الصراع بين المدرسة والبيت فاتورة يدفعها الطلاب

  • 2/3/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تحقيق: إيمان سرور تزداد وتيرة تبادل الاتهام بين المدرسة والأسرة في أحيان كثيرة، بسبب تدني مستوى تحصيل الأبناء طيلة فصول العام الدراسي، أو عند عدم تحقيقهم نتائج مفرحة في نهاية الفصل أوالعام الدراسي، ويتواصل التجاذب تجاه هذه المسألة، حيث تحمّل الأسرة المدرسة أسباب التدني، فيما تشكو المدرسة من عدم بذل الأسرة الجهود المطلوبة لتنمية حب التعلم في نفوس أبنائها ومتابعة تحصيلهم الدراسي، وليدفع بالتالي الطلاب فاتورة الصراع بين الإثنين.وأكد تربويون أهمية الشراكة بين المدرسة والأسرة، وأن تطوير مستوى التحصيل الدراسي للطلبة وتحقيق نتائج متميزة من قبلهم، يتطلبان شراكة جادة من قبل الأسرة التي تدعم جهود المدرسة، مشيرين إلى أن وراء كل طالب متميز، أسرة متميزة تتابع تحصيله الدراسي وتنمي دافعيته وحبّه للتعلم، أسرة تمد جسور التواصل مع المدرسة. «الخليج» سعت للتعرّف على أبرز مشكلات الطالب داخل مدرسته من تدنٍّ في التحصيل وسلوكيات خاطئة ومدى فاعلية الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين ومساهمتهم في تهيئة نفسية الطالب وإعداده للتحصيل الجيد، وأثر تواصل الأسرة مع الإدارة المدرسية سلباً وإيجاباً، ودور المعلم، وما يمكن أن تقدمه مجالس أولياء الأمور لمساندة الجهود المبذولة لتطوير العملية التربوية والتعليمية.أحمد الراشدي، رئيس مجلس الآباء في إحدى المدارس الثانوية، أشار إلى أن هناك نوعاً من الفتور في العلاقة بين المدارس وأولياء الأمور، موضحاً أن نتائج تم التوصل إليها من خلال مناقشات حثيثة وطرح تربوي فاعل لأولياء الأمور والتربويين، في فعاليات متنوعة، إن من أسباب قلة التفاعل وحضور اجتماعات أولياء الأمور، قضايا تتعلق بطبيعة وعمل ولي الأمر، أو عدم تفعيل دور مجالس أولياء الأمور بالشكل الكافي، أو ضعف التواصل بين البيت والمدرسة.كما لوحظ أن حضور وتفاعل أولياء الأمور للطلبة في الحلقتين الأولى والثانية أكبر من الحلقة الثالثة، وأن حضور الآباء ومتابعتهم لاجتماعات أبنائهم في المدارس الخاصة، أكبر من الحكومية تحت ذريعة أنهم يدفعون أموالاً لتعليم أبنائهم، وهذا مفهوم خاطئ وغير مبرر، فالدولة أيضاً لا تبخل على مدارسها الحكومية بالدعم المادي والمعنوي، لافتاً إلى أن العلاقة سواء من ناحية قوتها أو ضعفها تتأرجح ما بين المدرسة وأولياء الأمور. أسباب جوهرية وقال الدكتور صالح الجرمي - مستشار تربوي، إن الانفصال بين أسرة الطالب ومدرسته وغياب صور التواصل والتعاون بينهما في أداء وظائفهما المشتركة، من الأسباب الجوهرية المسؤولة عن ضعف تحصيله العلمي، موضحاً أنه في كثير من الأحيان نرى المدرسة لا تلقي بالاً لحاجات الطالب ومتطلبات نموه العقلي التي تتباين من طالب لآخر، كما تغفل فهم جانبه النفسي والاجتماعي، الأمر الذي يجعلها