انشغلت القاهرة أمس بإعلان تنظيم «الدولة الإسلامية – داعش» إعدام 21 قبطياً مصرياً خطفهم مسلحون تابعون لفرعه في ليبيا. وفيما لم تجزم الحكومة المصرية بتنفيذ عملية القتل، طلبت رئاسة الجمهورية من كل الأجهزة المعنية التعاون لإجلاء المصريين الراغبين في العودة من ليبيا إلى بلادهم. وفي مؤشر جديد إلى تنامي نفوذ مؤيدي تنظيم «الدولة» في ليبيا، سيطر مسلحون تابعون لهذا التنظيم على إذاعة سرت، مسقط رأس العقيد الراحل معمر القذافي، وأخذوا يبثون خطباً لـ «الخليفة» أبو بكر البغدادي وقادة تنظيمه الذي يشهد توسعاً في شمال أفريقيا. وكان مسلحون خطفوا في كانون الثاني (يناير) الماضي 13 مصرياً من مدينة سرت، بعدما كانوا قد خطفوا 7 آخرين في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وجاء خطفهم في ظل تكرر وقائع قتل مصريين أقباط في ليبيا، وكان آخرها واقعة قتل أسرة قبطية مكونة من أب وأم وطفلتهما نهاية العام الماضي. وقال مصدر قريب من السفارة المصرية في طرابلس لـ «الحياة» إنه «لا تتوافر أي معلومات عن الاقباط المصريين الـ 21 الذين خطفوا على دفعتين من طرف تنظيم «داعش» في المنطقة الوسطى بليبيا قبل نحو شهرين... لم يعثر على جثثهم ولا عن أي أدلة عن مكان تواجدهم بالتحديد». وأضاف المصدر الموجود في ليبيا حالياً، على رغم وقف السفارة المصرية أعمالها والاكتفاء بإدارة شؤون مواطنيها العادية أو تسهيل مغادرتهم،: «إن الشريط المتداول على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) عن الأقباط المحتجزين لدى فرع تنظيم «الدولة» في ليبيا قد يكون بهدف «استفزاز السلطات المصرية وليس واضحاً أن إعدام الاقباط قد حصل فعلاً»، موضحاً ان المخطوفين «كانوا في طريق عودتهم إلى بلادهم على دفعتين عبر مدينة سرت، وقد تم احتجازهم على خلفية جنسيتهم المصرية وديانتهم المسيحية». وفي إطار مرتبط، نقلت «فرانس برس» عن مواقع جهادية وشهود إن جهاديين يقولون انهم من تنظيم «الدولة الاسلامية» استولوا على محطة إذاعة خاصة في سرت على بعد 500 كلم شرق العاصمة الليبية طرابلس حيث أقاموا مقراً لقيادتهم. وأظهرت صور نشرتها مواقع جهادية مسلحين جالسين امام المايكروفونات في اذاعة وهم يرفعون رشاشاتهم. وقال احد سكان المدينة لـ «فرانس برس» طالباً عدم كشف هويته: «لقد سيطروا على الاذاعة (الخميس). منذ ذلك الحين يبثون القرآن وخطب (زعيم تنظيم الدولة الاسلامية ابو بكر) البغدادي والناطق باسم الجماعة ابو محمد العدناني». وأكد مسؤول محلي سابق ان جماعة مسلحة سيطرت على الاذاعة واقامت مقراً لقيادتها في وسط سرت. وعبّر عن تخوفه من ان تستغل الجماعة «غياب كل سلطة للدولة لتحويلها الى امارة اسلامية» مثل درنة التي تسيطر عليها جماعات متطرفة في شرق ليبيا. وكعادة تنظيم «داعش»، أضفى غموضاً على إعلانه الخاص بالأقباط المصريين، فاكتفى بنشر مقال في العدد السابع من مجلة «دابق»، الناطقة بلسان التنظيم، تحت عنوان «انتقاماً للمسلمات المحتجزات من جانب الأقباط الصليبيين في مصر»، وفيه صور للأقباط المخطوفين في ليبيا وهم يرتدون الزي البرتقالي، وهو زي الإعدام لدى التنظيم الإرهابي، ويمشون على شاطئ بحر، هو في الأرجح شاطئ قرب طرابلس أو إلى الشرق منها في اتجاه سرت. وكان المخطوفون مكتوفي الأيدي، يقتادهم ملثمون يرتدون الزي الأسود، مسلحين بالخناجر. وتضمن التقرير صورة أخرى للأقباط، مستلقين على أرجلهم، وهم في قبضة الملثمين الذين كانوا قد أخرجوا خناجرهم، وقد بدا أنهم اقتربوا من ذبحهم، لكن لم تُنشر صور لهم وهم مذبوحون. وربما عدم الإعلان صراحة عن الذبح دفع السلطات في مصر إلى عدم الجزم بتنفيذ الإعدام. