مأزق داعش أول اختبار أمام الحكم الذاتي لمسلمي الفلبين

  • 2/6/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بعدما تم منح جنوب الفلبين أغلبية ساحقة لحكم ذاتي أوسع للمسلمين في إقليم بانغسامورو في استفتاء تاريخي، تبقى مسألة إحلال السلام جنوب البلاد من أهم التحديات التي تواجهها سلطات البلاد المتطلعة إلى أن يكون هذا الحكم الذاتي مصدرا لتأمين الحريات السياسية والاجتماعية وكذلك مفتاحا هاما لجلب الاستثمارات والنهوض بالمنطقة التي تعيش على وقع فقر مدقع دفع بالكثير من السكان إلى تبني فكر تنظيم الدولة الإسلامية ومنهم من اختار الانتماء إلى حركة مقاتلي الحرية في بانغسامورو الإسلامية أو جماعة أبوسياف المعروفة بالتفجيرات وضرب الأعناق والخطف والقرصنة. مانيلا- وافقت الأغلبية في جنوب الفلبين على إقامة حكم ذاتي أوسع للمسلمين في إقليم بانغسامورو، بحسب نتائج استفتاء يأمل كثر أن ترسي سلاما في جنوب البلاد الذي شهد معارك على مدى عقود بين الحكومة المركزية في مانيلا والمتمردين الإسلاميين أسفرت عن آلاف القتلى. وتصطدم عملية السلام الهشة -التي وقعتها جبهة تحرير مورو الإسلامية مع الحكومة المركزية والتي منح بمقتضاها الإقليم حكما أوسع في أولى خطواتها- بتحديات فرض السلم المجتمعي والأمن في المنطقة التي تنشط فيها ميليشيات إسلامية أخرى لم تكن طرفا في توقيع الاتفاق. وتأمل السلطات أن تتيح الإدارة الذاتية للمنطقة المزيد من السلطات والإرادة السياسية وزيادة الميزانية لمعالجة أوجه النقص وتوظيف أعداد أكبر في سلك الوظائف العامة وجذب المزيد من الاستثمارات لاسيما في الزراعة والتعدين. وتظهر البيانات الحكومية أن أكثر من نصف الأسر في الإقليم تعيش في فقر بالمقارنة مع المتوسط العام على مستوى البلاد البالغ 21.6 في المئة. وتقول جماعات حقوقية إن ما يتردد عن الإهمال والظلم ونقص التعليم وغياب الفرص يجعل المنطقة أرضا خصبة لتجنيد الناس لحساب المتشددين الذين استلهموا فكر تنظيم الدولة الإسلامية مثل حركة مقاتلي الحرية في بانغسامورو الإسلامية وجماعة أبوسياف المعروفة بالتفجيرات وضرب الأعناق والخطف والقرصنة. وستعين الحكومة المركزية سلطة بانغسامورو الانتقالية التي ستحكم حتى تجري انتخابات في عام 2022 لاختيار مجلس تشريعي يضم 80 مقعدا سيتولى تعيين رئيس للوزراء، فيما تتمتع جبهة تحرير مورو الإسلامية بتأييد واسع النطاق ومن المتوقع أن تلعب الدور الرئيسي في تلك العملية. وسيكون لإقليم بانغسامورو مجلسه التشريعي وسلطات تنفيذية ومالية غير أن الحكومة المركزية في مانيلا ستظل تسيطر على الدفاع والأمن والسياسة الخارجية والسياسة النقدية، فيما ستؤدي الموافقة إلى تسليم ما يقدر بنحو 40 ألف قطعة سلاح في أيدي ثوار الجبهة والمدنيين. والمأمول أن يعمل الحكم الذاتي على معالجة أسباب عدم الاستقرار رغم أنه ليس من المتوقع أن يكون دواء شافيا بعد سنوات من السعي للانفصال والتمرد من جانب الإسلاميين والماويين وغياب القانون والصراع بين العشائر. وتشير تفجيرات دامية