انتهت أزمة هيئة الانتخابات ولم تنته أزمة تونس

  • 1/31/2019
  • 00:00
  • 20
  • 0
  • 0
news-picture

انتهت أزمة هيئة الانتخابات ولم تنته أزمة تونسانتهت أزمة هيئة الانتخابات في تونس، لكن الأزمة السياسية التونسية ستظل متواصلة في ظل تواصل العقلية التي تدار بها أوضاع البلاد.الفاعل السياسي التونسي يدير ظهره عن مشاغل التونسيينتوصّلُ مجلس نواب الشعب في تونس إلى استكمال تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بانتخاب 3 أعضاء جدد، لم يقلل المخاوف التونسية من المطبات التي تعترض المسار الانتخابي، والمسار السياسي برمته، وهو أيضا “نجاح” صغير بالنظر لما اعتراه من تأخير وتجاذبات، ولم يقلل من المظاهر السلبية التي تشوب المشهد السياسي التونسي.جلسة مجلس نواب الشعب التي بدأت صباح الأربعاء، كانت على غاية من الأهمية لا فقط لكونها انعقدت لحسم ملف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات واستكمال تركيبتها، بل لأنها ستحسم أمرا أكثر خطورة ويتعلق بإنجاز الانتخابات من عدمها.لم يكن الأمر، أيضا، متصلا فقط بتركيبة الهيئة، التي ستمضي متعثرة بالهنات القانونية والحزبية والمالية نحو محاولة إنجاز استحقاق العام 2019، بل يحيل إلى ما يعتري المشهد السياسي التونسي من مفارقات يمكن تلخيصها في أنه مشهد يرسم بهدي حزبي صرف، ولا محاولة فيه للبحث عن الحد الأدنى المشترك الوطني.الجلسة المشار إليها انطلقت بحضور 17 نائبا من جملة 217 نائبا، وتم تأجيلها زهاء 3 ساعات لتُستأنف بحضور 155 نائبا. الحضور الهزيل على أهمية الموعد والمناسبة يعكس الرؤية الحزبية لما ينتظر البلاد ومؤسساتها، ويسمح لكل التأويلات بأن تترعرع، ومنها أن ثمة نزوع من قبل بعض الأحزاب إلى تأجيل الانتخابات، ولو أن شظايا الاتهامات طالت الجميع باعتبار أن الغياب كان شبه جماعي.مجرد تعطل انطلاق الجلسة بسبب الحضور الضعيف كاف للتدليل على عدم وجود اهتمام بما ينتظر البلاد من مواعيد حرجة. السؤال الذي كان يفترض أن تتكفل جلسة نواب الشعب بتوفير إجابة فعلية وواقعية عنه هو؛ تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية لعام 2019 من عدمها، وهو موعد أصبح مشكوكا في الالتزام به في ظل ما عرفته هيئة الانتخابات من شغورات وتعطيلات، وفي ظل ما يهيمن على البلاد من تجاذبات.المفارقات التونسية لا تقتصر على غياب النواب ثم حضورهم الضعيف (155 نائبا من جملة 217)، في جلسة يفترض أن تناقش موضوعا غاية في الأهمية والإجماع، بل تمتد إلى إيلاء مصلحة الأحزاب على حساب البحث عن سبل وحلول لإخراج البلاد من وضع تردت فيه منذ سنوات. انتهت أزمة هيئة الانتخابات في تونس، لكن الأزمة السياسية التونسية ستظل متواصلة في ظل تواصل العقلية التي تدار بها أوضاع البلاد.استكمال تركيبة هيئة الانتخابات لا يعني ضرورة انعدام إمكانية تأجيل العملية الانتخابية، تبعا لأن خيار التأجيل مازال قائما لأنه يتصل بأسباب سياسية وأمنية ولوجستية وغيرها، وجزء منه قد يتأثر بالمهاترات السياسية التي تندلع من هنا أو هناك، والأهم أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية مازالت قابعة بآثارها في البيوت ولم تدخل بعد المؤسسات السياسية ولا النقاشات الحقيقية للسياسيين.وفي التفاصيل السياسية التونسية معالم كثيرة تثير التعجب، وتجعل ظواهر العزوف عن الشأن العام وتاليا عن المشاركة الانتخابية والمساهمة في تقرير مستقبل البلاد، نتائج منطقية لأداء الأحزاب السياسية. غيابات متكررة عن جلسات مجلس نواب الشعب (أمر لم يقتصر على جلسة الأربعاء)، واختلافات من اجل تفاصيل لا تعبر سوى عن السعي للغنم الحزبي، جلسة الأربعاء شهدت احتقانا كبيرا تعلق بالاحتجاج على محتوى ورقة التصويت على أعضاء هيئة الانتخابات.في أصل الأزمة انتصار للتحزب على الانتماء إلى البلاد والبحث عن حلول لمشكلاتها. وهو واقع لم يكن وليد اللحظة الراهنة، بل هو نتاج عوامل موضوعية عميقة تضافرت لتفرز المشهد الراهن بكل هناته. فمن المسلمات السياسية، أن تؤسس الأحزاب السياسية وتتخذ لنفسها طريق المنافسة على الوصول إلى السلطة، وهو هدف مشروع في قواعد السياسة وأعرافها. أما أن يصبح الوصول إلى السلطة هدفا لتشكيل الأحزاب، ثم العودة، منها وعبرها، على السلطة، فإن هذا يمثل اعتداء على كل الثوابت السياسية المعروفة، بل يمثل انتهاكا لمبدأ المنافسة ذاته. وهذا الاعتداء هو عينة من سجلّ المفارقات السياسية التونسية، وهو أيضا واحد من أعراض سقمها الكثيرة، ولم يبتكر رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد هذا المنجز، بل هو فعل تكرر مع أكثر من رئيس حكومة (إن كان يوسف الشاهد قد أعلن تأسيس حزب “تحيا تونس” وهو على رأس الحكومة، فإن رئيس الحكومة الأسبق المهدي جمعة انتظر خروجه من القصبة لينشئ “بديله التونسي”).لن يكون مفيدا تكرار القول إن الديمقراطية ليست صندوق اقتراع ويوم يدعى فيه المواطنون إلى الاقتراع، وإنما هي سياق متداخل من المنافسة السياسية والإعلام الحر والقضاء المستقل وغير ذلك من المكونات الضرورية، إلا أن تكرار هذه القاعدة يصبح ماثلا كلما أمعنا النظر إلى المشهد السياسي التونسي الموسوم بالتدافع الحزبي وبالبحث عن الغنم والهيمنة واكتساح المواقع وبالاعتداءات المتكررة على ما يقتضيه مسار الانتقال الديمقراطي.حزب يوسف الشاهد الجديد، وأداء نواب مجلس النواب، وتكاثر الأحزاب بنسق غير مفهوم، والاهتمامات الطاغية على الفعل السياسي التونسي، كلها دلائل على أن الفاعل السياسي التونسي يدير ظهره عن مشاغل التونسيين.كاتب وصحافي تونسي

مشاركة :