ظاهرة عالمية خطيرة بدأت ملامحها منذ عقود ثم ازدادت وتيرتها خلال السنوات الأخيرة تمثلت في انحسار الطبقة الوسطى مقابل تضاعف رأس مال الأغنياء بشكل فاحش. اليوم تعالت أصوات المختصين في أمريكا وأوروبا مطالبة بحماية الطبقة الوسطى في مجتمعاتهم، لأنها المحرك الأهم لاقتصاد تلك الدول وللاقتصاد العالمي، كما أن احتفاظ الطبقة الوسطى بعافيتها هو الضمانة الاجتماعية الأقوى للأمن الاجتماعي، كما أنه سر بقاء الدول ونموها. هناك العديد من المؤلفات تشبع ظاهرة تآكل الطبقة الوسطى رصدا وتحليلا لمن أراد الوقوف على مؤشرات تلك الظاهرة والاطلاع على المخاطر الناجمة عنها. أصبحنا نقرأ عناوين مفزعة اجتماعيا: كيف ننقذ الطبقة الوسطى من الانقراض. إنقاذ الطبقة الوسطى من الغرق. تآكل الطبقة الوسطى في أمريكا 61% -51% - 45%. ولقد اختصر القرآن هذه الظاهرة بالتحذير من تكدس الثروة لدى فئة الأغنياء، كما سن الإسلام تشريعات تضمن التوزيع العادل للثروة "كي لايكون دولة بين الأغنياء منكم"الحشر7 قبل خمسة عشر عاما كتب الدكتور تركي الحمد سلسلة مقالات عن البعد المحلي لتلك الظاهرة، وقد قوبلت مقالاته بنقد من بعض الكتاب البارزين بينما التزم الباحثون الاجتماعيون الصمت بين رغبة ورهبة ويأس غير مبررين. عقبت حينها على مقالاته وعلى بعض الردود، وكنت أتمنى أن تمثل سلسلة مقالاته دافعا للباحثين الاجتماعيين للخروج بدراسات ميدانية تشخص الواقع السعودي بناء على الإحصائيات الموثقة وتخرج بصورة واقعية تساعد المسؤولين على التخطيط لحماية المجتمع من مخاطر تآكل الطبقة الوسطى. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث. وفي ظل غياب الدراسات الميدانية المحلية سيبقى حديثنا عن ظاهرة تآكل الطبقة الوسطى على المستوى المحلي حديثا انطباعيا دافعه الشعور الوطني والخوف على مستقبل المجتمع. كما أننا لانملك مقاومة لظاهرة خطيرة بدأت تكتسح العالم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب برغم رصدهم لها. ولهذا فإن من الضرورة أن تمثل حماية الطبقة الوسطى وتنميتها إحدى أولويات مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ووزارة الاقتصاد والتخطيط. كما أجدد ندائي للباحثين الاجتماعيين لإجراء الدراسات الميدانية وتقديم الاقتراحات والخطوات العملية لتنمية الطبقة الوسطى وحمايتها من الانقراض.
مشاركة :