ملف من إعداد: جيهان شعيب يأتي يوم 30 يناير سنوياً ليتجدد الاحتفاء بذكرى رحيل فارس الكلمة الحرة، والقلم الصادق، الإعلامي والسياسي الكبير د. عبدالله عمران تريم، إلى سموات الحق، فمنذ خمس سنوات وتحديداً عام 2014، غادر رجل الثقافة، والصحافة، إلى البارئ الأعلى، مخلفاً وجع افتقاده في قلوب وعقول محبيه وتلاميذه والعاملين في قلعة «دار الخليج» العتيقة، الذين لم يعتادوا غيابه إلا جسداً فقط، كون أثر وآثار من حفروا أسماءهم من ذهب في سجل الدولة، لا يمكن أن تُمحى، وستبقى المبادئ، والقيم، التي أقروها، مخلدة بأحرف من نور، لتدل دوماً عليهم، مهما مرت الأيام، وتعاقبت السنوات، فمن كان حضوره لامعاً متجذراً في أعماق أرض إمارات الخير، يخلده غيابه بأعماله الباقية، ومواقفه، ووقفاته، وكلماته، وآرائه، ورؤاه، التي شقت عباب السماء، لتصل إلى كثيرين داخل الدولة وخارجها، ممن قدروها، وآمنوا بها، واتخذوها نبراساً، ومرشداً، وقاعدة انطلاق لآفاق متسعة.ومع كل ذكرى سنوية على رحيل الغائب الحاضر أبداً في القلوب، تشتعل جذوة الأحزان مجدداً عليه، فبشاشته، وصوت أقدامه الصباحية وهو يحث الخطى في دار الخليج الشامخة، متجهاً إلى مكتبه، أو حين مروره على مكاتب العاملين للاطمئنان على سير العمل، لا تزال مسموعة، وتوجيهاته، وحنوه ووده، لا يزال متصدراً الذاكرة، وما أحزنها وأصعبها من لحظة كانت، حينما صفق الأسماع خبر وفاته، صبيحة يوم 30 يناير، حينها شعر الجميع باهتزاز الأرض تحتهم لصعوبة تصديقهم فراق الكبير للمكان، وحين التيقّن من الخبر المفزع، احتبست الأنفاس ألماً، وفاضت العيون باكية، وناعية رجلاً لن تعوضه السنون مهما طالت، وتواصلت، ومهما شهدت وأتت بأحداث، وجابت ببشر.خمس سنوات من عمر الزمن مضت، ولسان الحال لا ينفك يترحّم على رجل كان السند، والداعم، وحائط الصد، وعمود الارتكاز للكل، رجل حمل عقله كثيراً من الآمال والأحلام، وانطوى قلبه الرقيق على كثير من الهموم، فلم يتحمل، وتوقفت دقاته فجأة، وبغيابه تيتّمت الفرحة، وانطفأ البريق، بعدما خبت إشراقة طلّته اليومية، وأضحى الجميع يعيش على ذكرى من كان بمنزلة الأب الروحي للعاملين في داره «الخليج»، وستبقى للأبد صورته مع شقيقه الأكبر الراحل تريم عمران تنير أنحاء الطوابق الأربع «لخليج» العمرانين، وتعلو مكاتب تلاميذه، وإن كان بالكامل ومن الأساس محفوراً في أعماق الجميع، كياناً، وصورة، وصوتاً. المولد والمسيرة ولد الراحل الكبير الذي كان مع شقيقه الأكبر الراحل تريم عمران تريم، مسكونين بقضايا الوطن، حاملين شعلته، ورافعين رايته، في إمارة الشارقة، عام 1948 وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس الشارقة والكويت. وأكمل تعليمه الجامعي في مصر، حيث حصل على ليسانس في التاريخ من كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1966، وحصل على الدكتوراه في التاريخ من جامعة اكستر بالمملكة المتحدة عام 1986. وعمل الراحل الدكتور عبد الله عمران قبل قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، مدرساً في ثانوية العروبة بمدينة الشارقة لمدة عامين، ثم مديراً لإدارة معارف الشارقة خلال الفترة 1968-1971، وأثناء ذلك كان مع أخيه الراحل تريم عمران تريم من الرواد الأوائل الذين دعموا إقامة اتحاد دولة الإمارات العربية، ورواد تأسيس الصحافة الخليجية، حيث