وجد قياديو الجماعة بعد التصفية الناصرية لتنظيمهم في السعودية مجتمعاً نظيفاً خالياً من الأحزاب مغموراً بالمشاعر الدينية مرحباً بمن يشاركه هذه المشاعر الفياضة؛ فاستغلوا تلك الروح الدينية الفطرية وعملوا على تصعيدها وتأجيجها وإعادة صياغتها لتكون بعد جيل أو جيلين بناءً حزبياً قادراً على تحقيق خطط وتطلعات الجماعة البعيدة التي فشلت في تحقيقها بمنشئها مصر. لم يجدوا من يقف في طريقهم سوى جماعتين تعملان بطريقة أقرب إلى العفوية؛ الأولى السلفيون، وأولئك ليس لهم تطلع سياسي قدر ما يحمله كثيرون منهم من تحفظات قلقة وارتياب مزمن من الجديد الذي لا يلبث طويلاً إلا ويتلاشى ويذوب مع أي مستحدث يرونه أمراً واقعاً لا مفر من قبوله، ولأن المفهوم السلفي هو المهيمن على المجتمع فكان على الإخوان مجاملته والعمل تحت عباءته والحذر من التقاطع معه؛ لئلا يحدث صدام فيخسروا البيئة المثلى البديلة لمصر، بل سعى مفكرون منهم إلى إحداث حالة دمج وتبادل أدوار بين الفكر السلفي والإخواني فلا يكون للشك محل في الجماعة؛ باعتبارها غير بعيدة عن منهج السلف في خطابها العام، ولعل أوضح صورة لذلك الدمج ما ظهر به السروريون أتباع محمد سرور زين العابدين الذي أنشأ جيلاً مراوغاً متذاكياً كسب بعض القبول من الأرضية السلفية واشتغل حركياً في الخفاء بتنظير الإخوان. أما جماعة «التبليغ» فلم يأبهوا بها؛ لدروشتها الظاهرة وعزلتها وغباء تنظيمها وغرابة فكرها الهندي البعيد عن روح المجتمع السعودي، فكانت أشبه ما تكون بمخزن التجميع الأولي الذي يوزع لاحقاً أفراده بعد فترة مريرة من التجريب أو الملل أو اليأس؛ إما على «السلفية الجهادية» كما هي جماعة جهيمان الإرهابية، أو على جماعة الإخوان الأكثر ذكاء ودهاء ووعياً وقدرة على التلون البراجماتي للوصول إلى الأهداف المبتغاة بأسلوب الخديعة والتمثيل وإن طال الزمن. اشتغلت الجماعة في حرث التربة السعودية البكر أواخر الثمانينيات الهجرية من القرن الماضي بما اكتسبته من تجربة العمل السياسي بمنشئها، ورسمت منهج عملها الذي كان قائماً على التغيير من القاعدة وصولاً إلى القمة، وذلك استغرق جيلين تقريباً، أما الثالث فبدأ يظهر عضلاته على المجتمع والدولة؛ فكان أول إعلان لقوة التيار الإخواني الذي سمي نفسه قصداً بـ «الصحوي» لإبعاد توجيه الأنظار إليه على أنه حزب سياسي وقوفه معارضاً موقف الدولة من استقدام قوات أجنبية لتقف مع القوات السعودية والخليجية والعربية في عملية تحرير الكويت من الاعتداء العراقي الآثم الذي وقع في 2 أغسطس1990م. ثم كان الموقف الثاني في الفترة نفسها إبان الحرب من قيادة النساء للسيارات؛ إذ اتخذ الشق السروري منها فرصة لإسماع صوته بقوة وضجيج مفتعل؛ كإعلان وجود رافض، وواصل فراخ الجماعة تهييج المجتمع بخطب الكاسيت ونشرات الفاكس والتجمعات الفوضوية، وهو ما حتم على الدولة ضرورة اتخاذ موقف حازم من إفرازات لجوء جماعة الإخوان بعد خيانتهم العهد وعدم احترامهم كرم الضيافة.. يتبع نقلا عن “الجزيرة”
مشاركة :