استهدفت كنيسة ومسجدا غداة الإعلان عن منح الإقليم حكما أشمل أن العناصر المتشددة غير الموقعة على اتفاقية السلام ربما تحاول تخريب العملية السياسية. اقتتال الأصل والفرع جنوب الفلبين آخر آمال تنظيم الدولة الإسلامية لإنعاش خلاياه جنوب الفلبين آخر آمال تنظيم الدولة الإسلامية لإنعاش خلاياه تمثل جماعة أبوسياف أبرز مجموعة إسلامية متشددة في جنوب الفلبين حيث أعلنت رسميا عن انتمائها إلى تنظيم داعش عام 2015، بعد انشقاقها أوائل تسعينات القرن الماضي عن جبهة تحرير مورو. وبانخراطها في عملية السلام في الإقليم المضطرب تجد جبهة تحرير مورو نفسها شريكة لحكومة مانيلا في مواجهة جماعة أبوسياف حليفتها السابقة في عقود التمرد، ما يرجح دخول الخصمين في معارك طاحنة تضعف الطرفين وتذكي مشاعر العنف ذات المنطلقات الأيديولوجية. وعلى الرغم من أن الاقتتال بين فصيلين إسلاميين قد يقوي شوكة الحكومة التي يمكن أن تستفيد من حرب الاستنزاف وفقا لمصطلحات الفوضى الخلاقة، إلا أن نتائج ذلك ليست مضمونة على المدى القريب لاسيما مع ضعف إمكانيات الحكومة المركزية اللوجستية والمادية. وبقبول أهم فصيل إسلامي من حيث العدد والعدة -جبهة تحرير مورو- الانخراط في عملية سلام شاملة في البلاد بعد منح الإقليم الجنوبي صلاحيات حكم أوسع، تدخل الفلبين مرحلة معقدة أخرى في مواجهة مجموعات متشددة أقل هيكلة من جبهة التحرير لكنها أكثر قدرة على إحداث اختراق. ومع شح المعلومات عن عدد مقاتلي داعش في الفلبين، روّج التنظيم مؤخرا لمعلومات عن نشاطات الجماعات المسلحة التابعة له في الفلبين، وادعى أن قواته هناك تضم عشر كتائب، وأن مسلحيه قتلوا حوالي 300 جندي فلبيني منذ بداية 2015. وتشير تقارير إعلامية إلى أن المتشددين في الفلبين يعتمدون على الخطف والابتزاز للحصول على الفدية، في مؤشر يشي بأن تنظيم داعش عازم على التغلغل في جنوب الفلبين خاصة مع تمكنه من جمع معظم الكتائب المقاتلة تحت لوائه. ويستثمر تنظيم داعش جماعة أبوسياف في عملية تأهيل ودعم الجماعة بالمال والرجال، لتكون منصة أو رأس حربة له من أجل التمدد في منطقة جنوب شرق آسيا. الإرهاب يتجه شرقا قبل ظهور داعش في جنوب الفلبين، كان إقليم بانغسامورو مركزا للتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود قبل ظهور داعش في جنوب الفلبين، كان إقليم بانغسامورو مركزا للتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود لم يكن اختيار أقاليم جنوب الفلبين مركزا لعمليات تنظيم داعش والمقاتلين الموالين له في جنوب شرق آسيا اعتباطيا وإنما احتواء هذه المنطقة على مقومات ترعرع التشدد وتوفر بيئة حاضنة للتطرف دفعا التنظيم إلى الاندفاع بقوة هناك. ويمثل الفقر المدقع في هذه المناطق وغياب الأمن والتعدد الاثني إضافة إلى الحدود المتاخمة لدولة ماليزيا بيئة ملائمة لتحرك الجماعات الجهادية، ضمن دولتها المزعومة، التي تبحث عادة عن منافذ تسيطر عليها من أجل استقطاب المزيد من المقاتلين الأجانب. قبل ظهور داعش في جنوب الفلبين، كان إقليم