أسسا جريدة الخليج عام 1970، ولعبا دورًا كبيرًا في مكافحة الاحتلال الإنجليزي، وضد نفوذ شاه إيران وقتئذ في الخليج، حيث كانا ينتميان إلى التيار القومي، فيما كان الراحل دائم التذكير بشقيقه الراحل تريم عمران، وجاءت في كلمته يوماً في مؤتمر الخليج السادس قوله عنه «لم تفارقنا ذكرى تريم منذ رحل عنا، فهو ملء الخاطر والعقل دوماً، ولكنها تتبدى بأروع معانيها كلما أقمنا مؤتمراً، أو احتفلنا بتوزيع جائزة، أو أنجزنا عملاً، ومهما تعالينا على الأحزان يبقى الألم يعتصر قلوبنا حين نفتقده في مقدمة صفوفنا، يلهمنا بأفكاره ويؤلمنا بأحلامه، ويواصل معنا رسالة «الخليج» وهي تحتفل بمرور ستة وثلاثين عاماً على ميلادها». جامعة الإمارات وكان الدكتور عبد الله عمران تريم مع شقيقه الراحل تريم عمران تريم، عضواً في فريق المفاوضات التساعية والسباعية لإقامة دولة الاتحاد، وتولى منصب وزير العدل كأول وزير عدل في أول حكومة اتحادية إماراتية خلال الفترة 1971-1972، ثم وزيراً للتربية والتعليم خلال الفترة 1972، ثم عاد وزيراً للعدل بين الأعوام (1990 - 1997) فعمل ضمن فريقه الوزاري على صياغة العديد من التشريعات التي كان لها كبير الأثر في تقويم البنية التشريعية للدولة في مختلف المجالات القانونية. كما كلفه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بتأسيس جامعة الإمارات، وكان أول رئيس أعلى للجامعة، فعمل على وضع العديد من المناهج وطرق التعليم والدراسة، حيث كان أهم عمل في حياة عبد الله عمران، هو مساهمته في تأسيس هذه الجامعة التي أضحت اليوم منارة شامخة بين الجامعات الموجودة في المنطقة. قيادة المؤسسة كما عمل مستشاراً للمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد، وكما شارك المرحومان الدكتور عبدالله عمران تريم وشقيقه تريم عمران في تأسيس جريدة الخليج 1970، فقد شاركا أيضاً في إعادة إصدارها عام 1980، وتطورت بعد ذلك إلى مؤسسة دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر، التي تصدر عنها ست مطبوعات يومية وأسبوعية وشهرية، وتولى قيادة المؤسسة مع أخيه المرحوم تريم وعمل على تطوير أنشطتها المختلفة، فيما بعد وفاة الشقيق تريم عمران تريم في 16 مايو 2002، ترأس الدكتور عبدالله عمران تريم، كلاًّ من مجلس إدارة المؤسسة، ومركز الخليج للدراسات الذي يصدر تقارير سنوية وكتباً متنوعة تبحث في القضايا العربية عامة والخليجية خاصة، وينظم ندوات ومحاضرات، ومؤتمراً سنوياً، كما ترأس مجلس إدارة مؤسسة تريم عمران للأعمال الثقافية والإنسانية، ومن أهم أنشطتها مركز تريم عمران للتدريب والتطوير الإعلامي الذي قام حتى الآن بتدريب المئات من الإعلاميين مجاناً، وجائزة تريم عمران للصحافة التي فاز بها حتى الآن الكثير من الإعلاميين.وبعد رحيل الدكتور عبد الله عمران، أصدر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة مرسوماً بتحويل «مؤسسة تريم عمران للأعمال الثقافية والإنسانية» إلى «مؤسسة تريم وعبدالله عمران للأعمال الثقافية والإنسانية»، وأعلن بعد ذلك خالد عبدالله عمران رئيس مجلس إدارة دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر رئيس مجلس أمناء المؤسسة، عن زيادة قيمة مكافأة الجائزة التي تمنحها المؤسسة للصحفيين في دورتها ال 13، إلى عشرين ألف درهم بدلاً من عشرة آلاف درهم، بدءاً