لا تدرك الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تراجع مستواه الدراسي، فتظل عاجزة عن إيجاد حلول ناجعة لمشكلاته الدراسية، ولا تجد أمامها سوى وصفه بالكسل والفشل، أو اتهامه بالتقصير والتهاون، الأمر الذي يولد لديه ردة فعل قد تترجم في صورتين حسب طبيعة شخصيته، فإما أن يميل إلى الانطواء والعزلة، أو أن تصدر عنه سلوكيات عدوانية عنيفة تعبر عن تمرده ورفضه للتهم الموجهة إليه.وأكد ضرورة سد الفجوات القائمة بين الأسرة والمدرسة، وإزالة مساحة الانفصال والقطيعة شبه التامة بينهما، ومحو كل أسباب التنافر والتباعد بين هاتين المؤسستين. تعزيز التقارب وأكد فيصل محمد الشمري، رئيس جمعية الإمارات لحماية الطفل، أن دور أولياء الأمور في تحقيق النجاح، وتعزيز مسيرة التحصيل العلمي للأطفال يعتبر دوراً رئيسياً وحيوياً، باعتباره جسراً لتعزيز التقارب بين البيئة التعليمية وبين أولياء الأمور، مشيراً إلى أن المرونة في ساعات العمل التي مُنحت لأولياء الأمور، مطلع العام الدراسي الحالي، لمشاركة أبنائهم الطلبة في الأنشطة التربوية، دعوة من الحكومة لتذكيرهم بدورهم في العملية التعليمية. تفاعل إيجابي وقالت الدكتورة رحاب محمد الشافعي أستاذة جامعية، ومعلمة في روضة: إن علاقة الأسرة والمدرسة كلما كانت قوية وهناك تفاعل إيجابي، تكون النتيجة مثمرة وواضحة في تقدم الطالب الدراسي، مشيرة إلى تجربتها في مجال التدريس التي تصل إلى 25 سنة، حيث قالت، إن بعض طلابها تخرجوا في الجامعة أطباء ومهندسين ومعلمين يعملون على خدمة المجتمع، وناجحين في أعمالهم، وهذه النتيجة تأتي من خلال معادلة بسيطة وهي تعاون أولياء الأمور المهتمين بأبنائهم منذ الصغر بالإضافة إلى العلاقة المتبادلة التكاملية ما بين المدرسة والأسرة. وأضافت، أن لديها مبادرة بعنوان «التعلم الذكي لطفل الروضة» قامت بعرضها في ملتقى التكنولوجيا في هذا المجال من خلال عمل قناة لأولياء الأمور للاطّلاع على الأهداف والمعايير التربوية والمنهاج بصفة دورية. كثافة المنهاج أكد طلال السلومي موجّه الخدمة الاجتماعية في مدارس الظفرة الحكومية، أن أبرز مشكلات الطالب داخل المدرسة تتمثل في قلة الدافعية للتحصيل بسبب عدم متابعة أولياء الأمور لأبنائهم في المنزل، وتلمس مشاكلهم أولاً بأول، وكثافة المواد الدراسية وتكليف معلمي المواد التعليمية لطلبتهم بإعداد مشاريع تربوية في كل مادة، الأمر الذي لا يتيح للطالب ممارسة هواياته الشخصية والترويح عن نفسه.وقال أحمد حسن الحوسني، اختصاصي اجتماعي في مدرسة الاتحاد: إن أبرز مشكلات الطالب تتمثل في قلة الدافعية في التحصيل بسبب تدني دعم الأسرة وتخليها عن متابعة تعليم الأبناء وإلقائها عبء تحمل مسؤولياته على كاهل المؤسسات التعليمية، وعدم جاذبية البيئة المدرسية، واضطراب العلاقات الأسرية وعدم استقرارها. وقالت عواطف المجعاط، معلمة في إحدى مدارس أبوظبي الخاصة: إن من أهم أسباب