«سقف واطي وظهر محدوب»

  • 2/1/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

خذ معي غفوة نفسية، أدخلك بها لنفسك وأنت صغير، بالطبع ستكون الغفوة بقوانين أخرى غير خاضعة للأشياء التي اعتدت العيش عليها، بل لأشياء تُفسر ما اعتدت عليه.حلق بخيالك معي الآن... ماذا لو ولدت في كوخ صغير سقفة لا يتجاوز 130 سم... بالطبع لن يشكل ذلك عائقاً لك في مرحلة طفولتك، فالمشكلة لم تبدأ بعد، حتى يحين موعد إطلاق صافرات إنذار قدوم سن الرشد، تطول الساقان والذراعان، ويصبح مقاسك الجسدي لا يتناسب مع مقاسك المكاني، ناهيك أيضاً عن مقاسك الفكري، هيا فكر معي تُرى ماذا ستفعل هنا... بالطبع ستكون الإجابة المنطقية التي لا منطق لها سوى الخضوع للأمر... والاستسلام لقوة السلبية التي تكمن في السلبية ذاتها.فهي سهلة بلا مخاطر ولا تحتاج إلى جهد وبلا خسائر، ستحني ظهرك ليتناسب حدود طولك مع حدود السقف، ومع استمرار الانحناء ستعتاد ذلك وتتحول معاناتك الأولى من مشكلة إلى «لا مشكلة»، فتحقق حلاً عظيماً يكمن سره في «التكيف»... استمر بخيالك معي واخرج من الكوخ، وانظر لنفسك ستجد أنك أصبحت إنساناً أحدب الظهر، رغم أنك خرجت من الكوخ الذي عشت فيه طوال حياتك، لا سقف يمنعك هنا إنما ملكوت عظيم لا تطوله الأنظار لتطوله الأجساد.إلا أنك ما زلت مُحني الظهر، ولأن الحل الأسهل دائماً أفضل... ستتكيف على ذلك وتبقى... وحدهم أصحاب الهمة وأصحاب حب النفس وأصحاب الإرادة والعزم، من سيتخذون قراراً آخر، يحتوي مخاطرة وخروجاً عن منطقة الراحة وحالة الاستقرار، ليعالجوا المشكلة... وسيفردون ظهورهم بديناميكية معينة تتخللها العديد من الآلام والخطوات العلاجية، وقودهم النفسي في ذلك النهايات السعيدة، التي لا بد أن تأتي لأصحاب الهمة لا محالة، فالهمة والهموم والتعب والتعثر وجوه متلازمة لعملة تدعى النجاح.هذا هو التفسير الحقيقي لحياتنا، التي يجب أن نواكب فيها التطور بالتغير النفسي والفكري، بشكل يتناسب مع مستوانا العلمي والثقافي والحياتي وحاجاتنا، فمؤسف أننا على سبيل المثال نخاف أن نخرج إصداراً أدبياً للنور، لأنهم علمونا أن مدة الكتابة يجب أن تأخذ سنوات طوالاً ومراحل أطول، وإلا فالكتاب سيكون بلا جودة، فتخضع لهذه الفكرة وتضيع سنوات من عمرك متجاهلاً النسبية في الحياة المنطبقة على كل شيء فيها، حيث إن القدرة الكتابية تختلف من شخص لآخر، ونوعية الكتب تختلف مدة كتابتها من كتاب لآخر، وتحت سقف هذه المعادلة تندرج كل معادلات الحياة، ويخضع لها كل حلم وكل إنجاز تطمح إليه، لذا لا تستسلم لأفكار تكيفت عليها، ولا أفعال اعتدت ممارستها، جرب الجديد... اطمح بالجديد، كن جديداً بسقف عال وظهر مستقيم، مفعماً بقناعات سليمة، وإلا فارجع لذاك الكوخ ذي السقف الواطي وظهر محدوب وأفكار ميتة.

مشاركة :