كريم العراقي: مبادرة الشعراء العرب «سلاح جديد للحرية»

  • 2/3/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لا يؤمن الشاعر كريم العراقي بالمدارس الشعرية ولا الأجيال ولا اللهجات المحلية المستخدمة في كتابة الشعر، منطلقًا من أن الشعر هو التعبير الصادق والصورة الجيدة الملامسة للداخل، بغض النظر عن الزمن الذي قيل فيه أو بأية لغة أو لهجة، ولعل هذا الإيمان نابع من أمانته مع نفسه في الكتابة، والتي يفسّرها بالسير وراء عفويته، وإطلاق العنان لنفسه لحظة الإبداع متأثرًا بحالة من «الغليان». وروى صاحب ديوان «للمطر وأم الظفيرة»، وسلسلة «مناجاة للواحد الأحد»، خلال مقابلة مع «الإعلامية مريم الحداد «بنت تونس»»، تفاصيل رحلة ممتدة من الصداقة والإبداع مع القيصر كاظم الساهر، بدأت في 1986 ومازالت مستمرة حتى الآن وأفرزت أكثر من مائة عمل فني، كما تحدث عن علاقته بالمطربين التونسيين الكبيرين صابر الرباعي، ولطفي بوشناق، كما أبدى سعادته بتكوين رابطة الشعراء العرب، معتبرًا أنها تسهم في ترسيخ حرية الشاعر باعتباره ضمير الشعب، هنا حوار معه..] نرحب بك في البداية، ونبدأ بعلاقتك بصابر الرباعي.. حدثنا عن هذه العلاقة؟ - شكرًا مريم، أهلاً بك وسهلاً، أول معرفتي بصابر كانت في تونس عام 1996، التقينا وجلسنا في بيته، وسألني كيف نبدأ في التعاون، فرددت: «نبدأ من تونس، كتونسي لازم تبدأ من تونس ومن اللهجة التونسية»، وسألته عن أشهر مفردة تونسية فأخبرني بأنها «يعيشك»، ومن هنا كتبت له أغنية «يعيشك» باللهجة البيضاء، ثم عكف على تلحينها، والحقيقة أنها أحدثت صدى جميلا، ومن هنا بدأت رحلتي مع صابر من «يعيشك» من سوسة، لأنني كنت مقيمًا بها، ثم تحولت إلى العاصمة تونس. ] وكيف بدأ التعاون مع فنانين تونسيين آخرين كلطفي بوشناق مثلاً؟ - تعاونت مع لطفي بوشناق في أعمال عن العراق، لأن الحسّ الوطني عند لطفي أكثر من أي إحساس آخر، فهو رجل في منتهى الروعة والصدق والثقافة، ويعد من الشخصيات النادرة في زمننا هذا، حاولنا تقديم أكثر من عمل عن العراق، منها دعاء «يا ربي احمِ العراق»، فضلاً عن أربعة أعمال أخرى كلها عن العراق، سُجلت مصورة مع الكورال بصوت الفنان الكبير لطفي بوشناق. وتعاونت أيضًا مع الفنانة الكبيرة لطيفة، في عدة أعمال، لكن الحقيقة أكثر أعمالي في تونس لصابر الرباعي، منها «ما شاء الله عليها»، و«للا»، و«البديل»، و«يا أبي» وهو (دويتو) مع أصالة، لكني أعتب على صابر أنه لم يصوّر أي واحدة من هذه الأغنيات التي كتبتها له، وأسجل زعلي وعتبي عليه. أنا بدأت مع صابر الخطوات الأولى، وكنت السبب في تعريفه على علي المولى الذي نقله من تونس إلى لبنان إلى مصر، وكنت مواكبًا لحركتهم مع بعضهم البعض، لكن لم أشعر بردّ فعل جميل يناسب مستوى هذه العلاقة مع صابر، لا أريد منه شيئًا، لكن هذه الأعمال يجب أن يهتم بها ويصورها، «وخلي ينجح مع غيري، أنا أصلاً مديت إيدي إله من البداية، كان المفروض يصور هذه الأعمال». أيضًا تعاملت مع نوال غشام في «سيمفونية الرحمن»، وهي قصيدة لتونس من أروع القصائد، ألحان رأفت الموجي، وهو شقيق الملحن الكبير المصري الراحل محمد الموجي. ] هل تؤمن بالمدارس الشعرية؟ - لا أؤمن بالمدارس الشعرية أبدًا، أنا عندي المتنبي هو ابن اليوم، لا أؤمن بالمدارس ولا بالأجيال أبدًا. القصيدة هي القصيدة، وسأزيدك من الشعر بيتًا، لا أؤمن باللهجات، إذا كتبت بالزجل اللبناني أو التونسي أو المصري أو بالفصحى، الشعر هو الشعر، إن كتب الأبنودي أو كتب أحمد عبد المعطي حجازي، إن كان بالفصحى أو باللهجة الشعبية، إن كتب بيرم التونسي أو كتب إبراهيم ناجي، أو كتب بدر شاكر السياب أو كتب مظفر النواب، إن كتب الجواهري أو كتب عباس جيجان بالفصحى أو بالشعبي، المهم الصورة، والصدق. كما لا أؤمن بالأجيال، ولا أؤمن بالمدارس الشعرية، ولا أؤمن بوطن مهين للشعر، أحيانًا تكون صورة مترجمة قمة في الروعة، فأراجون مثلاً شاعر فرنسي كبير كان يغازل عيون حبيبته إليزا ويقول لها: «عيناكي من شدة عمقهما أضعت فيهما ذاكرتي»، تصوري جمال هذه الصورة، وهي مترجمة، الشعر شعر أينما يكون، أهم شيء أن يلامس الداخل، ويكون صادقًا. ] ما اللحظة التي تدفعك للكتابة والإبداع؟ - أنا أسير وراء عفويتي، أطلق العنان لنفسي كما هي، مخلص لذاتي، لا أفتعل أي شيء من أجل الكتابة، وأمين مع نفسي، حتى أثناء هذه الكتابة قد تجيء فكرة، قد تكون عاطفية، أو وطنية، أو أحيانًا قصيدة، وأحيانًا أخرى لا تصير قصيدة، ولكن قصة أو خاطرة، هذه هي الأمانة مع نفسي أثناء الكتابة، ولا أكتب إلا في حالات الغليان، عدا قصائد المجاملة أو القصائد التي تضطرم الظروف عليها، مثل قصائد عيد الميلاد أو قصائد مناسبة معينة. ] أين معاناة العراق من شعر كريم العراقي؟ - جسدتها في قصائدي، وكانت أكثر من الغزلية في خلال 40 سنة، بدأت من «جنة» كتبتها وعمري 19 سنة، وأصبحت تُغنى في كل البلدان العربية، في تونس غناها شكري بوزيان، وفي الأردن غناها عمر عبداللات، وأغنية «تذكر» التي غناها كاظم الساهر، وكذلك «الشمس شمسي»، وقصيدة «تعالي أقبل وجهك»، وقد أصبحت طوابع بريدية في العراق 2007، ولي الفخر في ذلك أن تكون لي أول قصيدة تصبح طوابع بريدية، كما كتبت «كثر الحديث» التي غناها كاظم الساهر، وحتى القصائد الغزلية فيها تجسيد للعراق وهمومه ولها انعكاس لذلك في داخلها. ] كريم العراقي ارتبط اسمه بكاظم الساهر والعكس صحيح.. ما جديدكما؟ - ليس هناك جديد حاليًا، لكن ارتباطي بكاظم الساهر ارتباط مميز جدًا، كاظم فنان استثنائي وظاهرة من الصعب أن تتكرر، لديه قدرة كبيرة في التلحين والأداء والذكاء في قراءة المستقبل، هو إذن فنان متكامل في المواصفات الفنية، عملت معه أكثر من مائة عمل، وبدأت معه في 1986، ومازلنا مستمرين حتى الآن، من خلال المواويل، و«المحكمة»، و«مدينة الحب»، و«لا تحرموني»، وأغانٍ أخرى كثيرة. ارتبط اسمي بكاظم وخرجنا سويًا من العراق إلى الأردن في 1990، عبر رحلة اجتماعية مميزة يجب أن تُشرح وتدرس، ونحن سعيدان بهذه العلاقة، مثل علاقة الأخوين رحباني وفيروز، دامت نصف قرن، ثنائيات لها أثر كبير إذا انطوت على تفاهم وقدمنا العديد من الأعمال، أما الجديد فأعمال لا تزال في مكتبة كاظم الساهر، وهو انشغل في برنامج (ذو فويس)، ونتيجة انشغال صديقي كاظم فأنا فتحت الباب للأمسيات الشعرية التي أهملتها سنين طويلة. ] وما رأيك في الشعر الشعبي؟ - هو روح الشعب، ويبقى ويعيش بحسب موهبة الشاعر وقدرته، فإما أن ينزل بهذا الشعر الشعبي إلى الحضيض، وإما يصعد به ويتألق به، ويسمى اسمه على مسمى شعر شعبي، من روح الشعب، مثل ما كتب بيرم التونسي وحسين السيد وعمر الفرا، وفي المألوف التونسي، وما كتب في التراث الجزائري والمغربي والزجل اللبناني وموسى زين وعريان السيد خلف، هرم الشعر الشعبي، وهناك كاظم إسماعيل الكاطع، ملك الصورة الشعرية العراقية، وسبقهم الكبير مظفر النواب، الرائد في مجال الشعر الشعبي، والحقيقة أن القائمة تطول في العراق. ] هل لك قصائد بغير اللهجة العراقية؟ وبأي لهجة؟ - قليل، ولا أسمّيها لهجة، لم أكتب بالمصري الصرف، ولا بالخليجي الصرف، أنا أترك شيئًا مشتركًا، ولما كتبت لصابر، لم أكتب له بالتونسي ولا بالعراقي، لكن استخدمت لهجة محايدة، فالأمانة أحسن شيء، أترك اللهجة المصرية للمصريين واللهجة المغربية للمغاربة، لكن أنا أعتمد خطًا مشتركًا، وأستعمل اللهجة البيضاء، وقربت للهجة المدينة لتكون سهلة للمستمع. ] ما سر كتابتك في الأبراج والنساء؟ - ليس هناك سر، لكني ابن الحياة، وفي أكثر الجلسات يمتد الحديث - سواء بين رجال أو نساء - عن الأبراج وقراءة الفنجان والقهوة، وهي أشياء ينشغل بها الناس، فأحببتها وأخذت أكتب حول الأبراج للنساء. ] يسرا محنوش وكاظم.. هل من جديد معك؟ - من المفترض أنه كان هناك جديد، يسرا محنوش غنت دويتو مع الفنان الكبير كاظم الساهر، «والله لكسر مرايتي»، و«موال البارحة بالحلم»، واتفقنا على أكثر من عمل، وتأجل الموضوع، لكن هناك تواصل بيننا، وإن شاء الله يكون هناك عمل مشترك قريبًا. ] ما رأيك في مبادرة الشعراء العرب؟ - أنا مع صوت الشعر، الشاعر خُلق حرًا، أنا مع الحرية في كل مكان، وهو ضمير الشعب، وإن شاء الله تضاف كسلاح وجناح لنا. أنا لي أكثر من 16 أمسية في مصر بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وفي الإمارات هناك جديد كثير، منها فيلم من تأليفي تنفيذ نخبة من الفنانين الإماراتيين والكويتيين أيضًا، عُرض الشهر الماضي في كاليفورنيا، وسيعرض في الإمارات هذا الشهر، اسمه «شباب شياب»، وعدة أمسيات في الإمارات، منها