دهوك (كردستان العراق): «الشرق الأوسط» تدفق آلاف الأجانب على العراق وسوريا في العامين الأخيرين، انضم معظمهم لتنظيم داعش، لكن مجموعة من الغربيين ينضمون للمعركة أيضا، مشيرين إلى الإحباط من أن حكوماتهم لا تبذل المزيد من الجهد لمحاربة المتطرفين أو منع معاناة الأبرياء. وأحد هؤلاء جندي في الجيش الأميركي عاد أخيرا إلى العراق لينضم إلى فصيل مسيحي يقاتل تنظيم «داعش» فيما يعدها حربا بين الخير والشر. ولدى سؤاله عن المقارنة بين تجربتيه الأولى والحالية في العراق، قال الجندي الذي طلب الإشارة إلى اسمه الأول فقط (بريت)، خوفا على سلامة عائلته، لوكالة «رويترز»: «هناك اختلاف شديد.. هنا أنا أقاتل من أجل الناس والدين، والعدو أكبر كثيرا وأكثر وحشية». ويحمل الفصيل الذي انضمم إليه المقاتلون المسيحيون الغربيون إليه اسم «دويخ نوشا»، وهو ما يعني التضحية بالنفس باللغة الآرامية القديمة التي كان يتحدثها المسيح، وما زال يستخدمها المسيحيون الآشوريون الذين يعدون أنفسهم السكان الأصليين للعراق. وعلى خريطة معلقة على الجدار بمكتب الحزب الآشوري المرتبط بفصيل «دويخ نوشا» وضعت علامات على البلدات المسيحية في شمال العراق المنتشرة حول مدينة الموصل، التي يخضع معظمها الآن لسيطرة تنظيم داعش الذي اجتاح الموصل الصيف الماضي ووجه إنذارا للمسيحيين، إما بدفع الجزية أو اعتناق الإسلام أو الموت بحد السيف. وفرت الأغلبية. ويعمل فصيل «دويخ نوشا» إلى جانب قوات البيشمركة الكردية لحماية القرى المسيحية على الخط الأمامي في محافظة نينوى. وقال بريت، الذي كتب على سترته العسكرية من الأمام عبارة «ملك نينوى» باللغة العربية: «هذه بعض من البلدات الوحيدة في نينوى التي تدق فيها أجراس الكنيسة. صمتت الأجراس في بقية البلدات الأخرى وهذا غير مقبول». وبريت هو الوحيد الذي شارك في القتال حتى الآن، أما غيره الذين وصلوا الأسبوع الماضي، فأعادتهم أجهزة الأمن الكردية من على الخط الأمامي يوم الجمعة الماضي، قائلة إنهم يجب أن يحصلوا على تصريح رسمي. متطوع غربي آخر اسمه «تيم» أغلق شركة المقاولات التي يملكها في بريطانيا العام الماضي، وباع منزله واشترى تذكرتي طيران إلى العراق؛ واحدة له والأخرى لسكوت، مهندس البرمجيات الأميركي البالغ من العمر 44 عاما الذي تعرف إليه عن طريق الإنترنت. التقى الرجلان في مطار دبي، وسافرا إلى مدينة السليمانية الكردية، وأقلتهما سيارة أجرة إلى دهوك التي وصلا إليها الأسبوع الماضي. قال تيم (38 عاما)، الذي كان يعمل بجهاز السجون فيما سبق: «أنا هنا لأحدث فرقا، وآمل وضع نهاية لبعض الأعمال الوحشية. وأضاف: «في الحقيقة أنا مجرد شخص عادي من إنجلترا». أما سكوت، مهندس البرمجيات، فقد خدم في الجيش الأميركي في التسعينات، لكنه أخيرا كان يقضي معظم وقته أمام شاشة الكومبيوتر في نورث كارولاينا. هالته صور متشددي «داعش» وهم يلاحقون أبناء الأقلية الإيزيدية في العراق، وسيطر الصراع من أجل السيطرة على بلدة عين العرب (كوباني) الحدودية السورية على تفكيره. وكانت البلدة هدفا لحملة شرسة من المتطرفين الذين صدتهم وحدات حماية الشعب الكردية المزودة بأسلحة خفيفة مدعومة بضربات جوية أميركية. وكان سكوت يعتزم الانضمام لوحدات حماية الشعب التي استقطبت مجندين أجانب، لكنه عدل عن ذلك قبل توجهه لـ«الشرق الأوسط» بـ4 أيام، بعد أن انتابه الشك في صلات الوحدات بحزب العمال الكردستاني. وخشي سكوت ومتطوعون آخرون من ألا يسمح لهم بالعودة إلى بلادهم إذا ارتبطوا بصلات بحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه الولايات المتحدة وأوروبا جماعة إرهابية. كما عبروا أيضا عن رفضهم لآيديولوجيا الحزب اليسارية. وقالت المرأة الوحيدة في فصيل «دويخ نوشا» إن دور النساء في وحدات حماية الشعب كان مصدر إلهام لها، لكنها تجد نفسها في القيم «التقليدية» للفصيل المسيحي. وأضافت المرأة التي وضعت قبعة بيسبول فوق القناع الذي لم يظهر منه سوى عينيها أن التفسير المتشدد للدين الإسلامي هو أساس الكثير من الصراعات، وينبغي احتواؤه. وقال كل المتطوعين إنهم مستعدون للبقاء في العراق لأجل غير مسمى. وحين سئل بريت عن مسألة تعرضه للقتل قال: «كلنا سنموت». وأضاف: «إحدى الآيات المحببة إلى قلبي في الإنجيل تقول: (كن أمينا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة)».
مشاركة :