اتسمت العلاقات السعودية الإماراتية الأخوية القوية بوضوح الرؤى والثبات أمام التحديات على مر العصور، والتي تعد واسطة العقد في مجلس التعاون الخليجي، بما تمثله من ثقل سياسي وديني كبير، استطاع أن يجمع حوله ملايين المسلمين والعرب، والحديث عن العلاقات بين المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الاخرى، بما تحتويه هذه العلاقة من ألوان الحياة ودفئها على اختلافها، والتي تنصهر في النهاية في لون واحد هو المحبة والمسؤولية معا، هذه الحالة الصحية هي في الواقع حال العلاقات بين المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة الشقيقة، التي تتشاطر معها الكثير من الهموم والامال، في بيت الاسرة الخليجية الواحد، لا سيما وان دولة الامارات العربية المتحدة الفتية المتطورة، ارتبطت منذ قيامها بعلاقات اخوية مع المملكة، وطدتها اتفاقيات هامة كثيرة وكبيرة، ذات طابع اقتصادي وجغرافي وحدودي مميز فضلاً عن العلاقة الاجتماعية التي تربط الشعبين وتنسجم مع تداخلات العوائل والأسر والقبائل، حيث ان هناك تطابقا في مواقف البلدين المتسقة تجاه ما تتعرض له المنطقة العربية من أخطار كبيرة تفرضها التطورات الدراماتيكية في المنطقة والعالم، ويأتي في مقدمتها كما هو معروف خطر التطرف والإرهاب والعنف والمخاطر التي تسود المنطقة الآن وتقلق دول الخليج، لذلك كان لا بد من تعاونهما معا من أجل بناء استراتيجية لمواجهة تلك الاخطار وذلك من منطلق وعيهما بالمسؤولية التاريخية الملقاة عليهما وما تنتظره منهما الشعوب العربية من دور فاعل في التصدي لما يعترض المنطقة من تهديدات تستهدف أمنها واستقرارها ووحدة دولها وتعايش شعوبها. ويمكن وصف العلاقات بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بأنها استراتيجية بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، حيث يبدو جليا تناغم وانسجام وتوافق الرؤى تجاه القضايا الإقليمية والدولية والوعي بخطورة التهديدات والتحديات المصيرية المحيطة بالمنطقة، والتي من شأنها ان تدفع بدولها الى التماس انجح واقوى السبل للتعاون والتكامل فيما بينها، من اجل تشكيل سد منيع يستطيع الوقوف امام التيارات الجارفة التي تتهدد المنطقة على اكثر من صعيد وأكثر من طرف في هذه المرحلة الحرجة والتحديات والأطماع التي بدت تنهش في أطراف المنطقة وهناك أطماع توسعية لا تريد لمنطقتنا الخير بل تريد تأجيج الصراع الطائفي والمذهبي والعرقي. تناغم وانسجام وتوافق تجاه القضايا الإقليمية والدولية.. ووعي بخطورة التهديدات والتحديات المصيرية ومن يتتبع سير العلاقات بين المملكة والإمارات يلاحظ بسهولة كيف ان هذه العلاقة تشهد تطورا نوعيا في مختلف المجالات وتبادل الأفكار بين الزعماء، وان هذه العلاقات لم تكن في الواقع الا ترجمة لتاريخ طويل من التعاون الاقليمي بين البلدين الشقيقين، الذين ادركا مبكراً أهمية التنسيق والتعاون بين الدول العربية عامة، ودول مجلس التعاون الخليجي بصفة خاصة. وازاء ما تتعرض لها المنطقة العربية من تجاذبات وتعارضات تفرضها المصالح الاقليمية والدولية، يبدو أن الرهان الحقيقي سيكون مبنياً في المستقبل على التعاون السعودي الإماراتي من اجل حماية المنطقة مما يحاك لها، وسعيا للاستقرار والأمان والسلام فيها وما يدركه حلم وحكمة قادة البلدين، لا سيما وان ما يربط البلدين من علاقات تاريخية واجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية يجعلهما اقرب الى التآلف والتآخي، خاصة وان الثقل الذي تمثله المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، من شانه ان يدفع الى نجاح اي تعاون ثنائي بين دول الخليج العربية، التي تعد تجربتها السياسية، في اطار مجلس التعاون الخليجي من أكثر التجارب حضورا ونجاحاً على الساحة العربية، والاقليمية ايضاً. حيث إن مجلس التعاون الخليجي يبدو حتى الأن رغم كل الاشكالات التي برزت في تاريخه يبقى المؤسسة الأكثر تأثيرا في هذه المنطقة، بما يمثل من تناغم سياسي واقتصادي واجتماعي بين دوله، الامر الذي يجعل منه مركز أمل حقيقي ليس لمنطقة الخليج بل للمنطقة العربية برمتها التي تعاني من تدهور وتشرذم وصراعات، ولذلك يأتي التنسيق السعودي الإماراتي،والتعاون المشترك بين كل من الرياض وابو ظبي ليشكل بجدارة عنوان المرحلة الجديدة في العالم العربي، لا سيما وان