القاهرة – غيّرت التكنولوجيا حياة غالبية الأبناء، وبالتالي قلبت موازين أسرهم، وأثرت على ترابط الأسرة والعلاقات بين أفرادها، فالعديد من الأطفال والمراهقين يقبلون على استخدام الإنترنت بكثافة ما يشير إلى وجود حالة مرضية. ومع زيادة الأعداد بشكل مقلق في العقد الأخير ظهرت مراكز وعيادات في دول مختلفة، تخصصت في متابعة تلك الظاهرة وعلاج ما يسمى بمدمني الإنترنت. ودفع زيادة التأثير السلبي للإنترنت على الجميع وعلى النطاق العربي، الاستشاري النفسي المصري إبراهيم مجدي، لإطلاق أول عيادة متخصصة في علاج إدمان الإنترنت والألعاب الإلكترونية في القاهرة، حاملة لرؤية جديدة للحد من هذا المرض النفسي. يقول مجدي لـ”العرب”، أنه “تم الاتفاق مع مستشفيات جامعة عين شمس على استقبال مدمني الإنترنت في قسم علاج الإدمان، وتم تخصيص عيادات مجهزة لعلاج مرضى مواقع التواصل الاجتماعي”. ويضيف أن عدد مستخدمي الإنترنت في مصر وصل لنحو 30 مليون شخص، 10 بالمئة منهم مدمنون، وواحد بالمئة منهم فقط يترددون على عيادات علاج إدمان الإنترنت، وهي المسألة التي دفعت إلى الإسراع في إنشاء مراكز متخصصة. ويوضح الاستشاري النفسي أن الأمر أصبح أخطر من مجرد نوع من الإدمان يهدد الترابط الأسري ويزعج الآباء، لأن تأثيره يهدد المجتمع بأكمله مع اتساع عدد المدمنين دون مواجهة فعلية. وأدرجت منظمة الصحة العالمية اضطرابات الإنترنت وألعاب الفيديو في نسختها الأخيرة ضمن دليل الأمراض، لأن الظاهرة باتت لها انعكاسات مباشرة على جميع أفراد الأسرة. وتعمل العيادات الجديدة في مصر على نوعين من العلاج، علاج سلوكي أسبوعي بحسب درجة الإدمان، أو تقديم استضافة كاملة لمدمني الإنترنت من الأطفال والمراهقين والكبار في معسكر مغلق، حيث لا توجد وسيلة من وسائل التواصل الإلكتروني لمدة تتراوح بين 45 إلى 60 يوما. ويوضع برنامج صارم للنوم والاستيقاظ والتغذية والأنشطة الرياضية، وتقود العيادات المريض لعصر ما قبل التكنولوجيا، لكي يعود إلى الاندماج مع أسرته ومحيطه الاجتماعي، مع الحفاظ على أسلوب للرقابة والحياة الجديدة لضمان عدم حدوث انتكاسة تدفع للإدمان مرة أخرى. ويقع الصغار بسهولة ضحايا لإدمان الإنترنت الذي يفضّ عقد الأسرة عندما يجدون إهمالا منها، وعدم حرصهم على وجود نقاط التقاء وهوايات تجمع الشمل من خلالها، خاصة في مراحل المراهقة التي يسعى الأبناء خلالها للبحث عن شخصياتهم المستقلة. ويعكس ذلك صعوبة مواجهة المرض وضرورة تأهيل المعالجين والأسر، للتعامل مع إدمان الإنترنت وتحقيق تفاعل حقيقي يبدأ أولا بتحديد الفرق بين الإفراط في الاستخدام والوصول إلى درجة الإدمان. ويؤكد رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري وخبير أمن المعلومات، زياد عبدالتواب، أن أحد التعريفات المبسطة لإدمان الإنترنت، هي حدوث اضطراب شديد وعدم قدرة المرء الابتعاد عن الشبكة العنكبوتية، وتحديدا مواقع التواصل الاجتماعي لمدة يوم كامل.