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية السفير بدر عبد لعاطي لـ «الحياة» إن الأجهزة المعنية تعمل للتأكد من حقيقة الأمر. وأضاف: «كل ما استطيع قوله حتى الآن أن ليس لدينا دليل على أنهم قتلوا. كل المعلومات التي في حوزتنا لا تؤكد مقتلهم، لكن لا أنفي مقتلهم. هناك عمل لاستيضاح الأمر». وفي التقرير الذي نشرته مجلة «دابق»، لم يعلن تنظيم «داعش» صراحة أنه قتل الأقباط المصريين، وإن كان يُوحي بأنهم قُتلوا، إذ حضّ التنظيم المتطرف في نهاية التقرير على قتل أي قبطي. وقال: «المسلم الذي سيسفك دم القبطي سيلقى جزاء عظيماً من الله يوم القيامة». وبدا لافتاً أن التنظيم المتطرف أراد الإفادة من الأمر في صراعه مع تنظيم «القاعدة» بقيادة أيمن الظواهري، لاستقطاب مزيد من المتشددين لصفوفه. إذ قال التقرير الذي كُتب باللغة الإنكليزية إن جنود الخلافة في ولاية طرابلس ألقوا القبض على 21 قبطياً مصرياً في ليبيا، في عملية تزامنت مع مرور 5 سنوات على عملية الهجوم على كنيسة بغداد، في إشارة إلى تفجير كنيسة «سيدة النجاة» في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2010، ما أسفر عن مقتل وجرح المئات. وأشار التقرير إلى أن عملية الكنيسة كانت قد نُفذت انتقاماً لكاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين و «الأخوات المحتجزات» من جانب الكنيسة المصرية. وشحاتة وقسطنطين قبطيتان، ثار بشأنهما جدل حول حقيقة إسلامهما قبل ثورة يناير من العام 2011، ولم يُكشف عن مصيرهما. ولفت تقرير «دابق» إلى أن عملية الهجوم على الكنيسة في العاصمة العراقية خطط لها والي بغداد في حينه حذيفة البطاوي بالتعاون مع أبي إبراهيم الزيادي. وقال إنهما لعبا قبل موتهما دوراً في الحفاظ على «الروح المعنوية للدولة الإسلامية»، بعد مقتل أبي عمر البغدادي وأبي حمزة المهاجر. وأوضح أن قيادة تنظيم «الدولة الإسلامية» استهدفت المسيحيين في بغداد لـ «يعلم شنودة»، في إشارة إلى بابا الأقباط شنودة الثالث، أن دماء المسلمين غالية. وأفرد التقرير جزءاً كبيراً لانتقاد زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري والقيادي في التنظيم «عزام الأميركي» (آدم غدن). وقال: «بدلاً من تهنئة الدولة الإسلامية على تنفيذ هذه العملية المباركة في العراق انتقاماً لأخواتنا المضطهدات، بدأ عزام الأميركي بث بعض رسائله التي كشفت ما في قلبه من حقد، من خلال الدفاع عن الكاثوليك في أوروبا في مواجهة تصرفات المجاهدين». وكان عزام الأميركي سجل موقفاً منتقداً للهجوم على كنيسة «سيدة النجاة» في بغداد. وأضاف تقرير «دابق» أن أيمن الظواهري حذا حذو عزام الأميركي في «موقفه المستغرب»، حين قال: «أريد أن أكرر موقفنا تجاه الأقباط. نحن لا نريد أن ندخل في حرب معهم لأننا مشغولون في المعركة ضد أكبر عدو للأمة - أميركا - ولأنهم هم شركاؤنا في هذا الوطن». وقال التقرير: «في حين استهدفت الدولة الإسلامية الكاثوليك انتقاماً لأخوات سُجنّ من جانب الأقباط، قاد عزام الأميركي التودد للأقباط الذين يشنون الحرب علينا». وأشار التقرير إلى أنه بعد 5 سنوات من عملية كنيسة بغداد توسعت «الدولة الإسلامية» في ليبيا وسيناء، وغيرهما، «ما سهّل أسر الصليبيين الأقباط، أتباع شنودة وأنصار السيسي» (الرئيس المصري). ونفّذ أهالي المخطوفين في ليبيا وقفة احتجاجية أمام نقابة الصحافيين في القاهرة أمس، وقال بعضهم لـ «الحياة» إن الصور التي نشرت في وسائل الإعلام هي صور أبنائهم بالفعل. وأثار الإعلان عن إعدامهم ردات فعل في مصر، إذ طالب الرئيس عبدالفتاح السيسي الوزارات والأجهزة المعنية بتنفيذ خطة عاجلة لإجلاء الراغبين من المصريين في العودة من ليبيا إلى البلاد. وقال بيان للرئاسة إن السيسي دعا الوزارات والأجهزة المعنية بسرعة التعامل مع موقف المصريين في ليبيا.
مشاركة :