اعترف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الاحد، بأن حكومة بلاده تقيم اتصالات سرية مع نظام بشار الأسد في سوريا، رغم الدعم المعلن من أنقرة لمسلحي المعارضة الساعين إلى الإطاحة برئيس النظام السوري. وفي حديث لقناة TRT التركية، قال أردوغان: إن «السياسة الخارجية مع سوريا مستمرة على مستوى منخفض»، مضيفًا أن «أجهزة المخابرات تعمل بصورة مختلفة عن القادة السياسيين». وتابع: «الزعماء قد لا يتواصلون مع بعضهم، لكن أجهزة المخابرات يمكنها التواصل حسب مصلحتها.. إذا كان لديك عدو فعليك الاحتفاظ بالعلاقات، فربما تحتاجها فيما بعد». ونقلت القناة التركية عن أردوغان قوله، إن سياسة بلاده تجاه الأزمة السورية قائمة على مبدأ الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وأضاف: «نحن لا نبحث عن البترول أو الدخل المادي من تحركنا في شمالي سوريا»، على حد قوله. وكانت مجلة "دير شبيجل" الألمانية، وصفت العلاقة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره السوري بشار الأسد، بأنها باتت ترتكز على أسس انتهازية بحتة. وأشارت المجلة -في تقرير لها ترجمته «عاجل»- إلى أن التواصل بين الرجلين اللذين يقودان نظامي حكم ديكتاتوريين قد مرت بثلاث مراحل أساسية: صداقة.. فعداء.. وأخيرًا تحالف انتهازي. ولفت تقرير «دير شبيجل» إلى أن أردوغان والأسد اعتادا تبادل الزيارات منذ بداية الألفية، حتى إن الاثنين قضيا عطلة معًا في منتجع بودروم التركي على شاطئ البحر في عام 2008؛ حيث جمعت بينهما في ذلك الوقت صداقة ودودة ربما كانت نادرة في السياسة الدولية آنذاك. وأوضح أن تلك العلاقة توازت مع ترسيخ المنفعة المتبادلة بين البلدين، حيث وقّعت الحكومتان اتفاقية للتجارة الحرة، وكان السوريون قادرين على السفر إلى تركيا من دون تأشيرة، وفي المقابل توسعت شركات رجال الأعمال الأتراك في سوريا. واستطرد التقرير أنه بالنسبة للأسد كان أردوغان بوابة آمنة إلى أوروبا، وطالما لعب الأخير دور منشئ الجسور بين الغرب والعالم العربي، غير أنه مع اندلاع الثورة ضد الأسد، لم يتبق كثير من تلك الصداقة، بحسب التقرير؛ إذ سرعان ما وصف أردوغان صديقه السابق (الأسد) بأنه «قاتل جماعي» و«إرهابي»، كما اتهم الأسد أردوغان بدعم المتطرفين في سوريا، بينما دفعت الحرب الأهلية السورية كلا البلدين مرارًا وتكرارًا إلى حافة المواجهة العسكرية في السنوات الأخيرة. ويشير التقرير إلى أن قواعد اللعبة قد تغيرت الآن على نحو مذهل، حتى إن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، قد صرح مؤخرًا بأن المرء يمكن أن يتخيل العمل مع الأسد. وتكشف المجلة الألمانية جذور الأزمة الحقيقية التي حوّلت صداقة أردوغان والأسد إلى عداء كبير. وتشير المجلة إلى أنه «عندما اندلعت الاحتجاجات الأولى المناهضة للنظام في سوريا في عام 2011، حثّ أردوغان الأسد على ضم الإخوان المسلمين إلى الحكومة».. غير أن ذلك كان مثل «سيناريو رعب للأسد.. فبادر صراحة برفض النصيحة من أنقرة، وبدلًا من ذلك أشعل حربًا ضد شعبه». ووفق تقرير المجلة؛ فقد اعتبر أردوغان أن رفض الأسد لنصيحته «إهانة شخصية له»، وعلى هذا النحو بدأت خدماته السرية لدعم المناوئين للنظام السوري، وكان من بين هؤلاء المتطرفون والمتشددون. ويلفت التقرير إلى أن الرئيس التركي أصرّ على تغيير الحكومة في دمشق، وعندما تدخّلت روسيا في الحرب عام 2015 ورجحت ميزان القوى لصالح الأسد، كان إصرار أردوغان لا يزال قائمًا وبقوة، مشددًا على أنه مع وجود رئيس «قتل ما يقرب من مليون مواطن من شعبه» لن يكون هناك سلام في سوريا. وبحسب التقرير، فقد تبدلت الأمور في الأشهر الأخيرة، بعد أن تغيرت أولويات أردوغان في السياسة سوريا، وأصبح أقل اهتمامًا بالتخلص من الأسد، في مقابل رغبته العارمة في منع إقامة منطقة حكم ذاتي كردية بقيادة وحدات حماية الشعب ذات الأغلبية الكردية في سوريا. ويمضي التقرير بالإشارة إلى أنه قبل عام مضى، اقتحم الجنود الأتراك مدينة عفرين السورية، التي كانت حتى ذلك الحين تحت حكم وحدات حماية الشعب، كما يود أردوغان أن يمدد العملية إلى الشمال الشرقي ليخلق ما يسمى بالمنطقة العازلة في المنطقة الحدودية، وقد فشلت عملية عسكرية أخرى من جانب تركيا بسبب مقاومة واشنطن التي تعتبر وحدات حماية الشعب شريكًا في القتال ضد داعش. ومع ذلك، ومع الإعلان المفاجئ من جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب قوات بلاده من سوريا، فإن مستقبل الأكراد هناك لم يعد بيد واشنطن، وإنما بات مرهونًا بتفاهمات دمشق وموسكو. ووفقًا للمجلة، فإن الأكراد طلبوا من النظام السوري منذ أسابيع حمايتهم من تركيا من أجل الحفاظ على بعض من حكمهم الذاتي، بل إن المقاتلين الأكراد لا يمانعون الآن في الانضمام إلى الجيش السوري. وأخيرًا تشير المجلة إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو الحليف الأبرز للأسد، طالب -خلال اجتماع له مع أردوغان يناير الماضي- بإحياء اتفاقية أضنة بين تركيا وسوريا، الموقعة في عام 1998، والتي تمنح تركيا حق «ملاحقة الإرهابيين» في الداخل السوري حتى عمق خمسة كيلومترات. وعليه، فإن الاتفاقية ستمنح الشرعية لضربة عسكرية محدودة من قبل تركيا ضد وحدات حماية الشعب في شمال سوريا، في المقابل، سيتعين على الحكومة التركية الاعتراف بالأسد حاكمًا شرعيًّا لسوريا، وعلى ما يبدو -وفقًا للصحيفة- فإن أردوغان مستعدّ أكثر فأكثر لاتخاذ هذه الخطوة.
مشاركة :