وأشار لـ”العرب” إلى أن متوسط استخدام الفرد اليومي للإنترنت يصل إلى ثلاث ساعات، بمعنى أن الفرد يقضى أكثر من 5 سنوات من عمره في تصفح الشبكات، ويرتفع الرقم إلى نحو 8 ساعات يومياً لدى المراهقين، أي أنهم يقضون ثلث أعمارهم مع هذه الشبكات. ويوصي بعض الأطباء بضرورة مساهمة الأسرة في علاج مدمن الإنترنت عن طريق التحادث معه حول أزمته واختراق عالمه الافتراضي الخاص بشكل تصبح الأسرة جزءا منه. وهو ما حدث بشكل تلقائي وعفوي في الكثير من الأسر، بعد أن استشعرت غياب الأبناء عنها، ودشنت عائلات غرف دردشة ومجموعات حملت اسم “غروب البيت أو العائلة” والذي يضم أفراد الأسرة، ومن خلالها يتواصل الآباء والأبناء ويتبادلون الأخبار ويتشاركون في الآراء، لتكون بداية لكسر الفقاعة التي يجلس داخلها الأبناء. ويقول شريف جمال، أب لطفلتين، عن تجربته مع فكرة المشاركة الأسرية الإلكترونية، لـ”العرب” إن “فكرة تدشين غروب للتواصل بين أفراد الأسرة، كان لتسهيل شراء مستلزمات البيت في البداية، ثم تحوّل الغروب إلى اجتماع لطيف يلتقي فيه كل أفراد الأسرة”. ولفت شريف إلى أن الفكرة انقلبت إلى فكرة سلبية عندما أضحت تلك هي الوسيلة الوحيدة للقاء أبنائه، “كانت الفكرة لطيفة، وكنا نكتب مستلزمات البيت، ومن بالخارج يقوم بشرائها، بالتالي لسنا في حاجة للاتصال مباشرة، ومع مرور الوقت افتقدت سماع صوت أولادي، ما دعاني بعد فترة لإلغاء هذا الغروب حتى لا نصل إلى مرحلة الانفصال الكلي”. وتؤكد دراسات أنه من بين العوامل المسببة للإدمان على الإنترنت افتقاد المراهقين للسند الأسري والعاطفي، ما يجعلهم يلهثون وراء الإشباع الوهمي واللذة المؤقتة من خلال الدردشة مـع غرباء. وتحكي إيمان محمد عن نجلها محمود، أحد المداومين حديثا على عيادات علاج إدمان الإنترنت لـ”العرب”، قائلة “بدأت مشكلة ابني عندما أصبح يقضي أياما داخل غرفته، متصفحا شبكات التواصل الاجتماعي، يمارس الألعاب الإلكترونية، وكنا في البداية نتفاخر بقدراته الفائقة على التعامل مع الإنترنت، وأحضرنا له أحدث الألعاب، وكان يساعدنا في شبكات التواصل الاجتماعي، ولم نكن نعلم أننا ندخله إلى نادي مدمني الإنترنت”. وتضيف “بعد شهور اكتشفنا تفضيل محمود للعزلة، وإصابته بحالات إعياء متكررة، نتيجة استمراره لأيام داخل غرفته بين الألعاب الإلكترونية، وحواراته مع أصدقائه خارج مصر عبر الفضاء الإلكتروني”. وتتابع “اضطررت في النهاية إلى اصطحابه إلى الأطباء، واكتشفت إصابته بمرض سوء التغذية، بسبب عدم انتظامه في تناول الطعام، فضلا عن عدم ممارسته للرياضة التي كان يعشقها، وصدمت أنا ووالده عندما قال لنا الطبيب إنه يعاني من إدمان الإنترنت، ولابد من علاجه في مستشفى متخصص، وكانت أول مرة أسمع فيها عن مستشفى لعلاج إدمان الإنترنت”. وصنفت الجمعية الأميركية للطب النفسي إدمان الإنترنت ضمن قوائم الأمراض التي تحتاج لعلاج وعرفته بأنه “اضطراب يظهر حاجة سيكولوجية قسرية نتيجة عدم الإشـباع مـن اسـتخدام الإنترنت والمصاب بهذا الاضطراب يعاني من أعراض عديدة”. لكن لم يبدأ العلاج بشكل فعلي في العالم، إلا في العقد الأخير، وطرح انطلاق أول مركز لعلاج إدمان الإنترنت في مصر تساؤلات حول ما إذا كان قادرا على حل الأزمة، أم أن التكنولوجيا أضحت خطرا لا يمكن ترويضه؟
مشاركة :