كلما رأيت حال البلاد التي استعمرتها فرنسا، أحمد الله أن بلادنا كانت من نصيب بريطانيا، فما دخل الفرنسيون بلداً إلا وفرنسوه بالعافية، وإذا كان البلد الذي يستعمره الفرنسيون معتدل المناخ وخصب الأراضي فقد كانوا يشجعون الفرنسيين على الاستقرار فيه ثم يعلنونه جزءًا من بلادهم كما فعلوا في الجزائر. وبالمقابل فإن البريطانيين لم يحاولوا في السودان طمس هوية المواطنين، أو محاربة اللغات المحلية بما فيها اللغة العربية، وبالطبع فقد كان للاستعمار البريطاني لبلادنا بعض الآثار السلبية المدمرة، منها خلق حساسيات قاتلة بين شمال البلاد وجنوبه، ومع هذا فإنني أعتقد أننا كنا أوفر الرعايا البريطانيين حظاً، حيث لم يفعل البريطانيون في بلانا 1% مما فعلوه في الهند، ولحسن حظ السودانيين فإن طقس بلادهم لم يكن يشجع حتى الإداريين الاستعماريين على تمديد إقامتهم فيه، وصحيح ان مناخ الهند يشبه المناخ السوداني في معظمه، ولكن موقعها الاستراتيجي جعلها مركز الإدارة البريطانية لمستعمرات شرق وجنوب شرق آسيا، بل ان شركة «الهند الشرقية/ إيست إنديا كمباني» كانت الأداة التي تسبق وصول الجنود البريطانيين الى الدول والمناطق التي فيها الزبدة. في الهند، كان البريطانيون يرغمون المواطنين على حملهم على أكتافهم وهم يجلسون على محفات، ولو حاول بريطاني مهما علا شأنه أن يطلب من سوداني أن يشيله على كتفيه، لما نزل منها حياً، ولكنني أعتقد أن أكبر خازوق صنعه الإنجليز في الهند هو لعبة الكريكيت، حيث يرمي شخص مصاب بلوثة عقلية كرة صلبة، باتجاه شخص يفوقه بلاهة، فيضربها بمضرب خشبي فيتبارى عدد من الرجال البلهاء لالتقاطها، والمباراة الواحدة من هذه اللعبة المنتشرة وبائياً في الهند والكاريبي، على الرغم من رتابتها القاتلة تستمر خمسة أيام وربما شهراً كاملاً، يتفرغ خلالها جمهور المشجعين إلى التأوه والوهوهة والصراخ، علماً بأن تشجيع لاعبي الكريكيت يتطلب التفرغ الكامل، ولو أرادت الصين احتلال الهند بأكملها لكان أفضل وقت لذلك هو خلال منافسات دولية في الكريكيت، ولو قالوا لوزير دفاع الهند أثناء مباراة في الكريكيت إن باكستان اجتاحت كشمير لصاح غاضباً: وهل هذا وقت كشمير يا غبي؟ كما لا يفوتني أن أتوجه بالشكر الجزيل لبريطانيا لعدم تفكيرها في تعليمنا نحن في السودان لعبة الرجبي، التي لا يمكن أن يشارك فيها إلا شخص من ذوي السوابق الإجرامية، ومجبول على الشر، لأن العنصر الأساسي في اللعبة، كما هو الحال مع الفوتبول الأمريكي، هو إلحاق أكبر قدر من الأذى بلاعبي الفريق الخصم، وتتطلب ممارستها أن يكون اللاعب ضخم الكراديس ومنتفخ الأوداج، وعرض كتفيه متر وربع المتر. خلال عملي في السفارة البريطانية في الخرطوم كان الدبلوماسيون السودانيون مبسوطين مني، لأنني لا أستخدم المصعد الكهربائي، بل أطلع وأنزل بالسلم أو الدرج، وكانوا يحسبون أن مرد ذلك هو أنني شخص نشيط ومحب للرياضة والحركة، في حين أنني كنت أتفادى المصعد خوفاً منه، ليس لأنني أعاني من كلوستروفوبيا وهو الخوف من الأماكن الضيقة والمغلقة، بل بسبب معاناتي من التكنوفوبيا، وهو الخوف من كل ما تدخل التكنولوجيا في تكوينه؛ المهم أن مستشار السفارة عرض عليّ أن أمارس معهم لعبة الجولف، وذهبت معه يوماً إلى الملعب: (وكان ذلك في عصر ما قبل انتشار التلفزيون، وحتى في وجود التلفزيون كانت «الرياضة» التي تعنى بها قنوات التلفزة هي فقط كرة القدم، وبالتالي لم أكن قد شاهدت لعبة جولف حقيقية، ما عدا شوية لقطات في أفلام سينمائية)، وبالتالي فوجئت برجل طويل عريض يحمل عصا أحد طرفيها محدودب، ويلقي نظرة على كرة صغيرة بائسة، ثم يتلفت في الجهات الأربع وكأنه يفكر في غزو الكونغو، ويضرب الكرة بعيداً، ثم يركب سيارته ليبحث عنها، وخلال نحو ساعتين يستخدم المضرب مرتين، ثم يزعم أنه «تريّض»... فقلت للمستشار إن أكل الفول بالشطة يعتبر من ألعاب القوى مقارنة بالجولف، ولكنني طلبت منه أن يبلغ الملكة اليزابيث شكرنا نحن السودانيين لأن قومها أعفونا من الكريكيت والرجبي والاسكواش والجولف.
مشاركة :