بانغسامورو مركزا للتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود في منطقة جنوب شرق آسيا، بالنظر إلى موقعها الاستراتيجي، إذ تقع الجزيرة على طول الحدود البحرية بين الفلبين وإندونيسيا وماليزيا، مما جعلها الوجهة المفضلة للجهاديين الإندونيسيين والماليزيين الهاربين من قوات الأمن، الذين ضاق عليهم الخناق في بلدانهم. ويعتبر الوجود الداعشي تطوراً طبيعياً لبيئة مواتية نبتت فيها بذور الإرهاب قبل عقود خلت، لاعتبارات سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة، اختلط فيها القومي بالديني، والأيديولوجي بالعقدي، حيث لا ينمو داعش إلا داخل بيئات تمزقها الخلافات العرقية والدينية، ما يسمح باستغلال الظروف الأمنية المتردية والمتعلقة بانتشار الميليشيات في البيئات المنقسمة على ذاتها. وأعلنت الجماعات المتشددة المنتشرة في جنوب شرق آسيا دولتها المزعومة التي تتكون من سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا والفلبين وجنوب تايلاند وميانمار، ما يكشف قصور المقاربات الأمنية لهذه الدول في محاصرة انتشار المجموعات المتشددة البطيء والمقلق في نفس الوقت. ويؤكد ضباط بالجيش في إقليم لاناو دل سور، الجنوبي الفقير، أن زعيم أبوسياف عبدالنجيب وكنيته أبودار يستخدم ما نهب من أقبية البنوك والمتاجر والمنازل لاستمالة صبية وشبان ومرتزقة من أصحاب الخبرات تحت إغراء المال. ويقول خبراء أمنيون إن عبدالنجيب قد يصبح بالأموال المنهوبة وأتباعه المخلصين “الأمير” الجديد للتنظيم في جنوب شرق آسيا بعد مقتل اسنيلون هابيلون في معركة ماراوي. ويضيفون أنه مقاتل متمرس ورجل دين درس في الشرق الأوسط ويقال إنه تدرب مع متشددين في أفغانستان وشارك في تأسيس جماعة خلافة مينداناو عام 2012 والتي شنت سلسلة من التفجيرات في مينداناو. ولعبدالنجيب صلات بتنظيم القاعدة مما أكسبه لقب “الزرقاوي الفلبيني” في إشارة إلى أبومصعب الزرقاوي زعيم التنظيم السابق في العراق، الذي بايعه في العام 2014. وقال روميل بانلاوي الخبير الأمني في مانيلا إن عبدالنجيب تعاون تعاونا وثيقا مع محمود أحمد المتشدد الماليزي الذي يعتقد أنه قتل في ماراوي وكان همزة الوصل بين المقاتلين الفلبينيين وقيادة داعش في سوريا والعراق. تجنيد الروهينغا المتشددون في الفلبين يعتمدون على الخطف والابتزاز للحصول على الفدية المتشددون في الفلبين يعتمدون على الخطف والابتزاز للحصول على الفدية صنفت منظمة الأمم المتحدة ما يحدث في دولة بورما من اضطهاد لأقلية الروهينغا المسلمة ضمن خانة الإبادة الجماعية. وباءت تقريبا جل محاولات التدخل الدولي لإيقاف موجة التهجير القسري للمسلمين من بورما بالفشل أمام تواصل فرار المسلمين نحو دولة بنغلاديش المجاورة. ومنذ العام الماضي، أدت أعمال العنف في إقليم أراكان في بورما إلى لجوء أكثر من 600 ألف من الروهينغا إلى بنغلاديش، وفق بيانات صادرة عن الأمم المتحدة، وهو بمثابة الطبق الدسم لتجنيدهم في صفوف داعش بغية الانتقام والذود عن حماهم. تباينت ردود أفعال