محمد بن راشد.. يصوغ منْ المعاني ذَهَبْها

  • 2/6/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

حين تحضر القصيدة لدى صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تحضر معها طقوسها، وتتفاخر أبياتها بلبوسها المزدان بصور الشاعر المختارة بعناية، وحين يكتب سموه قصيدةً في مدح الأعزاء على قلبه، خصوصاً بعد لقاءٍ أو زيارة، فإنّ القصيدة تخرج عن كونها تقريراً للزيارة إلى عروس موشّاة بالحسن والجمال، كيف لا، والأشعار تتزاحم في مداد قلم سموه، لتعبّر عن الودّ الكبير بين سموّه وصاحب السّمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعوديّة، فنكون ساعتئذٍ مع جوّ القصيدة الفخمة التي تضعنا بحجم هذا الود بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربيّة السعودية على الدّوام. يستهل صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد قصيدته بإخبارنا عن سعادته في تدفّق القصيدة، حيث طابت الأغاني وانطلقت الألحان لتعزف، وحيث القصيدة أشبه بالجميلة الحلوة التي تسحر الشاعر أهدابها، ولعمري إنّ في هذا الاستهلال ما يجعلنا نقول إنّنا نظلّ في إسار القصيدة مسحورين ببهائها ورونقها، وعظمة قائلها، الذي يصوغ من المعاني ذهباً، هذا إن تمكّن الشعراء أو اكتفوا بأن يصوغوا من الفضّة أوزاناً لقصيدة، وهنا، فإنّ المقارنة الذكيّة والقويّة في آن، تجعل من البون شاسعاً بين مقدرة صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد ومقدرة الشعراء الآخرين، الذين لن يصلوا إلى مستواه في الشعر: «إنْ صاغوْا الفضَّهْ هَلْ الشِّعْرْ باوزانْ/‏‏‏‏ فانا أصوغْ منْ المعاني ذَهَبْها»! إنّ مصنوعيّة القصيدة -إذا جاز لنا التعبير بلغة الصيارفة والعارفين بقيمة الذهب- هي قيمة عالية جداًّ وباهظة على كلّ مقلّد لهذا الذهب الأصيل من الشعر، كيف لا، وصاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد يضعنا بجوّ هذه الصياغة والتوليفة الذهبيّة، بقوله: «وازيّن المعنى ولا ابنيه بنيان/‏‏‏‏ وابلّغ الغاية لعالي سحبها»!.. فالشعر عنده ليس بناءً جافاً خالياً مما يلفت أو يستثير أو يدهش فيبهر، بل إنّ فيه الغاية التي لا غاية بعدها في جمال هذا الإدهاش ورونقه، فالمعنى يزدان بنَفَس الشاعر الإبداعيّ، كما أنّه يبلغ عالي السّحب، وتلك قيمة معياريّة وقمّة أيضاً، لا يبلغها شاعر قياساً إلى اعتداد سموه بقوّة قصيدته وجمالها وثقته بمكانتها الأثيرة لديه وفي أسماع الناس. البيت البليغ المذهل، هو في قول صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد: «وان كان قالوا الشعر من نفث شيطان/‏‏‏‏ فانا شياطين القصيد آغلبها/‏‏‏‏ حاشا وكلّا ما لها عندي آذان/‏‏‏‏ وتقراني أهل الكتب ما اقرا كتبها»!... وفي هذا بلاغة وعظمة مبررة، لدرجة أن الشياطين التي غالباً ما يتعلّق بها الشعراء ظنّاً منهم أنها تلهمهم القول البليغ المثالي، إنّما تقف عاجزةً مغلوبة على أمرها أمام سيّد القصيدة وشيخها في نسج سموه لأبياته، فإذا كانت الشياطين لا تستطيع الشعر وهي المشهورة عند العرب بعبقريّة البناء الشعريّ، فإننا واقفون أمام بناء عالٍ وفريد يحقق رقماً قياسيّاً في المقدرة الشعريّة، وهذا هو جمال المقارنة وبلاغة القول وفتنة السحر الشعري، ولنكمل مع صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد: «رزتْ الزَّمَنْ وادري تصاريفْ الازمانْ/‏‏‏‏ وآعرفْ دقَّاتْ القلوبْ وعِجَبْها»!.. إنّ شاعراً يروز الزمن، أي يمتحنه ويختبره لا شكّ أنّه شاعرٌ عظيم عارفٌ بخلجات النفوس ودقّات القلوب في سماع الشعر وتفضيله والتأثّر به، وما ذاك إلا مدخل جميل من الشاعر في بلوغ الهدف الرئيس من قصيدته، وهو أمر يُحترم عند سموه في فرادته وفرحته بقصيدته، إذ لا يلج الغرض الرئيس مباشرةً بل إنّه يوطّئ للمتلقي، مدللاً على عظمة قصيدته وأهمية من تقال فيه، أليس الممدوح غالياً وعزيزاً عند المادح؟!... نعم، وذلك ما تظهره هذه الجماليات التي لا مثيل لها في الفرادة والبيان والتحدّي والتوليف الإبداعي بين الأشياء واستعارة المدهش من المحسوسات نحو فكرة قويّة. ثمّ، تأتي مرحلة مهمّة، لفارس القصيدة والقلم والخيل، خيل المعنى، وخيل المضمار، خيل الفكرة، والخيل الصاهلة في ميدان الشّعر، ليجيء الهدف من كلّ هذا التشويق، فنكون أمام شخصيّة الممدوح الذي زاره صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد وطاب لسموّه المقام في دياره، هذا وإنّ التعبير عن المضيف بـ«حاكم الوقت» هو من أجود التعابير الشعريّة، فدعوته تظلّ دائماً محلّ اشتياق وترقّب، وذلك تعبير من صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد عن أهميّة مجالسة صاحب السّمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وأهمّية هذه الدعوة التي تجيء من ملك له في سماء العزّ سلطان، وهو الذي نهب القلوب بغالي واده!.. أليس هذا بقول شعريّ بليغ؟!.. بلى، فحين ينهب المضيف قلوب ضيوفه، فتلك علامة على كرمه وطيب المقام في رحابه، ولا شكّ أنّ المضيف الذي هو في القصيدة «شيخ الشيوخ» لا يستعصي عليه أمر أو حاجة، هو عزيز وغالٍ عند الضيف صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد، الذي ذهب ملبياً الزيارة، إذ يبدأ بتعداد مآثر المضيف: «سباق للقدره لخيل وفرسان/‏‏‏‏ وريس العلا فرصه لمن هو لعبها». إنّ الصورة التي يرسمها صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد لممدوحه هي صورة عالية وبليغة، وذات طقوس فيها الخيل تجري منسابةً دون أن يجبرها أحد على ذلك: «سباق قدره له لهايب ودخان/‏‏‏‏ في نفوس من ساس الخيول وركبها/‏‏‏‏ ولنا تبدى الفوز ظاهر بعنوان/‏‏‏‏ وما كل من راد المعالي كسبها/‏‏‏‏ إلا بصبر وعزم وإصرار وإيمان/‏‏‏‏ ونفوس تتحدى صعايب صعبها/‏‏‏‏ نلنا الشرف وآقدر بكل عرفان/‏‏‏‏ أخويه محمد وناس ندبها»! ويسير صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد في قصيدته ممتدحاً المملكة العربية السعوديّة، ذات الصّدارة، حيث «ديرة هل العوجا»، وهذه الأخوة والمحبّة والعرب الواحدة المتآلفة على الود والتناغم والانسجام والمنبت الطيّب الأصيل، ليخبرنا عن زيارة سموه لمدائن صالح في السعوديّة، معبراً عن فرحة سموه بهذا الصرح التراثي الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، فهي