قطاع غزة شهد اجتماعا ثلاثيّا شاركت فيه مصر والأمم المتحدة وحركة حماس، لإعادة تصويب مسار التهدئة بين الفصائل والحكومة الإسرائيلية التي ستكون مضطرة لدعم هذه الجهود، حيث أنها في وضع صعب مع اقتراب موعد الانتخابات ومن صالحها تحييد القطاع إلى حين انتهاء الاستحقاق. القاهرة - عقد مبعوث عملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف ومسؤول الملف الفلسطيني في جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء أحمد عبدالخالق اجتماعا، الجمعة، مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الذي وصف اللقاء بـ“غير المسبوق”. وقال مصدر قيادي في حماس لـ”العرب”، إن الاجتماع الثلاثي بحث تثبيت التهدئة بين حماس وإسرائيل، برعاية مصرية وأممية، بعد رفض الحركة للآلية الجديدة التي وضعتها إسرائيل لدخول المساعدات المالية القطرية مؤخرا، ومنع التوجهات الرامية إلى اللجوء للتصعيد العسكري في القطاع، والذي تقوده غرفة عمليات الفصائل المشتركة ضد إسرائيل. جاء اللقاء عقب إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) نيّته تشكيل حكومة جديدة بمشاركة فصائل لم تُبد موافقتها على الخطوة، وتلويح حماس والجهاد الإسلامي بتصعيد جديد، بسبب تنصّل إسرائيل من التفاهمات التي ترعاها مصر. وكشف المصدر لـ“العرب” أهمية الحفاظ على الهدوء في قطاع غزة، خاصة على طول الشريط الحدودي، لتسهيل مهمة تقريب وجهات النظر في ملفات المصالحة وفك الحصار، وصولا إلى إجراء الانتخابات في الأراضي الفلسطينية. وترمي التحركات المصرية إلى توصيل رسائل طمأنة إلى حماس بخصوص فتح معبر رفح وتقديم المزيد من التسهيلات للقطاع الفترة المقبلة، فضلا عن الدور الأممي المتمثل في إنفاق 600 مليون دولار (المقدمة من دول خليجية) في ما يتعلق بملفات التشغيل والمشروعات الإنسانية في غزة. وتعمل القاهرة على عدم توفير الذرائع التي تستغلها قطر لمزيد من التمدّد في غزة، وقطع الطريق عليها لإيجاد ثغرات سياسية تمكّنها من لعب دور كبير في القضية الفلسطينية وجرّها إلى مسارات تحقق لها مزايا سياسية. طلال عوكل: الاجتماع بحث خطورة عدم مشاركة حماس في الحكومة الجديدة طلال عوكل: الاجتماع بحث خطورة عدم مشاركة حماس في الحكومة الجديدة ويُدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أهمية الهدوء في غزة قبيل إجراء الانتخابات، ما يمنح فرضية زيادة حكومة اليمين الحالية فرصة كبيرة، لذلك من مصلحته السماح بدخول بعض السلع المحظورة للقطاع ومنح تصاريح للتجار للعمل في الداخل المحتل، خوفا من دخول التلويح بالتصعيد حيّز التنفيذ. ويواجه نتنياهو منافسة شرسة في الانتخابات العامة، في ظل إمكانية كبيرة لتوجيه اتهامات بالفساد له قبل الاستحقاق، حيث أعلن النائب العام الإسرائيلي أفيخاي ماندلبليت الجمعة، أنه ما من شيء يحول دول اتخاذ ونشر قرار، إن كان هناك قرار، ببحث توجيه اتهام في القضايا الثلاث المتعلقة برئيس الوزراء أو جانب منها حتى قبل موعد الانتخابات”. وهذا الوضع الصعب الذي يجد فيه نتنياهو نفسه يدفعه إلى تحييد قطاع غزة، عبر تصويب مسار التهدئة. وأوضح المحلل السياسي الفلسطيني طلال عوكل، أن الاجتماع الثلاثي في