الدول الإسلامية، فيما يخص أزمة الروهينغا، ففي حين أظهرت الدول الآسيوية المجاورة والقريبة من بورما تعاطفاً واهتماماً ملحوظين، فإن الأنظمة العربية تعاملت مع الموقف بدبلوماسية وتحفظ يقتربان من اللامبالاة، ما جعل الأنظمة الراديكالية الاسلامية تستفيد كثيراً مما يحدث في المنطقة، وسط توقعات بتزايد النزعة إلى الإرهاب والعنف في المستقبل القريب. وحاول تنظيم داعش استغلال الأزمة لتجنيد شبان من الروهينغا لتنفيذ هجمات في بورما، لكن محاولاته باءت بالفشل تقريبا إذ لم يتمكن التنظيم من تجنيد أعداد كبيرة من المقاتلين الروهينغا لأسباب قد تكون لوجستية أو تمويلية بالأساس. وتؤكد تقارير بحثية أن ميليشيات في ماليزيا تسعى لتوظيف أزمة الروهينغا وتدرب شباناً منهم لإرسالهم للقتال ضمن صفوف داعش في الفلبين. ما يمكن ملاحظته في هذا السياق هو أن تنظيم داعش له انتشار وأجهزة تحسس عالمية للأزمات تمكنه من تحديد بؤر التوتر وتحويل الصراعات إلى حسابه، حيث أن جماعة أبوسياف كانت في البداية حركة تململ ضد سياسة التهميش في البلاد، سرعان ما تحولت في ما بعد إلى حرب دينية كما أرادت تصويرها نظرا إلى ما يتضمنه الدين من قوة شحن وتجميع حول التحرك المسلح. ولبّى مقاتلون أجانب، كان عددهم دون المأمول، دعوات النفير التي أطلقها تنظيم داعش لـ”مناصرة إخوانهم” في بورما وهي تلبية لا يمكن الاستهانة بها في ظل سياقات حشد الأنصار والمتعاطفين رويدا رويدا وكسب تعاطف أكبر لـ”الحرب المقدسة”. مستقل داعش في جنوب شرق آسيا الفقر يوفّر بيئة خصبة لتحرّك الجماعات المتطرفة الفقر يوفّر بيئة خصبة لتحرّك الجماعات المتطرفة على الرغم من المقاربة الأمنية المتطورة والقاسية في معالجة الظاهرة الإرهابية حديثة العهد في جنوب شرق آسيا مقارنة ببقية مناطق العالم، إلا أنها تظل قاصرة عن اجتثاث منابع الإرهاب ومحاصرة المتشددين. وبتوفر مناطق شاسعة خارجة عن سيطرة النظم المركزية لأسباب إثنية أو أيديولوجية وفشل محاولات إدماج الأقليات العرقية المهمشة لوقت طويل، تبقى التنمية في هذه المناطق وتوفير الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم للمختلفين إثنيا عن أغلبية السكان من أهم مقومات القضاء على التشدد وتجفيف منابعه التي تزداد إغراءً كلما تنامت الأزمات وتفاقم الاضطهاد الاقتصادي والاجتماعي. ما زالت العلاقة بين الجماعات المتشددة في الفلبين وتنظيم داعش في طور الولاء الدعائي أكثر من كونه ولاءً تنظيميا استراتيجيا، إضافة إلى الدافعية للقتال والتي تختلط فيها الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وبناءً على ما توصلت إليه مراكز دراسات عديدة، فإن الجماعات الفلبينية المتطرفة لا تحتاج في الوقت الحالي على الأقل إلى دعم داعش لها، بقدر ما توظفه كفزاعة لإكساب تموضعها المحلي بُعدا إقليميا ودوليا، لكن تنظيم داعش هو الذي يحتاج إلى التموضع الاستراتيجي في الحاضنة الفلبينية البعيدة نوعا ما عن حاضنته الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط.

مشاركة :