إيمانًا بأن «سياحة دون ثقافة.. سياحة بلا مضمون»، وسعيًا إلى التأصيل الثقافي المؤسس على خلفيات حضارية وتراثية، وحرصًا على إرث مادي تعتريه رياح الحداثة بكل أشكالها، حتى إذا غفل عن هذا الإرث جرفته تلك الرياح في زوبعتها، يتابع «مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث» مزاوجته التي بدأها منذ انطلاقته في العام 2002، وعززها بعد عقد، بين الماضي والحاضر والمستقبل.. ذلك الماضي الذي ينتشله من النسيان، ليحوله إلى حاضر يفتح من خلاله آفاقًا نحو المستقبل.فمنذ انطلاقته، عمد إلى إعادة إعمار القديم والمهمل، ليمزجه بروحية الآن، أي الحاضر المؤسس على الإرث الثقافي والحضاري، ليكون فضاءً صالحًا للاشتغالات المعرفية والثقافية والفكرية والتراثية والفنية... التي تفتتح آفاقًا متعدد لمسارات مستقبلية متفرعة على مختلف المجالات. وها هو يواصل ذلك، من خلال ما أعلنه يوم الثلاثاء 29 يناير، في المؤتمر الصحفي الذي عقد في المركز، بحضور رئيس أمنائه الشيخة مي آل خليفة، ووزيرة الثقافة وتنمية المعرفة الإماراتية نورة الكعبي، والسفير الإماراتي في المملكة الشيخ سلطان بن حمود بن زايد.في هذا اللقاء، أعلن عن ثمرة تعاون هو الأول من نوعه بين المركز ودولة الإمارات العربية، عبر مشروعي «نزل السلام» و«الركن الأخضر» اللذين يأتيان ضمن المبادرات التي أطلقتها الإمارات احتفاءً بمئوية الراحل الشيخ زايد، ضمن «عام زايد»، إذ سيكون الأول نزلاً للزوار والسائحين، ليتسنى لهم عيش تجربة مليئة بالمضامين الثقافية والحضارية على مسار «طريق اللؤلؤ»، فيما سيكون الآخر مركزًا ثقافيًا لترميم الوثائق واللوحات الفنية، وسيتم افتتاحهما بشكل رسمي في أكتوبر القادم.هذان المشروعان اللذان يجيئان تكملة لمشاريع كثيرة أتمها المركز، كـ«بيت عبدالله الزائد؛ لتراث البحرين الصحفي»، و«بيت محمد بن فارس؛ لفن الصوت»، وصولاً إلى «ذاكرة المكان»، و«حرف الديار»، و«عمارة بن بوزبون»، و«ذاكرة المنامة»، و«بيت الشعر»، و«بيت التراث المعماري»، وغيرها من البيوت والمراكز التي تشكل ذاكرة منتشلة من النسيان في الثقافة والإرث البحريني، لتصان بمختلف وسائل الحفظ والتجديد، ومن هذا المنطلق جاء تعاون دولة الإمارات، كما أكدت وزيرة الثقافة الإماراتية الكعبي، بقولها: «إن هذا التعاون الثقافي يجيء في سياق صون التراث الحضاري، وتجليًا للعلاقة التي تربط البلدين، منذ أسس لها الراحل الشيخ زايد، لتكون تجليًا فعليًا لما يجمعنا من رؤى مشتركة ومصير مشترك».وتم الاعتماد في إعادة إعمار هذين المشروعين على ما في الإرث البحريني من غنى معماري وفني، إلى جانب المواد المستمدة من البيئة المحلية، كما أكد المهندس الهولندي (آن هولتروب) الذي بيّن أن «الركن الأخضر» سيقام قرب «الحديقة العمودية»، وسيتكون من خمسة طوابق، أما المهندس عمار بشير فبيّن تفاصيل الاشتغال، مؤكدًا أن «نزل السلام» الذي يعود لعائلة فتح الله، تم استيحاء تصاميمه الداخلية من مضامين «ملحمة جلجامش» والرسومات التي تجسد بعض محطات هذه الملحمة التي وجدت، كلقىً أثرية وألواح مسمارية، إلى جانب ما تزخر به البحرين من زخارف ونقوش ورسوم.ويحافظ «نزل السلام» على نمطه المعماري البحريني كما بُني في أربعينات القرن الماضي، إذ سيتكون من ست غرف معنونة، تسرد كل واحدة منها شطرًا من «ملحمة جلجامش»، فالغرفة الأولى (رؤيا) مستوحاة من نص «هو الذي رأى كل شيء إلى تخوم الدنيا». أما الغرفة الثانية (نور) فمستوحاة من نص «لقد أبصر الأسرار وعرف الخفايا المكتومة»، فيما تسرد الغرفة الثالثة (زهرة الخلود) نص «لا يشتكي الرجل من الشيخوخة، ولا تشتكي المرأة من العجز». وتذهب الغرفة الرابعة (أمل) نحو تجسيد ذلك المفهوم المؤسس على «رحلة البحث عن الأمل والمعنى». وتستوحي (بحر)، وهي الغرفة الخامسة، نص «دع مدنها تصبح ميناء العالم كله»، أما (شمس)، الغرفة السادسة، فمبنية على استيحاء نص «دع الشمس تأتي بالمياه العذبة من الأرض».وسيحوي النزل على غرفة استقبال، مستوحاة من النقوش المعمارية الإسلامية، إلى جانب مقهى يفصح عن جمالية إرث يزاوج بين مختلف التركات الثقافية والحضارية، بالإضافة إلى غرفة خاصة، خصت لروح الشيخ زايد، «ستحمل عملاً فنيًا يحمل معاني الحب للشيخ زايد بأيدٍ بحرينية»، كما بيّن عمار بشير.سيفصح كل ركن في النزل عن مزاوجة متقنة بين مختلف الموتيفات، من الأرضيات، إلى السجادات، والأثاث، والستائر، والإضاءة... وغيرها من اللوازم التي تحمل دلالات متأصلة في بعدها التراثي والثقافي والحضاري، إلى جانب عصريتها، لخلق تجربة متكاملة للنزيل تمكّنه من معايشة روحية المكان التي تعود به إلى أزمنة مختلفة، تبدأ من حضارة «دلمون».
مشاركة :