كرَّم الملتقى الثقافي المسرحي سليمان البسام، كأحد المبدعين أصحاب البصمة الواضحة في مسار الحركة الثقافية. كعادته السنوية، في فبراير من كل عام، كرَّم الملتقى الثقافي المسرحي أحد المبدعين ممن تركوا بصمة في مسار الحركة الثقافية بالكويت، حيث كرَّم أمس الأول سليمان البسام، كشخصية الموسم، بمشاركة الفنان جاسم النبهان، بشهادته الفنية، ود. ابتسام الحمادي بورقة بحثية، بحضور كوكبة من أهل الثقافة والفن والإعلام وأعضاء الملتقى. في البداية، قال الأديب م. طالب الرفاعي: "بعد وفاة الأديب إسماعيل فهد إسماعيل، وكنوع من الوفاء لهذا الرجل، حصل الاتفاق على أن هذا الموسم مخصص له، وفي بداية كل جلسة للملتقى يتم استذكار أحد أعماله الروائية أو القصصية أو المسرحية". وقدمت المؤلفة تغريد الداود ورقة عن مسرحية "النص" للراحل إسماعيل فهد، حيث أوردت: "من اختياره لمفردة (النص) كعنوان نلاحظ أن إسماعيل يريد أن ينطلق من أهمية النص في مسرحنا المحلي، ومن منطلق ما يتردد عن أزمة النص يوضح لنا أن مصادر كتابة النص المسرحي لا تعوق أي كاتب، فهي متوافرة، وكما تم في هذا النص، فإن المؤلف يستمد قضيته من عمود مقال في صفحة إحدى المجلات، لكن في الوقت ذاته يؤكد أهمية تحقيق التواصل الفعال بين النص والجمهور، من خلال العبارات التي جاءت على لسان الشخصيات أو المخرج، التي يستشف منها أن المسرح الذي يريده مختلف عن ذلك الذي يهدف إلى الإضحاك فقط". وأضافت: "نفتقر إلى الكاتب المحلي الذي يكتب بالفصحى المبسطة عن قضايانا ومشاكلنا، لذا وجدنا لغة النص سلسة بحوارات قصيرة و(رتم) سريع لا تقحم فيها المنولوجات المطوَّلة، وكان إسماعيل متمكنا من ضبط إيقاع العمل باعتماده هذا الأسلوب، وكذلك استغنى عن استعراضه، لثروته البلاغية بالمفردات، وكان إسماعيل متأثراً بالكاتب سعدالله ونوس بشكل مباشر، من خلال الإشارة باسمه وبعض أعماله، وأسلوبه في الكتابة، الذي يعتمد على كسر الإيهام ومخاطبة الجمهور كما يحدث في المسرح الملحمي، بهدف إشراك المتفرج في القضية والأحداث". وتابعت: "إن كان النص يتناول قضية مباشرة هي أزمة السكن وارتفاع الإيجارات، فإنه تطرَّق إلى قضايا أخرى غير مباشرة لاتزال تؤرق مجتمعنا إلى اليوم، وأعتقد أن الكاتب المتمكن يكون نصه بهذه الحيوية وتتوافر فيه العناصر، ليكون قادرا على عرضه لأكثر من مرة". مخرج عالمي واستهل الفنان جاسم النبهان شهادته الفنية حول المكرَّم سليمان البسام تحت عنوان "المخرج وإبداع الممثل" بقوله: "تعلمت من الرائد المسرحي زكي طليمات والمخرج أحمد عبدالحليم الكثير، وتعلمت من البسام أكثر من ذلك، خلال تجربة قصيرة. هذا المخرج العالمي وليس المحلي، هذا الإنسان الذي يحاكي كل شعوب المنطقة والأوروبية بالمفردة التي يحتاجها هذا المجتمع، قدَّم طروحات كثيرة في أعمال شكسبير وتناولها، وكان فيها مؤلفاً في الوقت نفسه، بمشاهد وحالات، ووظفها ووضعها بالحس الذي يريده، من