ضعف التحصيل الدراسي قلة دعم الأسر لأبنائها وافتقاد الأساليب الصحيحة لطرق المذاكرة والمتابعة التعليمية، مشيرة إلى أن من أسباب السلوكيات الخاطئة التي تظهر في معظم المدارس وبالذات داخل الفصل الدراسي، هو ضعف شخصية بعض المعلمين، وقلة مهارات البعض منهم الذين ما يزالون يدرّسون لطلابهم بطريقة تقليدية، أي إنه لا يشرك طلابه في البحث والاستنتاج والتحليل، مما يؤدي إلى انشغالهم عن الحصة الدراسية بسبب الملل، وخلق الفوضى في الفصل وإثارة الشغب، موجهة إدارات المدارس نحو الاهتمام بتطوير معلميها؛ لأن طالب اليوم ليس كما طالب الأمس. أسرة واعية وأكد موجّه الخدمة الاجتماعية نصر عبدالرحيم، أن الطالب الناجح لابد أن تكون خلفه أسرة واعية متواصلة مع المدرسة، سواء من الناحية السلوكية أو التعليمية، فكلما كان اهتمام الأسرة بأبنائها كبيراً، كان ذلك دافعاً قوياً لهم نحو التحصيل الدراسي، وأن المسؤولية مشتركة بل الدور الأكبر يقع على الأسرة وجهودها الداعمة للمدرسة. وقالت غادة محمود «معلمة»: إن إهمال المذاكرة والواجبات وتدني الدافعية نحو التعليم وضعف التحصيل والتأخر الدراسي، تقع على سلم المشكلات التربوية التي يشهدها الميدان وتعود إلى مصادر وأسباب عدة، منها اجتماعية تتعلق بالأسرة ونمط التربية السائد كالتسلط والقسوة الزائدة والتحقير والإهانة أو الدلال الزائد، ومنها ما يعود لأسباب تعليمية مثل عدم العدالة في المعاملة داخل الغرفة الصفية وزخم وصعوبة المنهج والشتم والسب والضرب، ومنها ما هو نفسي أو شخصي مثل بعض الأمراض الجسمية والنفسية والشعور بالنقص، ومنها ما يتعلق بالبيئة المدرسية ذاتها من رفاق وطلبة ومعلمين وإدارات ومرافق.وأكدت راجية بني هاني - اختصاصية نفسية، أن انشغال الأب عن أبنائه والأم التي لا تجيد تنظيم وقتها، عنصران سلبيان لا يوفران البيئة المناسبة لأبنائهما، ولا يدركان أهمية الاهتمام والتشجيع والمتابعة، مشيرة إلى أن عوامل أخرى لابد من الالتفات إليها بجدية أبرزها سرعة إنجاز مراحل تطوير المناهج والتخلص من التلقين والحفظ والتفريغ وتنمية وتعزيز التعليم الذاتي في نفوس الطلبة، بالإضافة إلى إشراك أولياء الأمور في ورش عمل تفيدهم. تفعيل مجالس الآباء وأكد صديق فتح علي آل خاجة عضو سابق بمجلس آباء، أن لمجالس الآباء أدواراً كبيرة من أهمها تدعيم العلاقة بين البيت والمدرسة، إضافة إلى دعم دور المدرسة ومساندتها في حل القضايا والمشكلات الطلابية وتحفيزهم على الارتقاء بمستوياتهم العلمية، لافتاً إلى أنه كلما كان مجلس الآباء فاعلاً، كان محققاً لاستقرار المدرسة وتدعيم دورها وأهدافها ونجاح مشاريعها، مشيراً إلى ضرورة أن يكثّف الاختصاصيون الاجتماعيون والنفسانيون من جهودهم في حل المشكلات السلوكية والاجتماعية والنفسية التي تعرقل أداء الطالب علمياً وسلوكياً وتدعم مشاركته في الجماعات الاجتماعية والأنشطة اللاصفية التي تنمي شخصيته سلوكياً