عبدالله السويجي لقد آن الأوان لتكون القضايا العربية، ومن بينها قضية فلسطين، في أيد عربية، وقد قال المثل: «ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك». ظاهرة غريبة أراقبها منذ زمن تكاد تكون مفهومة ولكنها في الوقت ذاته مثيرة للدهشة، تتلخص في أن العرب يختلفون فيما بينهم وداخل أوطانهم ثم يسافرون إلى عواصم العالم للتفاوض وإيجاد حلول لمشاكلهم. قد أفهم أنهم يذهبون إلى جنيف أو باريس أو نيويورك لوجود المنظمات الدولية هناك، ولكن لماذا لا يجتمعون في عاصمة عربية؟ ولاسيما وأن هناك عواصم محايدة في كل مشكلة. والسؤال الأكبر هو: لماذا لم تؤسس جامعة الدول العربية محكمة عربية لفض النزاعات بين الأشقاء وإصلاح ذات البين مع وجود ممثلين من المنظمات العالمية؟ سؤال متأخر بعض الشيء لكنه ليس مستحيلاً ولا مستهجناً. ما أثار الحديث عن هذه الظاهرة خبر قرأته منذ أيام ويقول: كشف السفير الفلسطيني لدى روسيا، عبد الحفيظ نوفل، عن حوار مرتقب بشأن المصالحة بين حركة فتح وحركة حماس، يجمع عدداً من الفصائل الفلسطينية بموسكو في 11 فبراير الجاري. وقال السفير أن معهد الاستشراق للدراسات، التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، وجه دعوات لعدد من الفصائل الفلسطينية للحوار في العاصمة الروسية، حول المصالحة. يذكر أن آخر اتفاق للمصالحة وقعته حماس وفتح كان بالقاهرة في 12 أكتوبر2017، لكنه لم يطبق بشكل كامل؛ بسبب نشوب خلافات كبيرة حول عدة قضايا، منها: تمكين الحكومة، وملف موظفي غزة الذين عينتهم حماس أثناء فترة حكمها للقطاع. وكانت عواصم عربية أخرى قد شهدت اجتماعات مصالحة بين حركتي فتح وحماس ومن بينها مكة لكنها لم تتم لأسباب لا يعلمها إلا الله. هذه المصالحة التي طال انتظارها وامتدت لسنوات، تعكس رعونة بين الطرفين إضافة إلى خلل في الانتماءات الإقليمية والوطنية، لكن المنطق البسيط يقول إنه طالما أن الطرفين يدعيان حرصهما على الشعب الفلسطيني وتحقيق طموحاته للوصول إلى دولته المستقلة، وطالما أن هناك هدفا وطنيا واحدا يسعيان إليه، فإن باقي المشاكل والبنود تصبح بسيطة ويمكن حلها، ولكن، وكما يبدو، فإن هناك ما هو أكبر من ذلك بكثير، وربما التدخلات الخارجية في الموضوع الفلسطيني هي التي تعوق حل هذا النزاع، لكن الأهم ألا تكون هذه المصالحة مرتبطة بحل مشاكل إقليمية أخرى كالمشاكل التي تنخر جسد هذه الأمة من المحيط إلى الخليج، وألا تكون مرتبطة بما يُسمى صفقة القرن. الفلسطينيون ليسوا الوحيدين الذين يسافرون إلى الخارج لحل مشكلاتهم، هناك الليبيون والسوريون واليمنيون وبدرجات متفاوتة، رغم أن المشكلة داخلية ولا تتطلب سوى اجتماع قلوب السياسيين واللاعبين في الصراع ليتم التوصل إلى حل لجميع القضايا الداخلية، هذا بشكل بسيط جدا، لكن السياسيين مرتهنون لأطراف خارجية كما هو الحال في الموضوع السوري، ولحله لا بد من اتفاق دول عظمى على توزيع المصالح والغنائم وتحقيق الإستراتيجيات الرامية إلى تعزيز نفوذ كل دولة أو حلف على حدة، ناهيك عن الدور «الإسرائيلي» الذي يقوم بمهام مشبوهة في المنطقة لإطالة الصراع وتفتيت سوريا والمنطقة العربية حتى يسود هو ويطيل بقاءه في فلسطين. لقد ذكرنا جامعة الدول العربية في بداية المقال، ولا بد من العودة إليها والمطالبة من جديد بإعادة هيكلة الجامعة، وربما تعديل نظامها الداخلي بحيث تتمكن من لعب دور فعال بعيداً عن الانحياز لطرف دون آخر، وبعيداً عن الخضوع لإملاءات دول عظمى أو غير عظمى، وأن تسعى إلى تفعيل مؤسساتها الكثيرة التي تشكو من البطالة المقنعة على صعيد التنفيذ، وأن تؤسس مؤسسات أخرى وفي مقدمتها مؤسسة مستقلة لحل النزاعات العربية، وتأسيس قوة حفظ سلام عربية لديها صلاحيات كبيرة لفرض وتطبيق قراراتها. ومن دون هذه المؤسسات سيبقى العرب يسافرون إلى الخارج لحل قضاياهم كما يسافرون للخارج للعلاج لمداواة أجسادهم، هذا السفر له مخاطره الجمة وأولها أن أي حل سيكون تحت وصاية غير عربية. لقد آن الأوان لتكون القضايا العربية، ومن بينها قضية فلسطين، في أيد عربية، وقد قال المثل: «ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك». suwaiji@emirates.net.ae
مشاركة :