من دورتها لعام 2015، وتوسيع نطاقها ليشمل دول مجلس التعاون الخليجي. وزير عدل الحس الإماراتي والواجب الوطني، كانا رديفاً للشقيقين الكبيرين، وكان دافعهما للمشاركة في بناء دولة العلم، والتحضر، والكيان المتوحد، وعملا سوياً على تحقيق حلمهما لوطنهما الذي قام قوياً، حيث شاركا بقوة وعزم، في الأجهزة التي أنشئت، وفي اللجان والهيئات الاستشارية التي كانت تمثل إمارة الشارقة، وكان عبدالله عمران موضع ثقة الشيخ خالد بن محمد القاسمي، ويعتمد عليه اعتماداً كبيراً، وهناك برزت كفاءة عبد الله عمران في تحمل المسؤولية، وكان أن أصدر المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه في التاسع من ديسمبر - كانون الأول 1971، مرسوماً بتشكيل أول حكومة اتحادية برئاسة المغفور له بإذن الله الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، رحمه الله، لبدء عملية البناء والتطوير نحو المستقبل، وتولى المغفور له بإذن الله الدكتور عبدالله عمران، مهامه كأول وزير عدل، واستمر في مهام وزارة العدل لمدة عام واحد من 1971 إلى، 1972 ثم عاد وتولى الوزارة مرة أخرى بين الأعوام 1990- 1997، وسُنّت في عهده العديد من القوانين التي تبين حقوق وواجبات المواطنين بشكل واضح تماماً لا يترك مجالاً للتخمين.وضمت الوزارة الشيخ سلطان بن أحمد المعلا الذي شغل منصب وزير الصحة، والشيخ محمد بن سلطان القاسمي وزير الأشغال العامة، وصاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، الذي شغل منصب وزير التربية والتعليم آنذاك، وصاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي الذي شغل منصب وزير الزراعة حينها، وأحمد بن حامد وزيراً للإعلام، وأحمد بن سلطان بن سليم وزير الزراعة والثروة السمكية، ومحمد الملا وزير الدولة لشؤون الاتحاد والخليج ووزيراً للكهرباء بالوكالة، ومحمد الكندي وزيراً للتخطيط ووزيراً للإسكان، ومحمد السويدي وزير الدولة لشؤون المجلس الأعلى بالوكالة، وراشد بن حمود وزيراً للشباب والرياضة، وسامي بن سعيد وزيراً للشؤون. تطوير المناهج في الفترة من 1972 إلى 1979، شغل الراحل الكبير د. عبدالله عمران منصب وزارة التربية والتعليم، وتسجل له حينذاك العديد من الإنجازات اللافتة، وأهمها تطوير المناهج، وتضمينها مواد مختلفة تدفع باتجاه تعزيز الهوية الوطنية، وتكريس تاريخ المؤسسين الأوائل وتراث الإمارات، إلى جانب سعيه الدؤوب لمحو الأمية، وتعليم الكبار، ومحاربة الدروس الخصوصية، ووضع اللبنة الأساسية في نشأة التعليم الحديث وانتشاره، ونشر التعليم في بقاع الدولة كافة، والتوسع في أعداد المدارس، وإعادة هيكلة النظم التعليمية، ورسم استراتيجيات جديدة أحدثت نقلة نوعية في مسار التعليم وسياساته واتجاهاته وأهدافه، وتأسيس نظام التوجيه والرقابة على المدارس في الإمارات، كما ركز على استحداث هيكلية متكاملة العناصر والأدوار في بنية وزارة التربية والتعليم، وفي مقدمتها جهاز التوجيه التربوي، الذي عرف آنذاك بالتفتيش التربوي، وكان يمثل عصب العملية التعليمية، حيث جعله المغفور له، العمود الفقري للوزارة، ومن خلاله اعتمدت الوزارة على تنفيذ آليات التطوير كما هو مرسوم ومحدد لها، والاطمئنان إلى تطبيق سياستها العامة في المدارس، حيث كان التوجيه يتولى عملية رقابة ومتابعة العملية التعليمية على أرض الواقع، من