صفحة كتلة «الغالبية» طُويت إلى الأبد

  • 1/31/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

د. صالح السعيدي – سبع سنوات كاملة فصلت بين انتخابات 2 فبراير 2012، التي حازت فيها القوى السياسية غالبية المقاعد في مجلس الأمة، وبين اعلان المجلس في 30 يناير 2019 شغور مقعدين لآخر من تبقى من تلك الغالبية، وهما وليد الطبطبائي وجمعان الحربش.. في لقطة توحي بأننا نقف أمام مشهد من مشاهد «سيناريو الخروج الكامل» لكل رموز المرحلة السابقة، بعد ان سبقهم في الخروج من الساحة آخرون. وما بين الزمنين والحدثين، فجوة كبيرة وانقلاب متعدد الأوجه، يختصر ويعبر عن حجم التحولات العميقة التي مرت بها الدولة والمجتمع، ويترجم كم التغييرات العريضة التي مست قاعدة المجال السياسي الكويتي، وطالت اتجاهات التفكير السياسي ومحددات الثقافة السياسية السائدة لدى الرأي العام. وتبرز أسئلة عديدة عما وقع خلال هذين الزمنين، حول كيف فقدت الغالبية السياسية تفوقها وفرطت به؟ ولماذا انتقل وضعها من حالة الريادة والقيادة في المجال السياسي في فبراير 2012 الى التراجع والانزواء في يناير 2019؟ لا بل وحتى احتمالية الخروج من المشهد السياسي برمته؟ من اجل دراسة وتحليل هذه الحالة المتقلبة ثمة جوانب لا بد من التوقف عندها، اولها دور افراد المجتمع وطليعته المفكرة، ويتمثل في ضرورة فحص مستويات الوعي السائد لدى عموم الطبقة السياسية والفاعلين في المجال السياسي من ناشطين ومنخرطين في دواليب العملية السياسية، والتأكد من وضوح البصيرة لدى نخبة المجتمع للتيقن من استيعابهم جميع جوانب اللعبة السياسة السائدة في البلاد وكل قواعدها الناظمة وقوانينها الحاكمة. أخطاء إستراتيجية فمن المقبول من الفاعلين السياسيين ارتكاب اخطاء سطحية أو اخطاء تكتيكية صغيرة تكون نتائجها وآثارها محدودة ومحصورة، لكن من غير المقبول الرهان على حسابات خاطئة ورهانات مغلوطة في القضايا الاساسية والاستراتيجية، لما لها من آثار مدمرة على المجتمع بأكمله. ومن الاخطاء الكبرى التي وقعت فيها القوى السياسية وقتها، تحويل السجال السياسي مع الحكومة الى قضية «صراع صفري» لا يقبل أنصاف الحلول، على عكس ما هو سائد في بلد قام منذ تأسيسه على صيغة التسويات والتوازنات بين المصالح والمطالب المتضادة والمتناقضة. الخطأ الاستراتيجي الآخر الذي وقعت فيه القوى السياسية، هو سوء تقديرها لقوة الحكومة شريكها في اللعبة السياسية، ورهانها على أن قواعد اللعبة ثابتة وجامدة لا تتغير ولا تتبدل، وان ضعف الحكومة الظاهر هو ضعف دائم ومستمر يمكنها معه وضع مطالبها على الطاولة وانتظار تلبيتها من الحكومة. وللتذكير فإن القوى السياسية وضعت وقتها مطلبين «ثقيلين»، اولهما تغيير سمو الشيخ ناصر المحمد رئيس الوزراء، والثاني حل مجلس 2009، وعندما تحقق المطلب الاول ورحل المحمد، واصلت الاصرار على حل مجلس 2009 ورفضت حضور جلساته بعد ان أبطل القضاء مجلس الغالبية وعاد مجلس 2009. اكثر من ذلك، فقد كان مطلب تغيير المحمد عبر النزول الى الشارع، بعدما تعذر اسقاطه بالأدوات الدستورية المعتادة (طرح الثقة)، مبعثا لرسائل مزعجة، تم تفسيرها على انها تتجاوز حدود الخلاف مع المحمد لتصل الى مستوى ترجيح طرف على آخر، وانخراط مكشوف في صراعات بعض الاقطاب يمثل تدخلا صريحا في شؤون الأسرة الحاكمة، الأمر الذي اعتبر تجاوزا غير مسبوق لخطوط حمراء لا يمكن كسرها في معادلات العلاقة بين السلطتين. ان ما نعيشه ونلمسه اليوم، من جمود عام في مختلف المجالات، وتراجع محسوس في سلم القيم ومنظومة السلوك، وانتشار ملفت لظواهر سلبية في العمل السياسي، كتفشي ثقافة تقديم المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة، وانتشار سلوك المجاهرة بكسر القانون والتباهي بذلك علنا، وما نراه من تردٍ ظاهر في مفردات الخطاب السياسي المستخدم اليوم، كلها نتيجة حتمية لتعطل التطور السياسي طوال السنوات السبع الماضية، وهو في المحصلة النهائية ثمن للحسابات الخاطئة والرهانات المغلوطة التي اعتمدت عليها القوى السياسية طوال تلك السنوات.

مشاركة :