غزة عقد في ظل وجود مؤشرات للتصعيد نتيجة عدم التزام إسرائيل ببنود التهدئة، وحاولت استخدام أموال المنحة القطرية المخصصة لرواتب موظفي حماس للترويج لفضيحة سياسية تطال الحركة، ما دفع الأخيرة إلى رفض المنحة القطرية إلى غزة. ورجّح عوكل في تصريح خاص لـ”العرب” من غزة، أن الاجتماع بحث أيضا ملف الحكومة الفلسطينية الجديدة التي تنوي السلطة تشكيلها وخطورة عدم مشاركة حماس فيها، ما يمهّد لحدوث تصادم بين السلطة الفلسطينية والحركة ويعزز الانقسام الداخلي، فضلا عن إعادة صياغة تفاهمات التهدئة كي لا تنهار، ويفضي الضغط على حماس لمواقف يمكن أن تنهي الوساطة المصرية لإنجاز المصالحة. وأشار المحلل السياسي الفلسطيني حسام الدجني لـ”العرب إلى أن ملف التهدئة مع إسرائيل والعودة للتفاهمات من أبرز الموضوعات المهمة حاليا، لأن القاهرة تدرك أنه في حال تفجّر الوضع قبيل الانتخابات الإسرائيلية سوف تشتعل المنطقة بشكل عام، ما يضاعف من صعوبة العودة إلى الهدوء، لأن هناك جهات تجد مصلحتها في المزيد من تسخين الأوضاع الإقليمية. وعلمت “العرب” أن القاهرة تبحث عن آلية جديدة لفتح معبر رفح البرّي تنفيذا لرغبة الرئيس عبدالفتاح السيسي في تخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني، والبحث عن سبل ناجعة لإدارته عقب رفض السلطة عودة موظفيها، وبحث إدخال المساعدات والمواد التي يحتاجها قطاع غزة في إطار تعزيز العلاقات الاقتصادية بين القاهرة والقطاع. وأوضح الدجني أن الكلّ بات يدرك ضرورة تجاوز الرئيس محمود عباس بسبب العناد السياسي، وأن اللغة التي يستخدمها بعض المسؤولين في السلطة (يقصد الوزير حسين الشيخ) حول معبر رفح واستمرار إغلاقه والتصعيد ضد غزة لن تكون مفيدة، معوّلا على محاولة القاهرة وملادينوف إشراك عباس في التحركات الخاصة بالتهدئة وتشكيل الحكومة وفتح معبر رفح لفترة طويلة. وتأتي هذه التطورات متزامنة مع إيقاف الولايات المتحدة، الجمعة، بشكل رسمي جميع المساعدات التي تقدّمها للضفة الغربية وقطاع غزة عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. ودخل قانون مكافحة الإرهاب حيّز التنفيذ، والذي ينص على أن أيّ حكومة تتلقى تمويلًا أميركيّا ستكون خاضعة للقانون ومعرّضة لدعاوى قضائية في المحاكم الأميركية. وكان رئيس الوزراء الفلسطيني، في حكومة تسيير الأعمال، رامي الحمدالله، بعث برسالة لوزارة الخارجية الأميركية وطلب إنهاء التمويل نهاية العام الماضي خشية التعرّض لدعاوى قضائية بموجب القانون الجديد، بما في ذلك المساعدات للأجهزة الأمنية الفلسطينية. وأكد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، في مؤتمر صحافي، الجمعة، أن الإدارة الأميركية قطعت 844 مليون دولار عن الشعب الفلسطيني ومؤسساته، وأدّى ذلك إلى توقّف مشاريع طرق، ومدارس، وصرف صحي، ومياه، وأوقفت هذه المشاريع في الضفة وغزة قبل أن تكتمل، وأوقفت منحًا دراسية لطلاّب فلسطينيين في الخارج. وتنذر هذه الخطوات بارتفاع حدّة المعاناة الاجتماعية، وتفرض البحث عن وسائل لتجنّب اتساع نطاق انفلات الأوضاع، وعدم زيادة التعقيدات الراهنة، ومنح فرصة لبعض القوى التي ترى فيها مدخلا لتحقيق مكاسب سياسية.
مشاركة :