لطالما عانت السينما العربية من أزمة في أفلام الرعب، فكل التجارب التي خاضتها في هذا المجال خاصة تلك التي تناولت حكايات «الجن والعفاريت»، لم تتمكن من رفع أسهمها، لتعادل جزءاً مما تعودت هوليوود على تقديمه من أفلام، تشعر أنها «فصلت» بمقاييس «مرعبة» للغاية. ورغم إخفاق السينما العربية والمصرية تحديداً في تقديم أفلام قادرة على «دب الرعب» في قلوب الجمهور، يلوح في الأفق تجربة جديدة عنوانها «122» للمخرج العراقي ياسر الياسري، والتي يتوقع أنها ستغير مفهوم الرعب في البلاد العربية. لا سيما بعد تمكن فريق الفيلم من حجز مكان له في قائمة النقاد العرب والجمهور على حد سواء، معتمداً في ذلك على فرضية «تقديمه لشيء مختلف، وحكاية ملأى بالرعب»، وهو ما يفسر سر ارتفاع سقف الاهتمام بهذا العمل، الذي اقتبس عنوانه من رقم الطوارئ في مصر.. في الواقع أن حكاية الفيلم، تبدو عادية، فهي تدور حول قصة حب بين شاب وفتاة بكماء، تقودهما الظروف إلى ولوج طريق العمليات المشبوهة، ولكنهما يتعرضان لحادث أليم، يتم على إثره نقلهما إلى المستشفى، ليبدأ كل واحد منهما في مواجهة أسوأ كابوس في حياته، ليتحول مكوثهما في المستشفى إلى أسوأ تجربة حياتية. هل لدى الفيلم شيء مختلف؟ سؤال يتردد صداه حالياً في كافة المحافل الإعلامية التي تتابع خطوات الفيلم، الذي قالت إنه سيكون أول عمل عربي سيعرض بتقنية (4DX)، تلك التي تسمح للجمهور بمعايشة أجواء الفيلم من خلال حركة المقاعد والهواء والماء والبخار، ناقلة عن مخرج الفيلم، قوله إن «في الفيلم خيط رفيع جداً بين أن تصديق الأحداث أو عدم تصديقها». مبيناً أن «نوعية أفلام الرعب قليلة التداول في الوطن العربي»، وأن «هذا النوع لا يزال جديداً على الجمهور»، بينما أشارت تقارير إعلامية أخرى إلى أن اختلاف الفيلم يكمن في امتلاكه لكافة العناصر اللازمة لنجاح أفلام الرعب، سواء على مستوى المؤثرات البصرية، أو من حيث أداء أبطال العمل، الذين يبدو أنهم «تدربوا» كثيراً على أدوارهم، وفق ما أشارت إليه تعليقات القائمين على صفحة الفيلم على موقع «الفيسبوك»، والتي أشارت إلى أن الممثلة أمينة خليل، «لم تنطق بأي كلمة لمدة أسبوع كامل، وحاولت تلبية متطلباتها باستخدام لغة الإشارة». وذلك من أجل إتقان دور الفتاة البكماء، في حين اضطر الممثل أحمد داوود إلى دخول المستشفى، بعد محاولته الوقوف مدة 14 ساعة على قدميه من دون جلوس لدقيقة واحدة، بهدف إرهاق جسده، حتى تبدو مشاهده حقيقية. تلك المحاولات، وفق التقارير المنشورة، عادت بالفائدة على مشاهد الفيلم، الذي سيتم خلال الفترة المقبلة عرضه في صالات السينما الأميركية أيضاً. من الأسئلة التى يجب طرحها عند مشاهدة « 122»: هل نجح كفيلم رعب، وهل علينا مقارنته بما نشاهده من أفلام رعب أمريكية، وهل علينا أن نقف مع التجربة برغم بعض النواقص؟. بالفعل نجح صناع فيلم» 122» فى تقديم تجربة مختلفة عن النمط السائد من السينما التجارية فى السوق المصرية والعربية، وهو ما يحسب لهم منذ مشهد ما قبل التترات، الذى بدأ بشكل سينمائى جيد من حيث الإيقاع، والموسيقي، وزاوية الكاميرا الضيقة والإضاءة المعتمة.. وفى هذه اللقطات السريعة نحن أمام واحد من أبطال الفيلم نصر الذى (يجسد دوره أحمد داود)، ويبدو عليه أنه مطارد، فى مكان مغلق، ومصاب ويحاول الفرار، وهى اللقطات التى نربطها بالأحداث بعد ذلك، حيث يبدأ الفيلم معه وهو فى طريقه إلى مكان عمله، بأحد محلات الأحذية، ونراه يتحدث فى الهاتف بلغة الإشارة إلى أمنية التى تجسدها أمينة خليل، «فهى صماء»، وتعمل فى أحد «الكوافيرات»، ومع اللقطات السريعة والمكثفة، والمونتاج الذكي، والموسيقى التصويرية المناسبة نتعرف إلى البطلين وعالميهما، وإصابتها بالصمم التى تمنع «نصر» من الارتباط بها،والوقوع فى حبها (وهذا بعد إنساني) يحسب لصناع الفيلم أيضا، دون مط أو تطويل. ونعرف من المشاهد المتتابعة أنهما يعانيان من متاعب مادية لإتمام الزواج، بعد أن قام بتزويج شقيقته الوحيدة، وأن أمنية حامل منه فهما «مكتوب كتابهما»، لكنه يطلب منها أن، تسمح له ـ لآخر مرة ـ بالعمل مع صديقه شيكو الذى تكرهه لأنه يحاول جره لتجارة المخدرات، ويعدها نصر بأن تلك هى المرة الأخيرة ليتمكنا فقط من الزواج، وتصر هى على أن ترافقه فى تلك الرحلة ويتعرضان لحادث على الطريق، ويتم نقلهما إلى المستشفي، ليدخلا فى مواجهة أسوأ كابوس فى حياتهما ( تلك المشاهد السريعة المتلاحقة لا تستغرق كثيرا على الشاشة، مصنوعة بحرفية وتحمل قدرا كبيرا من التشويق)، خصوصا أنها تمهد للحدث الرئيسي، الذى يدور فى ليلة واحدة، ومكان واحد، (بالطبع لن نستطيع كشف تفاصيل الحدث وأحداث السيناريو تفصيليا وما الذى يدور فى هذا المستشفى الذى يديره طبيب يجسده طارق لطفي، بحرفية شديدة، ودور مغاير عن سابق أدواره المثالية، فهو طبيب لا يعرف الرحمة أو الإنسانية ويعمل فى تجارة الأعضاء البشرية، وتتصاعد الأحداث ولن نكشف تفاصيلها حفاظا على حبكة الفيلم، و حتى لا يؤثر ذلك على مرتاديه). الفيلم إجمالًا يُمثل نقلة نوعية فى أفلام التشويق والإثارة فى السينما المصرية، ويُحسب لصنّاعه هذا التطور، إذ كانت المؤثرات البصرية والموسيقى التصويرية أحد أهم مميزات العمل وأداء الأبطال كان جيدًا للغاية؛ طارق لطفي، ودور مغاير كطبيب عن سابق أدواره المثالية، وكذلك أحمد داود الذى يقدم دورا يحمل الكثير من التحدي، ويضاف إلى أدواره المتميزة، وأمينة خليل التى أجادت إلى حد كبير دور الفتاة الصمّاء، ويبدو أنها، بذلت مجهودا لتخرج من جلباب الفتاة المثالية. وأيضا أحمد الفيشاوى فى دور الطبيب الذى يعمل مع طارق لطفى رغم أن عدد مشاهده قليلة، ومحمد لطفى فى دور الضابط. فيلم «122» تجربة مختلفة، تفتح بابا لسينما الرعب والإثارة مصنوعة بشكل جيد، وفى ظنى لا تجب مقارنتها بما تقدمه هوليوود، لأن المقارنة ستكون ظالمة، إلا أنه يحسب لصناع العمل محاولتهم عمل فيلم تجارى ينتمى إلى أفلام الرعب والإثارة بشكل جيد فى العناصر الفنية كلها. التصوير لأحمد كردوس، والمونتاج لعمرو عاكف، والديكور لأحمد فايز والموسيقى لسيف عريبي،. وبرغم بعض نقاط الضعف فى السيناريو وبناء الشخصيات ودوافعها، وبعض التفاصيل المتعلقة بإصابات الأبطال، فى الأحداث والصورة التى ظهروا عليها بعد ذلك، إلا أن مشهد العودة للمستشفى ثانية وظهور محمد ممدوح كانت ما بعد الذروة anti climatic. «122» أول فيلم مصرى بتقنية 4D ومن إخراج العراقى ياسر الياسري، الذى قدم تجربة متميزة، ويضم العديد من النجوم، ومن بينهم: طارق لطفي، وأحمد داوود، وأمينة خليل وأحمد الفيشاوي، إلى جانب محمد ممدوح ومحمد لطفي، وتارا عماد كضيوف شرف، وتأليف صلاح الجهيني.
مشاركة :