عندما تلتقي بمسنة خبرتها السنون وتلتقي برجل مسن عركته الأيام، ويدعوان لك بقولهما: «ربنا يبعد عنك شر المرض» لا تملك إلا أن تتمعن في قولهما، فشر المرض بكل تلاوينه وأسبابه ومسبباته ونتائجه يُعد وخيماً على المرء، والإنسان منا مُعرض لكل ما يسبب المرض، فهناك أمراض يمكن التعايش معها بل ربما مهادنتها بما يصف لك الطبيب من أدوية ومسكنات وهناك أمراض والعياذ بالله فتاكة لا تبقي ولا تذر، ولا تعرف المهادنة صحيح أن رتم الحياة وتعقيداتها ومشاكلها خلقت في عالم اليوم أمراضًا لم نعهدها أو ربما لم نعرف عنها، فضريبة العصر حتمت واستدعت تواجد تلك العلل الطارئة. والإنسان منا يبلغ من الضعف ما يمكن كثير من الأمراض من السيطرة على أجسادنا، والمرء منا حسب ما يصف الأطباء وينصحوننا أن نتجنب كذا وكذا أو نمارس الرياضة وقائمة تطول من النصائح والإرشادات وهذه أمور تمر على كل واحد منا، نسأل الله العفو والعافية والصحة الدائمة. ولكن ما يحزننا ويزعجنا أولئك الذين استوطنت في نفوسهم أحقاد وضغائن لا تقر لهم عين ولا يرتاح لهم ضمير إلا عندما يسيئون إليك ويحفرون في طريقك شتى أنواع الحفر، فإذا سلمت من الأولى، في اعتقادهم أنك ستقع في الأخرى. ولا يرتاحون لإنجاز ما حققته، ويغضبهم أنك تنال محبة الآخرين وصداقتهم، ويسؤهم استقرار الناس وأمانهم ودعتهم، فهم مهما تحدثت عنهم فهم مرضى لا شفاء لهم من هذا الداء المتمكن من نفوسهم، شعروا بذلك أم لم يشعروا أو يتناسون عنه وفي ذلك إساءة متعمدة لناس أبرياء هدفهم العيش الآمن، والدعة وتحمل تبعات الحياة، والبناء من أجل الوطن والمواطنين. عرف الأجداد والآباء هذه النماذج من البشر وكانوا يصفونهم بتكسير المياديف (الماجديف) ولكنهم بعزيمتهم وإصرارهم ونيتهم الصادقة والأمينة استطاعوا أن يحققوا الكثير مما عجز غيرهم عن تحقيقه. لقد تجلى سعيهم للتعاون على منغصات الحياة في أمور عملية وتجارب استفادوا منها وساروا على نهجها وطريقتها تروي قصص البحارة، وكان البحر كاتم أسرارهم أنهم عندما يصاب أحد النواخذة (قائد السفينة وربانها) بموسم فيه كساد بالنسبة له، يظل رأسه مرفوعًا فلا البحارة يشمتوا به ولا نظرائه يتشفوا بما وصل إليه، وإنما يبذلون الجهد لإنقاذه دون أن يشعروا بالمنة عليه، فلهم طرقهم التي تحفظ مكانته وماء وجهه تجاه الآخرين وتجاه من يعاونونه ويعملون على ظهر سفينته شعورًا منهم وإيمانًا بأنهم قد يتعرضون في يوم من الأيام لمثل هذه الحالات التي كانت تسمى عندهم «انكسار الغوص». ويذكر أن أحد تجار اللؤلؤ في خليجنا العربي كان في يوم من الأيام على ظهر سفينة الغوص، وكان في فترة راحة فجلس على سجادة وأخذ يعد حبات اللؤلؤ ويفرزها بحجمها ولونها تمهيدًا لوضع كل فئة في «لفة» مناسبة تمهيدًا لبيعها على تجار اللؤلؤ والطواشين، فحان موعد الصلاة فوضع حبات اللؤلؤ تحت السجادة أو في ثناياها لحين أداء فريضة الصلاة ومواصلة العد والفرز، وترك السجادة في مكانها وبحسن نية قام أحد البحارة اجتهادًا منه في أن تكون السجادة نظيفة أخذ ينشرها في البحر، وإذا حبات اللؤلؤ تجد طريقها إلى قاع البحر، فلما جاء الرجل وجد السجادة ولم يجد حبات اللؤلؤ ولفطنته وبعد نظره وذكائه علم بأن البحار وهو ينظف السجادة قذف بحبات اللؤلؤ في البحر فكتم غيظه وتماسك وعندما أوشك على الاقتراب من الهند، والهند وقتها كانت سوقًا نشطة لبيع اللؤلؤ ووسيطًا لإيصاله إلى أوروبا اجتمع مع زملائه تجار اللؤلؤ وقال لهم: «أشتريت منكم يا جماعة اللؤلؤ الذي عندكم بالثمن الذي تريدونه وسترجع لكم أموالكم بعد بيع اللؤلؤ في سوق مومبي بالهند»، ولثقتهم فيه وإيمانهم بصدقه ومكانته بينهم أخذ منهم كل ما عندهم من لؤلؤ ولما باعه في الهند سدد لهم المبالغ التي طلبوها، وبذلك حافظ على مكانته وسمعته، وكانت ثقته بالله عظيمة فهو سبحانه وتعالى الرزاق الكريم، وهذه القصة الواقعية رواها فيما بعد رجال كانوا يؤمنون بأن التعاون والتعاضد من شيم الرجال وبأنهم لا يرضون أن تزل قدم أحد من أصدقائهم وأهلهم، يحفظون مكانته بينهم ويحافظون على سمعته شعورًا منهم أنهم ربما يمرون بظروف مماثلة وبتعاونهم وتكاتفهم يستطيعون مواجهة الحياة بكل تعقيداتها وظروفها الضاغطة. كم نحن بحاجة الى أولئك الرجال والنساء المؤمنون برسالتهم في الحياة الحريصون على البذل والعطاء ورفعة شأن الناس وإنزالهم المنازل التي تليق بهم وتقديم العون والمساعدة والإيثار الذي يبنى ولا يهدم ويقوم المعوج ويُصْلح الشأن خدمة للأوطان التي نعيش فيها ومن أجلها، فما أعظم أولئك الرجال الذين وقفوا في مهب الريح من أجل نصرة الحق وإعلاء الكلمة والبناء والتعمير ورفع الروح المعنوية لدى المواطنين من أجل خير الوطن والمواطنين، وندعو الله جلت قدرته أن يبعد عنا شر المرض بأنواعه وأشكاله ومسبباته. وعلى الخير والمحبة نلتقي
مشاركة :