بالصلح تُستجلَب المودات وتُعَمر البيوت، ويبثُ الأمنُ في الجنبات، ومن ثَمَّ يتفرغُ الرجالُ للأعمالِ الصالحةِ، يتفرغون للبناءِ والإعمار بدلًا من إفناءِ الشهورِ والسنواتِ في المنازعاتِ، والكيدِ في الخصومات، وإراقة الدماءِ وتبديد الأموال، وإزعاج الأهلِ والسلطاتِ، وقد أمر الله تعالى بإصلاح ذات البين وجعله عنوانَ الإيمان، فقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1].جرت العادة في هذه الحياة الدنيا أن يكون بين الناس بعض المُشكلات والمنازعات ، والخصومات والخلافات التي تكون نتيجةً لاختلاف الآراء والأهواء، وتباين الرغبات والاتجاهات . ومن الطبيعي أن ينتج عن ذلك الخلاف وقوع الهجر، وحصول القطيعة، وانتشار العداوة والبغضاء، وتفريق الكلمة، وتشتيت الشمل، ونحو ذلك مما لا يُحبه الله ولا يرضاه، ولاسيما بين الإخوان والأقارب والجيران. إنه الصلح ، والإصلاح بين الناس.وما أحوجنا اليوم إلى هذه الخصلة الحميدة، وإلى هذا الخُلق العظيم ، في زمن كثُرت فيه الصراعات والنزاعات، والهجر والقطيعة، فلم يسلم منها الأقارب فيما بينهم، ولا الجار مع جاره، ولا الأصدقاء ولا الشركاء.ولا ريب أن الشقاق والخلاف من أخطر أسلحة الشيطان الفتاكة الَّتي يوغر بها صدور الخلق، لينفصلوا بعد اتحاد، ويتنافروا بعد اتفاق، ويتعَادوا بعد أُخوَّة، وقد اهتمَّ الإسلام بمسألة احتمال وقوع الخلاف بين المؤمنين وأخذها بعين الاعتبار؛ وذلك لأن المؤمنين بَشَر يخطئون ويصيبون، ويَعسُر أن تتَّفق آراؤهم أو تتوحَّد اتجاهاتهم دائمًا، والإسلام دين يَتشوّف إلى الصلح ويسعى له وينادي إليه ، وليس ثمة خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة يصلح فيها العبد بين اثنين ويقرب فيها بين قلبين، فبالإصلاح تكون الطمأنينة والهدوء والاستقرار والأمن وتتفجر ينابيع الألفة والمحبة.بطلا مقال اليوم : الحاج رمضان فريد محمد، والحاج صديق أبو شليتة السيد ..هذان الرجلان يبذلان جهدهما ووقتهما ومالهُما لإصلاح ذات البين؛ قلباهما من أحسن الناس قلوبًا؛ نفساهما تحب الخير ودائمًا ما يسعيان لنشر الخير بين الناس ويقعان في الكثير من الحرج لكنهما غير مهتمين بهذا.كم بيت كاد أن يُهدم بسبب خلاف سهل بين الزوج وزوجته وكاد أن يصل الأمر الي الطلاق فإذ بفضل الله وبفضل كلمة طيبة تخرج منهما ونصيحة غالية يُقدمَانِها يعيدان المياه الي مجاريها ويصلحان بينهما.كم بيت كاد ان يتهدّم بسبب زِلة أو هفوة وإذ بهما يرقعان خرق الفتنة ويصلحان بينهما.كم عصم الله بهذين الرجلين فتنا شيطانية كادت أن تشتعل ؛ فبكوب شاي ينهيان خلافات دامت لسنوات.هذان الرجلان لطالما عهدنا منهما كل خير لم يدخلا في نزاع الا وعِملا على نشر المودة والمحبة ، وحفظ الوحدة والألفة بين الناس، وزوال الأحقاد والضغائن من النفوس، فبهما تصفو القلوب من كل كراهية وبغضاء وتزول كل أسباب العداوة والخصومة والنزاع...ولكن في مقابل هذه النفوس الشحيحة، نجد هذين الرجلين ذوي المروءة ليبذلا ويغرما ، نعم يبذلان الوقت والجهد ، ويصرفان المال أحيانًا في سبيل تحقيق الألفة بين الناس ، وصل بهما الحد إلي أن تم إطلاق النار عليهما أثناء سعيهما للإصلاح في إحدى المشاجرات.لكنهما لم يتراجعا أو يستسلما بل إن هذا زادهما قوة وإصرارًا .. همهما الأول والأخير هو إصلاح ذات البين؛ حقًا لقد صدقا ما عاهدا الله عليه.جدير بالذكر أن الإصلاح بين النّاس موضوع له خطره وأثره، فالقائمُ بالإصلاح بين الناس يتعرضُ كثيرًا للاتهام من الطرفين، لأنه يمثلُ الحقيقة في وضوحها، ولا يمكن أن يحيد، وقد يحدث أن كلا الطرفين أو أحدهما لا يرضى بالحقيقة، فلا بد له من الصبر الواسع على هذا الأمر العظيم وهما والله أهل لذاك الصبر وسعة الصدر. فإصلاح ذات البين يُذهب وغر الصدور ويجمعُ الشملَ ويضمُّ الجماعة ويزيل الفرقة، والإصلاحُ بين الناس في دين الله مبعثُ الأمن والاستقرار، ومنبع الألفة والمحبة، ومصدر الهدوء والطمأنينة، إنه آية الاتحاد والتكاتف ، ودليل الأخوة وبرهان الإيمان.فالدِّينُ الإسلامي الحنيف أوجب على العقلاء من الناس أن يتوسطوا بين المتخاصمين ، ويقوموا بإصلاح ذات بينهم، ويلزموا المعتدي أن يقف عند حده، درءًا للمفاسد المترتبة على الخلاف والنزاع ، ومنعًا للفوضى والخصام، وأقوم الوسائل التي تصفو بها القلوب من أحقادها. نماذج مشرفة حُق لهم أن نُسطَر جهودِهِما آملين أن ينفع الله بهما وأن يَجعل جهدهما في ميزان حسناتِهما وأن يُكثر الله من أمثالِهما.وأخيرًا أنهي حديثي بـ: المكـارم كلها لو حصلت...... رجـعت جمـلتها إلى شـيئين تعظيم أمر الله جـل جـلاله...... والسعي في إصلاح ذات البيـن
مشاركة :