فرحة مؤمن وعاشق للتراث في آن: «وزرنا مداين صالح اللي بقرآن/‏‏‏‏ الله ذكر سبحانه أنه عطبها/‏‏‏‏ تاريخ حافل ما بحاجة لبرهان/‏‏‏‏ من الليالي عبرت عن عجبها/‏‏‏‏ الله يديم الود ويديم الإحسان/‏‏‏‏ وتحيا السعودية ويحيا شعبها»! إنّ هذه القصيدة هي خلجات شعريّة من فارس السيف والقلم وملهب ظهور الخيل، حائز قصب السباق بلا منازع، كما أنّها قصيدة طقسيّة تضعنا بقيمة ومكانة الشخصيّة الممدوحة، فما بين الإمارات والسعودية عهد محبّة ووفاء، عبّرت عنه هذه القصيدة البليغة العصماء. أما «تناغم» فعنوان جميل وموفّق لإحساس عالٍ وشعور نبيل ودفق شعري ظلّ يتجدد في القصيدة التي سارت معها قلوب القراء في هذا البناء المدهش. «تناغم» طـابـتْ لأغـاني وإبـتدىَ عـزفْ الألـحانْ وتـبـسِّـمَتْ حــلـوَهْ سـحـرنـي هـدَبـهـاَ إنْ صـاغـوْا الـفـضَّهْ هَـلْ الـشِّعْرْ بـأوزانْ فــانــا أصـــوغْ مـــنْ الـمـعـاني ذَهَـبْـهـا وآزيِّـــــنْ الــمـعـنـىَ ولا أبــنـيـهْ بــنـيـانْ وآبـــلِّـــغ الــغــايِــهْ لــعــالـي سِــحِـبْـهـا وإنْ كانْ قالوا الشِّعرْ منْ نَفثْ شيطانْ فـــأنــا شــيـاطـيـنْ الــقـصـيـدْ آغَــلِـبـهـا حـــاشــا وكـــــلاَّ مــالـهـا عــنــدي آذانْ وتـقـرانيْ أهــلْ الـكِـتْبْ مـا أقـرا كِـتِبْها رزتْ الــزِّمَـنْ وأدري تـصـاريـفْ الأزمـــانْ وآعـــــرفْ دقَّـــــاتْ الــقـلـوبْ وعِـجَـبْـهـا ولـلخيلْ عـندي شـوقْ يـجري بشريانْ الــلّ?ــهْ غــلاهـا فـــي ضـمـيـري وهَـبْـهـا وسـاعَـةْ دعـانا حـاكمْ الـوَقتْ سـلمانْ ودايـــــــمْ تـــرانـــا دعْـــوتِـــهْ نــرتـقِـبْـهـا دعـوَةْ مـلِكْ لـهْ في سما العزْ سلطانْ قـــلــوبــنــا بـــغـــالــي ودادِهْ نَــهَــبْــهــا شـيخْ الـشيوخْ الـلِّي شبيهِهْ فما كانْ مــاتـغـلِـبِـهْ حـــاجِــهْ إذا هـــــوُ رَغَــبْــهـا لـــهْ عـنـدنا مـقـدارْ عـالـي ولــه شــان وجــيــنـا نــلـبـي دعــوتــه وإنـحـسـبـها ســـبــاق لــلـقـدره لــخـيـل وفــرســان وريــس الـعـلا فـرصـه لـمـن هــو لـعبها وتـجـمـعـت لــخـيـار مــــن ذات لــعـنـان تـــجــري بــنـامـوس ولا حــــد ضــربـهـا ســبــاق قــــدره لـــه لـهـايـب ودخـــان فـي نـفوس من ساس الخيول وركبها ولــنــا تــبــدى الــفــوز ظــاهـر بـعـنـوان ومــاكــل مــــن راد الـمـعـالي كـسـبـها إلا بــصــبـر وعـــــزم وإصـــــرار وإيــمــان ونــفــوس تــتـحـدى صــعـايـب صـعـبـها نــلـنـا الــشــرف وآقـــدر بــكـل عــرفـان أخــــويـــه مــحــمــد ونــــــاس نــدبــهــا بـــــه الـسـعـوديـة لــهــا زاد حــسـبـان وفـــوق الــصـداره تـقـدمت فــي رتـبـها مـاقـصـروا فـــي شـــي ربـــع وإخـــوان وديــــرة هــــل الـعـوجـا أهـلـنـا عـربـهـا وزرنــــا مــدايــن صــالـح الــلـي بقرآن الله ذكـــــر ســبـحـانـه أنـــــه عــطـبـهـا تــاريــخ حــافــل مـــا بـحـاجـة لـبـرهـان مــــن الـلـيـالـي عــبـرت عـــن عـجـبـها الله يــديــم الــــود ويــديــم الإحــســان وتــحـيـا الـسـعـوديـة ويــحـيـا شـعـبـهـا

مشاركة :