قال معهد بحوث سويسري إن احتمال حدوث أزمة مالية كتلك التي وقعت في 2008 محدود "غير أنه يجب رصد بعض مجالات الخطر عن كثب"، خاصة نشاطات مصارف الظل (المصارف الموازية) وتزايد اقتراض الشركات الأمريكية والصينية من هذه الخدمات المصرفية. وأوضح معهد بحوث مصرف "كريدي سويس" في دراسة مفصلة تركزت حول الديون العالمية وتقييم المخاطر المحتملة الناجمة عن الارتفاع الحاد في ديون العالم في السنوات الأخيرة، هل يعني المستوى المرتفع تاريخيا للديون بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي أننا نتجه إلى أزمة جديدة ذات آثار مدمرة في بعض البلدان الرئيسة أو حتى على الصعيد العالمي؟ وخلصت الدراسة إلى أن الاختلافات الملحوظة في تطور الديون مهمة جدا، وأن الزيادة في الديون القوية تتركز في عدد صغير نسبيا من البلدان والقطاعات الاقتصادية. وقالت الدراسة التي جاءت في 91 صفحة إن ارتفاع مستوى الدين العام أو شبه العام الملاحظ في الاقتصادات المتقدمة وكذلك في الصين "أمر يثير القلق" لأنه من المرجح أن يقلل من مرونة السياسات الاقتصادية والإنمائية التي يمكن تنفيذها، كما أن معدلات الفائدة الحقيقية المنخفضة الحالية تزيد، في الوقت نفسه، من قدرة الديون على الاستمرار. وفي منطقة اليورو، فإن القدرة على تحمل الديون تواجه تهديدا من اتحاد نقدي لا يزال ناقصا، والأهم من ذلك، المخاطر السياسية. ومنذ 2008، كانت الصين واحدة من أكبر الجهات المساهمة في نمو الديون، ولا تزال ديون الصين "صالحة" نظرا لإمكانات النمو الكبيرة التي لا تزال لدى البلاد، لكن على حساب "القمع المالي" المستمر المتمثل بتدخل الدولة في النظام المالي لصالح النظام المصرفي أو الدولة. ومن المرجح أن يزداد العجز عن الدفع في بعض قطاعات أسواق الديون التجارية عندما يكون النمو الاقتصادي أكثر عرضة للضعف أو إذا أصبحت السياسة النقدية أكثر صلابة. في مثل هذه الحالة، يمكن أن يؤدي فقدان بعض الوظائف، نتيجة لضعف السيولة، إلى نشوء توترات كبيرة في السوق. وارتفع مستوى المديونية الذي شوهد على هامش النظام المصرفي الذي تقوم به مصارف الظل / المصارف الموازية ـ الوسطاء الماليون غير المصرفيين الذين يقدمون خدمات مماثلة للمصارف التجارية التقليدية لكن خارج الأنظمة المصرفية العادية ـ مرة أخرى في السنوات الأخيرة. وفي حين وضعت السلطات الصينية أخيرا حدا للقروض التي تمنحها مصارف الظل، فإن القروض العقارية التي تمنحها هذه الكيانات الضئيلة التنظيم يمكن أن تفرض عددا من المخاطر على السوق الأمريكية حيث تنتشر. وانخفض خطر التوترات المتصلة بالديون انخفاضا كبيرا في أغلبية الأسواق الناشئة مقارنة بنهاية سنوات التسعينيات، لا سيما بسبب تخفيف السياسة النقدية والنقد الأجنبي. مع ذلك، يجب رصد البلدان ذات المستوى المتدني من الانضباط في ميزانياتها أو تلك التي عليها ديون كبيرة للشركات المقومة بالعملات الأجنبية عن كثب. وشهد عدد من أسواق العقارات نشاطا محموما خلال السنوات التي أعقبت الأزمة بسبب انخفاض أسعار الفائدة. في حالة حدوث ركود اقتصادي، عليك أن تتوقع نكسات مالية خطيرة. في المقابل، الدين العقاري أقل مدعاة للقلق بسبب المتانة الكبيرة للمنتج العقاري. ويتمثل السبب الرئيس الذي يسمح باعتماد نظرة أكثر تفاؤلا للاستقرار الدائم إلى انخفاض مستوى الديون في النظام المصرفي العالمي. وقال مايكل اوسليفان، الرئيس الإقليمي لشؤون الاستثمار في منطقة أوروبا ـ الشرق الأوسط ـ إفريقيا في "كريدي سويس"، إن الاستنتاج الرئيس للتقرير يُسلط الضوء على وجود عدد من المناطق الخطرة المحددة، لكن يبدو أن عدم الاستقرار "المنهجي" الحاد أقل احتمالا مما هو متصور في كثير من الأحيان. ويتمثل أحد الأسباب الرئيسة لذلك في أن مستوى الدَين الذي لوحظ في القطاع المصرفي العالمي، منذ الأزمة، قد انخفض انخفاضا كبيرا، وإن كان صحيحا أن هناك مجالات جديدة نما فيها دين القطاع المالي خارج النظام المصرفي الرسمي. وأوضح، أوليفيه أدلر، كبير اقتصاديي، "كريدي سويس" أن الزيادة في الديون العامة أو شبه العامة التي