ضيقت المقاطعة الخليجية الخناق على نشاط الشركات القطرية في السوق المصرية وأجبرتها على البحث عن أبواب للانسحاب وإيقاف نزيف الخسائر المتفاقمة في ظل عدم ظهور بوادر انفراج للأزمة السياسية المستمرة منذ يونيو 2017. القاهرة – دخل عدد من الاستثمارات القطرية في موجة تخارج ثانية من السوق المصرية، بعد أن فشلت المحاولة الأولى لشركة الديار القطرية، والتي تعد أكبر استثمار للدوحة في مصر. ووقعت مجموعة القلعة المصرية، التي يمتلكها رجل الأعمال أحمد هيكل، نجل الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل، مذكرة تفاهم أخيرا مع شركة قطر للبترول لشراء حصتها في الشركة المصرية للتكرير التابعة لمجموعة القلعة. وتصل استثمارات الشركة المصرية إلى نحو 1.1 مليار دولار، تتوزع على نحو 270 مليون دولار للهيئة المصرية العامة للبترول بنسبة 23.8 بالمئة، وشركة قطر للبترول بنحو 362 مليون دولار بنسبة 27.9 بالمئة، ومجموعة القلعة التي ضخت استثمارات بقيمة 250 مليون دولار بنسبة 18.8 بالمئة. وتشمل الاستثمارات كذلك تمويلات ضختها مجموعة من المستثمرين الخليجيين والمصريين ومؤسسات التمويل التنموية حول العالم. وتعد الصفقة ذات طبيعة خاصة، لأن شركة قطر للبترول مملوكة للحكومة القطرية، ما يضفي عليها صبغة سياسية، وتصعيدا من جانب الدوحة. وامتد التصعيد إلى استثمارات القطاع الخاص القطري في مصر أيضا، وأعلنت المجموعة البافارية، وهي الوكيل الوحيد للعلامتين التجاريتين بي.أم.دبليو وميني كوبر في مصر عن قرار الشريك القطري في المجموعة ببيع حصته. حسين شكري: مقاطعة الدول العربية الأربع فاقمت مشاكل استثمارات قطر العامة والخاصة حسين شكري: مقاطعة الدول العربية الأربع فاقمت مشاكل استثمارات قطر العامة والخاصة ويقوم مكتب معتوق والحناوي وشركة أرقام بإعادة تقييم أصول وممتلكات المجموعة، وتحديد قيمة صفقة تخارج المستثمر القطري، التي يتنافس عليها رجال أعمال من مصر ومنطقة الخليج. وتصدرت قطر المركز الثالث عربيا بعد الإمارات والسعودية في قائمة الدول المستثمرة في مصر خلال العام المالي الماضي، بتدفقات استثمارية بلغت نحو 166 مليون دولار، من إجمالي التدفقات العربية البالغة حوالي 1.9 مليار دولار. وعززت من زيادة تدفقات الاستثمارات القطرية محاولات الانتهاء من مشروع أبراج شركة الديار للاستثمار العقاري القطرية على نيل القاهرة، المعروف باسم سانت ريجيس في منطقة بولاق أبوالعلا بجوار مركز التجارة العالمي والبنك الأهلي المصري والقريب من أبراج ساويرس، والتي تعد من أعلى الأبراج على النيل. وقبل أشهر، نافس الملياردير المصري نجيب ساويرس على شراء حصص الديار بالبلاد، إلا أن الصفقة تعثرت رغم دخولها في مفاوضات متقدمة، بسبب قيمة مخالفات مشاريع الديار القطرية بمصر والتي وصلت إلى نحو 740 مليون دولار، مما فاقم من أوضاع الشركة وأدى إلى تعثرها. ويختزل تعثر مشروعات شركة الديار أزمة استثمارات الدوحة في الخارج والتي بات مستقبلها يكتنفه الغموض نتيجة سياساتها والتي أرهقتها مقاطعة جيرانها، ما أدى إلى ارتباك خططها الاقتصادية وتراجع قدرتها على المنافسة في الساحة الدولية. وعلق حسين شكري رئيس مجموعة أتش.