :