يعاني الاتحاد الأوروبي من فجوة ضريبية نتيجة التهرّب الضريبي، الذي يُتوقع أن يصل إجماليه في أوروبا لوحدها إلى 825 مليار يورو (946.5 مليار دولار)، أي ما يعادل 5 أضعاف ما تخطط دول الاتحاد لإنفاقه في 2019 عبر وضع موازنة ترسو على 166 مليار يورو.وفي هذا الصدد، يقول خبراء وزارة المال في برلين إن ألمانيا وفرنسا وإيطاليا هي أكثر الدول الأوروبية التي تعاني من موجة التهرّب الضريبي، وتحتل إيطاليا المرتبة الأولى أوروبياً في هذا الملف الموجع، حيث تبلغ فاتورة التهرّب الضريبي فيها نحو 190 مليار يورو.وفي تقرير له، قال ريتشارد مورفي البروفسور في الاقتصاد السياسي الدولي بجامعة لندن، إن الفجوة الضريبية ناجمة عن الفارق عما يدفعه عادة المساهمون وأرباب العمل والتجار ورجال الأعمال من ضرائب تقريبية، وما ينبغي أن يدفعوه فعلاً. وقد تقلّصت الفجوة الضريبية في أوروبا مقارنة بعام 2009 بنحو 11.8 في المائة، لكن لا يزال أصحاب المال الأوروبيون قادرين على مراوغة أجهزة الضرائب في دولهم، ولا تزال كميات ضخمة من السيولة المالية قادرة على الهجرة إلى ما هو معروف بالجنّات الضريبية. وفي الوقت الحاضر لا تنجح مصلحة الضرائب، في أي دولة من دول المجموعة الأوروبية، وعددها 28، في جني أكثر من 70 في المائة من المستحقات الضريبية.ويتابع البروفسور مورفي القول: «لا شك أن ثقل كل ما يجري من تهرّب ضريبي يشكل عملاً غير شرعي يتغلغل في عروق الاقتصاد الأوروبي، وله تأثير مباشر على النمو الاقتصادي في منطقة اليورو. ولمعالجة بعض الفجوات في تحصيل الضرائب تعمد الحكومات الأوروبية على تسهيل الأمور على أرباب العمل عن طريق إعفاء بعضهم، وحتى بعض القطاعات الإنتاجية من الضرائب جزئياً. وبهذا تتراجع الإيرادات الضريبية بقرار وإرادة حكومية أوروبية. لكن المشكلة تبرز في جانب آخر في ملف التهرب الضريبي. إذ ينتج عن ذلك حالة من عدم المساواة بين أصحاب الشركات الكبيرة والغنية وذوي القدرات المالية المحدودة».فكما هو معروف تسعى حكومات الدول الأوروبية وحتى سويسرا إلى مساعدة أرباب العمل الذين يملكون شركات ومصانع ذات رؤوس المال المحدودة. ففي ألمانيا والدول الأوروبية المجاورة، مثلاً، يتراجع العبء الضريبي عن تلك الشركات التي توظف عمالاً جدداً. وفي كانتون تيسين السويسري لا تدفع الشركات الناشئة ضرائب حكومية في الأعوام الثلاثة الأولى.ويضيف، أن المواجهات الضريبية تدور اليوم بين الأغنياء ودولهم، حيث يعمد الأغنياء إلى تهريب ما لا يقل عن 40 في المائة من أموالهم إلى الخارج. وبهذا تطبّق الضرائب على 50 إلى 60 في المائة من أرباحهم السنوية كحد أقصى. وقد يتجاوز إجمالي التهرّب الضريبي لكل رجل من رجال الأعمال الأوروبيين مائة مليون يورو في كل عام.وحسب تحليل الخبيرة الألمانية في الشؤون الضريبية سوزان هوبر، فإن درجة التهرب الضريبي تختلف بين دولة أوروبية وأخرى. وتعتبر لوكسمبورغ الدولة التي تعاني من أخف الدرجات، لأنها تتمكن من جني نحو 92 في المائة من الضرائب المتوجب دفعها فعلاً. ويعود الفضل في ذلك إلى تحسين سياسة التحصيل الضريبي عن طريق القيام بمبادرات حكومية لعرض خصومات ضريبية طوعية ومغرية على الشركات. وتعد رومانيا بين أسوء الدول الأوروبية في ملف التحصيل الضريبي، إذ تنجح في تحصيل 65 في المائة من الضرائب المتوجب دفعها.وتختم: «يكلف التهرب الضريبي ألمانيا 125 مليار يورو سنوياً. وفي فرنسا يساوي إجمالي هذه التكلفة 118 مليار يورو. ولإحداث لفتة نوعية في ملف التهرب الضريبي ينبغي على الاتحاد الأوروبي اعتماد نموذج اقتصادي جديد يدعو إلى إحداث تغيير جذري في السياسات الأوروبية الداخلية والخارجية».
مشاركة :