وأكاديمياً. قيم أخلاقية قالت الدكتورة رحاب النجار معلمة اللغة العربية، إن البحث عن أسباب ضعف التحصيل العلمي لدى الطالب يستدعي الحديث عن المؤثرات الأساسية التي تسهم في بناء شخصيته، والتي تتركز في قطبين رئيسيين هما الأسرة والمدرسة، مشيرة إلى أن الأسرة هي الخلية الأولى التي ينشأ بين أحضانها ويترعرع تحت ظلالها الطالب حتى يشتد عوده، فيتلقى في رحابها مجموعة من المبادئ التربوية والقيم الأخلاقية التي تضبط سلوكياته وتهذب تصرفاته، فهي المؤسسة الاجتماعية التربوية الأولى التي تؤثر في نموه وتعمل على بلورة شخصيته المستقبلية، كما أن المدرسة تعتبر المؤسسة التربوية الثانية، التي تتولى تربية وتعليم الطالب وصقل مواهبه وتنمية مداركه. وأكد أحمد عبدالله الشقاع «ولي أمر» أن حرص الأسرة على التعلم الجيد لأبنائها عامل مهم وضروري، وينبغي ألا تحمل المدرسة وحدها كل العبء، ويجب أن نركز بشكل مستمر على نوعية المعلم ومهاراته، لأن ذلك صلب المشكلة من وجهة نظري، فالمعلم الجيد المتمكن مهنياً خير من يعلم ويفيد الطالب، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. وأضاف أن الإسراف في التدليل وتلبية الطلبات غير الضرورية للأبناء مفسدة لهم، آملاً أن تتضافر جهود المدرسة والأسرة من أجل تميز دائم للأبناء، وأن تتولى الأسرة متابعة تحصيلهم الدراسي أولاً بأول وأن تنمي لديهم حب التعلم، إذ ينبغي أن نؤكد دائماً لأبنائنا أن المستقبل في العلم، وإلى ضرورة الاّ يزج المعلم في أمور إدارية بحتة وأعباء إضافية وأن يفعّل دور الاختصاصيين الاجتماعيين في المدارس لتهيئة الطلبة نفسياً لتحصيل جيد وحثهم على تنظيم أوقاتهم والاستفادة منها. خطة متكاملة لتفعيل دور أولياء الأمور أعلنت وزارة التربية والتعليم في المؤتمر الأول لأولياء الأمور الذي نظمته في سبتمبر/ أيلول الماضي، عن إنشاء خطة متكاملة لتفعيل دور أولياء الأمور في تعزيز المسيرة التعليمية، وإعدادها لائحة وإصدارها دليلاً للشراكة بينهم وبين المدرسة إلى جانب تشكيل مجلس قيادات لهم، ووضع استراتيجية متكاملة للشراكة مع أولياء الأمور، لبناء رؤية مشتركة تتضمن تمكين وتدريب أولياء الأمور للقيام بدورهم الحقيقي والفعال في العملية التعليمية ووضع منظومة متكاملة لمبادرة «سفراء التعليم» الخاصة بأولياء الأمور علاوة على التوعية بأهمية دورهم في المراحل الأولى من عمر الأطفال. كما وجّهت بضرورة قيام المدارس بإعداد برامج لتوعية أولياء الأمور بأهمية الشراكة وأثرها في الأبناء والمجتمع بشكل عام واستحداث برامج واستراتيجيات مبتكرة، لتحفيز أولياء الأمور على المشاركة بشكل أكبر وأكثر فعالية في تعليم أبنائهم والمساهمة الفاعلة في تحسين أدائهم الأكاديمي، لتخريج جيل ريادي قادر على تحقيق المركز الأول في التنافسية العالمية، فضلاً عن وضع برنامج تدريبي على مستوى مجالس أولياء الأمور لتعميق فهمهم باللوائح والنظم والإجراءات.

مشاركة :