رغم ما هو معروف عن أضرار مستحضرات التجميل، لا تستطيع نسبة كبيرة من النساء الاستغناء عنه. رشا حلوة تتساءل في مقالها* لـDW عن الأسباب. من خلال حملتها "خلي البدر يطلع شهر" #no_makeup_january، أرادت شبكة "الباحثون السوريون" عبر صفحتها في مواقع التواصل الاجتماعي دعوة الفتيات للتخلي عن المكياج خلال شهر كانون الثاني/ يناير الجاري، ونشر صورهن بلا مكياج عبر صفحاتهن، للمساعدة في التوعية بمخاطر مستحضرات التجميل. جاءت هذه الحملة بموازاة حملة شبيهة تحمل الوسم #MoMakeUpChallenge. لم تقتصر الحملة فقط على التوعية بمخاطر مستحضرات التجميل الصحية، إنما وفقًا لميراي كاترينه، وهي متطوعة في الفريق الطبي لشبكة "الباحثون السوريون"، فـ"الهدف الثاني هو اجتماعيًا لنشر ثقافة تقدير الذات"، وهنا يكون تسليط الضوء على السياق الجندري لتعامل المجتمع مع "جمال" المرأة وكيف يرتبط ذلك باستخدام مستحضرات التجميل. كُتبت مقالات وأبحاث عديدة حول مخاطر مستحضرات التجميل، من حيث المواد المستخدمة وتأثيرها على الجسد، الوجه والجلد خاصّة. هذه "الحقيقة" معروفة على الرغم من وجود بدائل عديدة صحية أكثر. في تغريدة نُشرت عبر تويتر لإحدى المشاركات في الحملة، قالت: "من إيجابيات هجر المكياج: التخلص من المواد الكيمائية، اكتشاف جمالك الطبيعي والرضا به، الاهتمام بالبشرة أكثر ونضارتها، التركيز على جوانب الشخصية الأخرى غير المظهر وتقديرها لدى الآخرين، الجمال نسبي ويختلف...". أعتقد أن أهمية الحملة تكمن في التوعية الصحية، في الوقت الذي تزداد فيه مسببات الأمراض الجسدية والنفسية، على الأقل يمكننا أن نحاول قدر الإمكان حماية أجسادنا وأرواحنا قليلًا، إن استطعنا ذلك. لكن بالطبع، لا يمكن الحديث عن المكياج واستخدامه أو التوقف عن استخدامه دون التطرق للسياق المجتمعي والجندري الأوسع وتحديده "لمعايير جمال المرأة"، هذه المعايير التي بلوّرتها وما زالت تبلوّرها المنظومات الاقتصادية والتجارية ووسائل الإعلام. فهي التي تحدد كيف على المرأة أن ترى نفسها جميلة وكيف تساهم مستحضرات لتجميل في هذه المعادلة؟ وكيف على المرأة أن تظهر للناس خارج البيت؟ هذا لا يعني أن نساء كثيرات لا يضعن المكياج أيضًا منذ لحظة استيقاظهن صباحًا، ومنهن من قمن بإجراء وشم مكياج. لا يهدف هذا المقال لذم المكياج أو النساء اللواتي يضعن المكياج يوميًا، أبدًا. والنقد ليس انتقاصًا من حرية أي امرأة في أن تختار ما تراه مناسبًا لوجهها. أنا شخصيًا لا أخرج من البيت بلا "ميك أب" والكُحل والماسكارا هو الحد الأدنى من المكياج الذي أضعه يوميًا. وهذا كان غريبًا بعض الشيء على والدتي في مرحلة ما، خاصّة لأني بدأت في وضع المكياج متأخرًا قليلًا، وهي لا تضع المكياج أبدًا، منذ جيل صغير كانت تكرر أهمية الحفاظ على طبيعة البشرة وأن المستحضرات عمومًا