خلال الزيارات المستمرة للمدارس والمعلمين، وهو نفسه من يقيم مستويات المعلمين، ولأهمية هذا الجهاز الذي أسسه الراحل الدكتور عبد الله عمران، تطور عمل التوجيه طوال المراحل الماضية وحتى الآن في المسيرة التعليمية للدولة. أساليب علمية متطورة وأيضا شغل الراحل الكبير الدكتور عبدالله عمران منصب رئيس جامعة الإمارات، بتوجيهات المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، بعد أعوام قليلة من قيام الدولة، وكانت خطوة تأسيس الجامعة في غاية الأهمية لدولة تريد استكمال مؤسساتها وصروحها العلمية والاعتماد على أبنائها الذين تعزز هذه الصروح قدراتهم المعرفية في شؤون الدولة المختلفة، وأخذت الجامعة حين إشراف الراحل على إدارتها بالأساليب العلمية المتطورة في وقت مبكر، ونهض بها، وارتقى بوضعها، وأضحت منارة تعليمية تنويرية يُشار إليها بالبنان. ومما يُحسب للمغفور له بإذن الله الدكتور عبد الله عمران تريم، مواقفه الصارمة من الدروس الخصوصية، حيث منعها من خلال تعميم نادر بتاريخ 28 ديسمبر 1972، في خطوة حازمة منه للتصدي لتلك الظاهرة في المجتمع المدرسي، ووجّه جميع العاملين في الميدان التربوي بأن الدروس الخصوصية لا تتفق مع الوزارة وأنظمتها، وطالب المسؤولين بالإبلاغ عن كل الحالات من هذا القبيل، مؤكداً أن كل من يخالف ذلك سيعرض نفسه للإجراءات القانونية، فضلاً عن إصداره تعميماً بتحويل المعلمين والمعلمات وسائر الأجهزة التعليمية، الذين كانوا قبل قيام الاتحاد على قوة ما يسمى بمكتب الكويت، إلى ملاك وزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومراجعتها في ما يتعلق بالشؤون المالية والإدارية والتعليمية. «الخليج» رحلة عامرة في تفاصيل الرحلة الحياتية للمرحوم د. عبد الله عمران، يأتي مولد جريدة «الخليج» على يده مع شقيقه الراحل تريم عمران، ليتصدر المشهد الرئيسي في مسيرتهما، وكان دافعهما في ذلك أهدافاً سامية، ورؤى واضحة، وتوجّهاً سليماً، أدى بهما إلى تأسيس جريدة قومية، تحمل رؤاهما، وتعكس التوجهات، وتطرح الأفكار المترجمة للواقع، وبالفعل ترجما الحلم إلى واقع، في عام 1970 حينما ولدت صحيفة «الخليج»، التي في البداية كانت تطبع في الكويت، وتصدر أكثر من مرة أسبوعياً، وتنقل بالطائرة إلى دبي، ليتم توزيعها في الإمارات، مع ارتفاع وتيرة نقدها للسياسة البريطانية في الخليج، أو تعرضها بالنقد لسياسات الشاه، أو كشفها لأسرار الاجتماعات التي كانت تدور حول مسائل الاتحاد التساعي.لذا، واجهت «الخليج» حينذاك العديد من الضغوط التي مارستها سفارتا إيران وبريطانيا في الكويت لمنع الصدور، وكان يرضخ لها أصحاب المطبعة مضطرين، مع التخوف الدائم من عرضة احتمال المصادرة عند وصولها إلى المطار، إلى حد أن المعتمد البريطاني طلب من الشيخ خالد بن محمد القاسمي حاكم الشارقة وقتذاك، إغلاق الجريدة، إلاّ أنه لم يستجب.واستطاعت «الخليج» رغم الإمكانات البسيطة والعوائق الكبيرة، أن تثبت نفسها، وتعلو بمكانتها، من خلال العديد من خلال الموضوعات والقضايا الساخنة، ومن بينها انفرادها بنشر تفاصيل المواقف القطرية والبحرينية من مسألة الاتحاد التساعي، ونشر المحاضر السرية للجلسات، كما كشفت عن أزمة الصراع على الحكم في كل من مصر وسوريا والعراق.