لوحظت منذ الأزمة المالية "تثير القلق" لأن من المرجح أن تقلل من مرونة السياسات الاقتصادية التي يمكن وضعها موضع التنفيذ. وإذا كان المستوى المنخفض لأسعار الفائدة الحقيقية يزيد من قدرة الديون على البقاء، فإن أي تخفيض في المدخرات العالمية يشكل خطرا. ونتيجة للتخفيضات الضريبية الأخيرة، دخل الدين العام الأمريكي في مسار غير صحي. المؤشرات المتعلقة بالميزانية أفضل قليلا في معظم البلدان الأوروبية، لكن عدم التيقن الذي يشكل شبكة أمان المصرف المركزي والمخاطر السياسية الملحوظة يزيدان من عدم التيقن. ويشير معدو الدراسة إلى أن الزيادة في الديون أبعد ما تكون عن كونها موحدة من بلد ومن قطاع إلى آخر، في الاقتصاديات المتقدمة، إذ كانت الديون الإجمالية مستقرة في الواقع منذ 2009، لكن الدين العام ارتفع ارتفاعا حادا في معظم البلدان، مما يثير تساؤلات بشأن مسألة القدرة على تحمل الديون، ما يتعلق بالإسقاطات الحالية، فالمسار الذي أخذته أعباء الديون العامة في الولايات المتحدة "يثير قلقا خاصا بالنسبة لنا (المصرف)، بسبب التخفيضات الضريبية الأخيرة"، وللعودة إلى المسار الصحيح، سيكون من الضروري إجراء تعديل كبير على سياسة الميزانية. في الوقت نفسه، لا يزال الدين العام لليابان أيضا في مسار غير مستقر، لكنه حاليا، مدعوم بمشتريات مصرف اليابان وارتفاع الطلب على الأصول المنخفضة الغلة. إضافة إلى ذلك، تبذل جهود لزيادة الحد من حالات العجز. في منطقه اليورو، حالة الميزانية أكثر استقرارا بشكل عام، لكن دور المصرف المركزي في الحفاظ على القدرة على تحمل الديون أضيق نطاقا، مما يعني أن الديون معرضة لمخاطر سياسية أكبر، وهذه هي حالة إيطاليا التي برهنت عليها أخيرا. المحرك الرئيس للتوسع في الديون العالمية المسجلة في سنوات ما بعد الأزمة، قد أدى إلى زيادة ديون الشركات العامة الصينية، لذلك فإن هذا الدَين هو أيضا دَين القطاع العام. وخلص أصحاب الدراسة إلى أن إمكانات النمو في الصين ينبغي أن تكفي لاحتواء الديون، لكن على حساب "القمع المالي" المستمر. وقد بدأت التدابير التي اتخذتها الحكومة الصينية منذ 2016 بتأسيس حركة تخفيض الديون، لكنها كانت في المقام الأول في مجال ديون القطاع الخاص، الأمر الذي كان له أثره في تقليص استثمار المؤسسات والنمو الاقتصادي. أي تخفيض كبير في معدل إدخار الأسر المعيشية في الصين سيشكل خطرا على القدرة على تحمل الديون، سواء في الصين أو على الصعيد العالمي. وبشكل عام، انخفضت نسب ديون السوق الناشئة على مدى العقد الذي أعقب الأزمات التي واجهتها الاقتصادات الناشئة في نهاية التسعينيات. غير أن الدَين العام وديون القطاع الخاص قد ازدادت مرة أخرى في معظم البلدان خلال العقد الماضي. مع ذلك، يبدو أن خطر الأزمات وانتشار عدواها لا يزال محدودا في هذه الأسواق، ويرجع ذلك بصفة خاصة إلى أن نوعية السياسة النقدية قد تحسنت عموما، مما مكن البلدان من التعامل بشكل أفضل مع الصدمات الخارجية. من المهم ملاحظة أن بعض عملات هذه الأسواق لم تعد مربوطة بالدولار الأمريكي. لكن في بعض البلدان، أصبحت الديون العالية للشركات المقومة بالعملات الأجنبية منطقة خطرة. وقبل عشر سنوات، أدى النقص في رأس المال وتدني نوعية الأصول (تسمى بـ "السامة" بسبب ارتباطها بأزمة الرهن العقاري الأمريكي) إلى دفع النظام المصرفي الأمريكي والأوروبي إلى حافة الانهيار، فيما أدى خفض الديون الناجمة عن الأزمة المالية العالمية، إلى انخفاض المخاطر في البلدان الرئيسة. وبرزت مجالات جديدة للمخاطر، لا سيما على هامش القطاع المصرفي الرسمي، في السنوات الأخيرة، شهدت الولايات المتحدة والصين موجة جديدة من القروض والخدمات المصرفية "الظل" لتمويل الاستثمارات العقارية. وفي حين أن السلطات الصينية قد وضعت بالفعل حدا لخدمات الظل المصرفية، فإن هناك حاجة إلى مزيد من الابتعاد عن هذه الخدمات في أسواق أخرى. في الوقت نفسه، فإن بعض المجالات الخارجة عن الميزانية في المؤسسات المالية، مثل "ضمانات الرهون المتعهد بها"، لا بد من وضعها تحت المراقبة المكثفة.
مشاركة :