مضرّة. لكن، لم يمنعني هذا من أن يكون لمستحضرات التجميل حضور يومي في حياتي. في حديث مع فيروز، وهي معلّمة، قالت: "لم أتعامل مع المكياج طوال حياتي، ولا حتّى مع صبغة الشعر، كنت مقتنعة دومًا بتقبّل شكلي والتغييرات التي تحدث عليه. كمربيّة، أرى اليوم أن هناك ازديادا في نسبة الفتيات اللواتي يستخدمن مستحضرات التجميل، منهن من تبدأ باستخدامه في سن 13 عامًا مثلًا، وهذا مقلق بعض الشيء، سواء على المستوى الصحي أو النفسي، والأخطر هو اقتناعهن بأنهن أجمل مع المكياج. ونظراً لدوري كمربيّة، فأنا أرى من الضروري أحيانًا أن أشير إلى أهمية الجمال الطبيعي وتقبّل الذات، وزيادة الثقة بالنفس، في وقت تعمل آليات مجتمعية كثيرة لطمس ثقة النساء بأنفسهن على مستويات عديدة". في رأيي، من حق النساء اختيار استخدام المكياج من عدمه، لكن هذا لا يتعارض مع ضرورة نقد ما رسخته المنظومات الجندرية من معايير "جمال المرأة" المتجسّدة في أشكال كثيرة: الوزن، المكياج وشكل الأنف وغيرها.. وكيف أن محاولات التقرّب قدر الإمكان من "معايير الجمال" هذه، لها تأثيرات سلبية على نفس المرأة، وبالأساس على ثقتها بذاتها، وكأن كثيرا مما نصبو إليه، هي تفاصيل لا يمكننا بالفعل تغييرها، ومتعلقة فقط بالمظهر الخارجي، وتغييرها لا يحدث إلّا بغطاء المكياج وفي أحيان كثيرة، بعمليات التجميل.. وهذا موضوع آخر. في حديث مع جينى، وهي مصممة غرافيك، قالت: "أشعر بالثقة أكثر مع المكياج، خاصّة وأن وجهي مليء بالحبوب، فالميك أب يمنحني ثقة أكثر بأن أظهر للمجتمع، كأني أضع فلاتر على بشرتي. عندما خرجت من البيت بلا مكياج مرة، شعرت بعدم قدرتي على الحديث مع الآخرين، فالمكياج هو غطاء للعيوب التي على الوجه. أتمنى أن أصل إلى مرحلة لا أضع فيها مكياجًا، لكن كيف يمكن ذلك في مجتمعات تقول لنا كل الوقت بأن النساء الجميلات هن صاحبات الوجه الصافي؟ المكياج فوتوشوب وجوهنا.. هل رأيتِ ممثلة سينمائية مع حبوب على الوجه بلا أن تكون موضع سخرية؟". الحديث عن علاقة المكياج بمعايير الجمال التي "فُرضت" على النساء، لا يعني بأن من لا تضع المكياج غير متعلقة بـ "معايير جمال" أخرى. في رأيي، كلنا - بشكل مقصود أو غير مقصود، بوعي أو لا وعي - نعيش في هذه الدوامة، حتى وإن كانت كثيرات منا تحاربها يوميًا على جسدها ونفسها، في هذا الزمن الصعب الذي إن زادت امرأة بالوزن، فعلى الأرجح هي "مكتئبة"، وإن لم تضع مكياجًا على وجهها، فهي مريضة أو حزينة، وإن لم تصبغ شعرها الشائب بلونٍ آخر، فهي "تهمل نفسها".. وكأننا كي نكون "على ما يرام"، يجب أن نغطي حقيقتنا، تلك التي وُلدنا معها وتتغيّر مع الزمن والجيل بشكل طبيعي. مؤلم، لكنه مفهوم، شرعي وهي حرية المرأة الشخصية باختيار ما يلائمها. * الموضوع يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.
مشاركة :