هذا التنسيق والتعاون يرتكز في الواقع الى جذور تاريخية وثقافية عميقة وقوية، يزيد من متانتها البعد الاسلامي ايضا، ويظهر ذلك جليا من خلال علاقات الود والمحبة والتعاون بين الشعبين الشقيقين والتشاور بين قادتهما هذه الأيام من خلال زيارة سمو الشيخ الفريق أول محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة الإماراتية وتشاوره مع شقيقه وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله ورعاه -، وهو امر ساهم في ايجاد صيغة وتشاور بين القادة الكبار، لقراءة الأحداث ورصدها وإبعاد أي شبح خطير يهدد أمن واستقرار المنطقة الخليجية والعربية، وهذا الواقع لابد ان يجد مصالح مشتركة بين الشعبين الشقيقين، ويقوي من وشائج العلاقة بينهما، وبالتأكيد أن تداخل المصالح والعلاقات الشعبية بين هذين البلدين العربيين، يجعلهما حريصين جدا على استمرار العلاقات الاخوية بينهما، وإذا رجعنا الى التاريخ قليلاً، نستطيع ان نتلمس تلك الروح الاخوية التي كانت تربط الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان رحمه الله بالمملكة العربية السعودية، مثلما تربط هذه الروح ايضا القيادتين في الوقت الراهن، نظرا لإيمانهما بالجذور التاريخية العميقة لهكذا علاقة، واهمية تعزيزها من اجل البلدين معاً والمنطقة كافة، والحقيقة التي لابد من التوقف عندها هي ان الامارات كانت على الدوام السباقة،لتفهم ومساندة الاراء والمواقف الحكيمة للقيادة السعودية ولا سيما فيما يتعلق منها بامن منطقة الخليج والعالم، واغلاق بؤر التوتر العالمية من اجل عالم أكثر أمانا وسلاماً، كما ان اطلاق اسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله- على احد اهم شوارع العاصمة الاماراتية "ابوظبي"، بالإضافة لمنحه شخصية العام الثقافية لجائزة الشيخ زايد للكتاب في الامارات، وكذلك الدعاء في صلاة كل جمعة في مساجد الإمارات له بالمغفرة والرحمة وتعدد مناقبه ومبادراته العظيمة لخدمة العالم العربي والإسلامي، يدل على مدى التقدير والاحترام للملك الرحل عبدالله بن العزيز - طيب الله ثراه -، وكذلك إطلاق اسم العاصمة السعودية (الرياض) على أهم شارع في دبي، واطلاق اسم الملك عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه - على اهم شارع في الشارقة، وإطلاق اسم الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله- على أهم مسجد وشارع في الشارقة، بالإضافة الى وجود أكثر من 3000 طالب وطالبة سعوديين يدرسون في الجامعات الإماراتية، بالإضافة لوجود اعداد كبيرة من الجالية السعودية في مناطق الإمارات المختلفة سواء عاملين او مستثمرين في هذه البلاد الفتية، كل ذلك يبين مدى محبة الاماراتيين، وقربهم من المملكة العربية السعودية باعتبارها الشقيق الخليجي الاكبر، ومن هنا كان دعم الامارات القوي للمواقف المملكة في مصلحة الدول العربية والإسلامية والتناغم مع سياستها ومبادراتها. وهنا لابد من التذكير بان الفرص الموجودة في العلاقات السعودية الإماراتية كبيرة وتبقى واعدة نظرا لثقل الدولتين في الاسرة الخليجية، وتقارب وجهتي نظرهما ازاء الكثير من القضايا المصيرية للخليج والعرب بشكل واضح وصريح وثابت أمام التحديات. ان العلاقات القوية والإستراتيجية بين السعودية والإمارات إضافة إلى أنها تصب في دعم المصالح المشتركة وتعزيزها فإنها تمثل ركنا أساسيا من أركان الأمن الجماعي في مجلس التعاون لدول الخليج العربية من ناحية والأمن القومي العربي من ناحية أخرى، حيث يبدو مهمة اثر التنسيق بين البلدين في استباق اي خطر يحدق بالمنطقة من خلال مواجهته بخطوات مدروسة وبعيدة عن التشنج والتسرع. كما ان العلاقات القوية والأخوية بين البلدين تأتي بفضل القيادة الحكيمة التي ينتهجها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله- وأخوه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة - حفظه الله- الذين وضعا نصب اعينهما مصلحة بلديهما والامة العربية والاسلامية. وفي نهاية المطاف لا بد من القول ان تجربة العلاقات السعودية الاماراتية تعد ملمحا ناجحا بامتياز، واسلوب عمل سياسي واقتصادي مهم، اذا ما اردنا ولوج العالم بخطاب سياسي وسياسات اقتصادية وثقافية قوية وواعية، تستلهم قبل كل شيء خير هذه الامة ومصالحها والحفاظ على أمن واستقرار المنطقة الخليجية واستقرار شعوبها.
مشاركة :