خلال أعماله الكثيرة التي حقق فيها إنجازات وجوائز، ليس للكويت فقط، بل لبريطانيا أيضاً". وأضاف النبهان: "لقد جمع البسام توليفة إنسانية رائعة من كل العالم، ليقدم رؤيته الخاصة، لما يختلج بداخلنا عبر أعمال شكسبير، ونحن مؤمنون بفكره كمخرج ومؤلف، حيث يتعامل معنا كأحد أفراد الفرقة، وليس كمخرج يحاول قدر الإمكان إيصال الفكرة الموجودة بذهنه، وهذا قلما نجده في مخرجي اليوم". وتطرَّق النبهان إلى عرض "ريتشارد الثالث" على مسرح السوان الشهير بمقر فرقة شكسبير الملكية في بريطانيا، الذي امتلأ بالجمهور، مشيرا إلى صورة من المسرحية جلبها معه ستبقى إلى الأبد وعند أحفاده. الإرث الشكسبيري وقدَّمت د. ابتسام الحمادي ورقتها البحثية (توظيف الإرث الشكسبيري)، من خلال رسالة الدكتوراه التي حصلت عليها في جامعة القديس يوسف بعنوان "مفهوم الفضاء المفتوح للدراما الشكسبيرية من خلال تجربة سليمان البسام" بقولها: "البسام لديه نوعان من الاتجاهات في نصوص شكسبير، حيث استخدم إسقاطات سياسية كعرض لهموم وآلام المجتمع في الوطن العربي، وبشكل آنٍ يمكن أن تكون مشكلة وليدة اللحظة، مثل الانقلابات، مثال ذلك تعامله مع نص (ريتشارد الثالث)، بوجود الطاغية، بشكل حديث، ورمز له بعدة أزياء، وكذلك الشخصيات، فجاء العمل مليئا بالإسقاطات السياسية منذ القدم إلى وقتنا الحالي". وتابعت: "اشتغل على نص (الليلة الثانية عشرة)، بطريقة جميلة أوصل من خلالها هموم الفنان والكاتب والمؤلف، فعندما يكون هناك رقيب على الفنان، فإنه يحد من إبداعه، أما نص (دار الفلك)، فهو قائم على تبادل الأدوار، والبسام قدمه بطريقة كشف الكواليس، موضحا القمع الذي كان يعانيه الكاتب العربي والمبدع، وفي جانب السينوغرافيا خرج البسام من خشبة المسرح التقليدية إلى الفضاء المفتوح، فقدَّم في قلعة بالدنمارك وفي قلعة العين بالإمارات". الشكسبيريات العربية بدوره، وجَّه المحتفى به سليمان البسام شكره للملتقى ولشهادتَي النبهان والحمادي، حول مرحلة الشكسبيريات العربية، وقال: "أعتبرها مرحلة جميلة ورائعة امتدت ما بين عامي 2001 و2012. حاولت أن أواكب عبر هذه الثلاثية الشكسبيرية أحداثا صارمة وحقيقية في حياة المنطقة، وبحث مفاهيم علاقة العلاقة العالم العربي الإسلامي بالغرب، وما يمكن أن يكون وراء القناع الشكسبيري من عتاد ومواد، لسبر أعماق الحداثة والاستيلاء على منطقة في ذهن الإنسان تسمى منطقة المقدسة وهي الحرية، وإمكانية الخروج من سيطرة المفاهيم الدينية البالية والفكر السياسي المتكبر ومفاهيم أخرى تجعل من حياة شعوبنا سلسلة من الحروب والمجاعة والعنف، وهذه همومي في الثلاثية". ولفت إلى أنه توجه بعد الثلاثية إلى طريق آخر أصعب، لأنه يعتمد على التأليف المطلق في كثير من الأحيان، رغم أنه مدمن للنصوص العتيقة، لما تحمله من سمات الجمال والكمال، وصيرورة فعل مضى، مثل عمله على النص السومري "رثاء دمار مدينة أور".
مشاركة :