وفي 29 فبراير - شباط من عام 1972، توقفت «الخليج» عن الصدور، لدخول مؤسسيها مجال العمل العام في خدمة دولة الاتحاد الفتيّة. «للحقيقة دون خوف وللواقع دون زيف» عادت «الخليج» للصدور في عام 1980، لتستكمل مشوارها الذي بدأته قبل ذلك بعشر سنين، وتسير على النهج نفسه وتكمل مسيرة الوحدة والبناء، وتكون صوتاً للحق ونبراساً للعلم والمعرفة، رافعة شعار «للحقيقة دون خوف، وللواقع دون زيف»، وهو النهج الثابت الذي أقرّته لنفسها، مع التزامها برسالتها في الدفاع عن كل القضايا الوطنية والقومية، ومناصرة الحق في كل مكان، ومبادئها في قيام مشروع وحدوي في الخليج بعمق عربي وانتماء قومي، وترسيخ الهوية الحضارية العربية والإسلامية، والتأكيد المستمر على الذاتية الثقافية العربية، ومواجهة تسلّط الشاه، وتهديداته باحتلال جزر الإمارات.وفي تسجيله للركائز الأساسية التي تبنّتها «الخليج» منذ رأت النور كتب رحمه الله: راهنت «الخليج» على اتحاد الإمارات مصيراً واحداً، لا خيار ضمن خيارات عدة، وتبلور ذلك في النوافذ التي فتحت على «الوطن المنسي»، وعلى الموقف الراسخ من الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، فلم تتعامل مع قضية الجزر تعاملاً موسمياً، وإنما كان الفهم المتكامل للحق في عدالته، وفي ديمومة مشروعه وفكرته، ومن أجل ذلك، أنشأت بالإضافة إلى انشغالها الصحفي اليومي بتلك القضية، موقعاً إلكترونياً خاصاً بالجزر. رجل السياسة والإعلام كان المرحوم د. عبدالله عمران، رجل إعلام قوي الشخصية، مطّلعاً، متمكّناً من مهنته، صاحب رأي ورؤى، وكان متجنباً لغة التهويل والتجريح وملتزماً بالرزانة والموضوعية بعيداً عن الإحساس بالفوقية المعرفية، وكان من أنصار حرية الرأي والكلمة، ومن المؤمنين بإعطاء الصحافة دورها في تنمية مجتمع الإمارات، إلى جانب دورها في إقليمها الخليجي والعربي، وكان يعتبر مهنة الإعلام أمانة يجب تأديتها بنزاهة وصدق. وكان سياسياً بارعاً، صاحب عقلية نيرة، متسلحاً بالتجارب والثقة بالنفس، مرناً في مواقفه، ومعطاء، ومؤمناً بأن السياسة فن الممكن، مستقياً ذلك من المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، كما كان يضع مصلحة الإمارات فوق كل مصلحة، وكان من المعجبين بصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، وبعقلانية سموه في إدارة مؤسسات الدولة، وبرؤيته، وتحضره، واستشرافه المستقبل، وحكمته وبُعد نظره. افتتاحية العدد الأول كانت أهداف ورؤية جريدة «الخليج»، واضحة تماماً منذ افتتاحية عددها الأول التي جاء فيها: «إنها جريدة الخليج» موحدة رغم الحدود والمسافات، وإذا كنا نطمح لتحقيق الرأي، وتناسق النظرة للأشياء، ونريد للكلمة أن تبدأ المشوار نحو الوحدة، فإننا نؤمن بأنه في البدء كانت الكلمة، الكلمة الحاملة لجنين الفكرة، الوالدة في ما بعد لقدرة الإرادة، ونحن نريد فعلاً خليجاً موحداً، وعلى مستوى كل فرد، وبعد ذلك يأتي المسؤولون، فوحدة الحكم لا تجدي إن لم تسبقها إرادة الناس وقلوبهم، وإلاّ أصبحت هاجس تسلط ومنبع حساسيات، وسنحرث الأرض لنبدأ من تحت، من الجذور العميقة، ونتحاور، نتجادل، نختلف، لا مانع، ولكن لنسلم بأننا جميعاً كيان واحد ولا بد أن يكون، وبأن وحدتنا لا شيء غير وحدتنا هي ضمان بقائنا، وبقاء الأرض راسخة تحت أقدامنا، وغير قابلة للانسحاب وهي ليست وحدة غاية لذاتها، بل هي وحدة الجدار، حتى يتكامل البيت، الأمل، في وحدة أشمل».
مشاركة :