أمسية في إمارة الفجيرة، ومؤسسة محمد بن راشد بدبي، وأقيمت في مكان شعبي مفتوح بالسوق الصيني، وكانت هناك مجموعة من الشعراء من الإمارات. وكتبت قصائد مسرحية «يوتوبيا»، تأليف جاسم الخراز وإخراج حافظ أمان، وهما إماراتيان، وهي للمسرح التجريبي، وأتوقع أن تُحدث صدى كبيرًا، لأنها مسرحية جادة غنائية، وهي عمل عربي مشترك مصري إماراتي، أتمنى نجاحها. ] سمعنا عن تواجدك بأغادير.. ما الكلمة التي توجهها للشعب المغربي؟ - الحقيقة أنني مستغرب، لأنه في السنوات السابقة كنت في كل الدول العربية ولم تصلني دعوة من المغرب، فتحية للجمهور وعتبى للآخرين. * كيف ترى شعراء (السوشل ميديا)؟ - صراحةً أنا بعيد عنهم، وأخيرًا أنشأت موقعًا استجابة لرأي الناس، لكنها للأسف وفرت منبرًا لكل عديمي الموهبة، أي إنسان ليست له علاقة لا بالفن ولا بالغناء أصبح بمقدوره حصد ملايين المشاهدات بطريقة خطأ، 70% منها «ضحك على الذقون»، والكثير من المؤلفات صارت مسروقة، فهي خدعة كبيرة، ورويدًا رويدا سينكشف سارقها، لكنها في الوقت ذاته وزادت الإنسان المعاصر خوفًا ورعبًا، لأنه أصبح عنده عدم ثقة كبيرة في الأدب والكُتاب، وثلاثة أرباع الأسماء الموجودة مستعارة، وأصبح المجال شائكا ومتشعبًا. ] «شيطان الشعر» متى يأتيك؟ - أنا لا أسميه لا شيطان ولا ملاك، أنا جاهز دائمًا للكتابة، ذات مرة فقدت البصر بانفصال شبكية، وأنا في قمة الألم والرعب، كتبت قصيدة عن العيون «بعيوننا صابتنا العيون.. اثنين إحنا والحُساد مليون»، وغنتها رولا سعد، فأحيانا القصيدة توقظني من النوم، مثل «بعد الحب وبعد العشرة»، ونبهت الكثير من أصدقائي عن كيفية الانتباه للغة الناس، وشعراء كثيرون أخذوا هذه الطريقة، باقتباس مفردات الناس من كلمة تقال، ذات مرة مادلين طبر قالت لي: «ما شاء الله كل ما تكبر تحلى»، فكتبتها وغناها الفنان كاظم الساهر، أنا دائمًا جاهز، لكن أحيانًا تكون حالتي تعبانة، والقصيدة في العمل الكبير أدفع ثمنها غاليًا تمرضني وتُقعدني في البيت، فمثلاً قبل أسبوع أغلقت البيت على نفسي وحرارتي مرتفعة بسبب قصيدة البصرة. في السنتين الأخيرتين راجعت مسيرتي، ورأيت أنني أهملت الأمسيات الشعرية، وطبع الدواوين، فخففت من الأغنية وجعلت الأغنية ثانوية، والآن أنا مقبل على موسم مزدحم هذا الشهر، لأن هناك أمسية في البحرين، وبعدها أمسية في البصرة، وبعدها الأردن، واحدة في عمان وأخرى بإربد، وبعدها لأول مرة في السعودية أمسيتان، وبعدها في بيروت وبعدها بالمغرب، وبعد في مفاوضات في تونس على أمسيتين، إحداهما في تونس العاصمة وأخرى في سوسة، وبالإمارات مستمرة دائمًا أسبوعيًا بالثقافة والعلوم وبالعويص. كما أن ديواني تحت الطبع من خلال منشورات دار الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح، وسيكون في الأسواق قريبًا، وهو عبارة عن 50 خماسية.

مشاركة :