سي القابضة للاستشارات المالية على صفقات التخارج بالقول إن صفقة “القلعة – قطر للبترول” ذات طبيعة سياسية، وردا على استمرار مقاطعة الرباعي العربي مصر والسعودية والإمارات والبحرين لقطر. وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن صفة المجموعة البافارية تؤكد أن تداعيات الوضع السياسي انعكس على الاستثمارات الخاصة، الأمر الذي دفع المستثمرين القطريين إلى التخارج في ظل عدم وضوح الرؤية خلال الفترة المقبلة. وتشير البيانات الرسمية إلى أن قطر تأتي في المرتبة التاسعة في قائمة الاستثمارات الأجنبية في مصر بفضل أموال يبلغ حجمها نحو 1.1 مليار دولار من خلال 210 شركات. ويرى محمد رضا، عضو الجمعية المصرية للاستثمار المباشر، أن تخارج الاستثمارات القطرية “منطقي في ظل توتر العلاقات السياسية بين البلدين”. وقال لـ”العرب” إن “هناك فرصا كبيرة أمام المستثمرين لاقتناص حصص الاستثمارات القطرية في الشركات العاملة في مصر، فهذه الصفقات تباع تحت ضغوط السياسة، وبالتالي سعرها سوف يكون مغريا، مقارنة بالشراء في الظروف الطبيعية”. وأشار إلى أن قطاع النفط والغاز عازم على عقد مزيد من الصفقات في مصر، تزامنا مع الاكتشافات الجديدة التي أعلنت عنها القاهرة. وحذر رضا في الوقت نفسه من استمرار تذبذب سعر الدولار في السوق المصرية، لأنه قد يؤثر سلبا على عقد الصفقات خلال الفترة الراهنة، لاسيما مع ارتفاع قيمة الدولار في الخارج والذي قد يؤدي إلى صعوده في مصر قريبا. وما يزيد من أهمية هذا القطاع الصفقات التي وقعتها الحكومة المصرية مع شركات عالمية مثل بريتش بتروليوم، والتي بلغت قيمتها 12 مليار دولار في غرب دلتا النيل، فضلا عن استثمارات شركة إيني الإيطالية. محمد رضا: فرص أمام رجال الأعمال المصريين للاستحواذ على الاستثمارات القطرية محمد رضا: فرص أمام رجال الأعمال المصريين للاستحواذ على الاستثمارات القطرية ويقول اقتصاديون إن تلك الصفقات ستعزز من دخول مستثمرين أجانب جدد إلى السوق المحلية خلال الفترة المقبلة في قطاع الغاز ومشتقاته مثل البتروكيمياويات. وقال هيثم الرفاعي، محلل في قطاع النفط، إن تخارج الاستثمارات القطرية من مصر في قطاع الغاز والنفط، يأتي في إطار البحث عن فرص استثمارية بديلة في أسواق أخرى أو في قطر نفسها، بعيدا عن الخلافات السياسية. وأوضح لـ”العرب” أن شركة القلعة، هي المؤسس للشركة المصرية للتكرير، وبالتالي من المنطقي أن ترفع حصتها إلى 46.7 بالمئة بعد شراء حصة قطر للبترول البالغة نحو 27.9 بالمئة، ومن ثم تعد تلك الصفقة فرصة استثمارية كبيرة. ورصدت مجموعة القلعة حزمة تمويلية تصل إلى حوالي نصف مليار دولار لتوسيع استثماراتها خلال الثلاث سنوات المقبلة. وتعد الاستثمارات القطرية في قطاع المصارف الأكثر استقرارا في مصر، لأن قوانين التشريعات المصرفية تحكم عمل البنوك المحلية والأجنبية، كما أن الحكومة في حاجة إلى قطاع البنوك لتمويل أذون وسندات الخزانة لتغطية حاجتها للسيولة المحلية. وتعاني الموازنة العامة لمصر من عجز بقيمة 24.5 مليار دولار، وتقوم الحكومة بتغطيته من خلال البنوك المحلية، بما فيها بنك قطر الوطني الأهلي، والذي يمول أيضا مشروعات صناعية بالتعاون مع الهيئة العامة للتنمية الصناعية في مصر.ويؤكد الخبير في قطاع الطاقة رمضان أبوالعلا أن تخارج الاستثمارات القطرية من مصر قرار سياسي، فقطاع البتروكيمياويات يحقق أرباحا طائلة، وليس منطقيا أن تبيع أي شركة حصتها في البلاد حاليا مع الاكتشافات الجديدة التي تشهدها في حقول الغاز. ويقول لـ”العرب” إن التوقعات تشير إلى مزيد من الصفقات بقطاع الغاز المصري خلال الفترة المقبلة، ما يجعل مجالات التنقيب والبحث والتكرير والبتروكيمياويات من أكثر القطاعات الواعدة، وتسعى الشركات للتواجد في تلك السوق لجني ثمار هذا النشاط، بدلا من الخروج منها.
مشاركة :