ترتبط شجرة الغاف برموز دولة الإمارات الثقافية وإرثها الوطني، وطالما كسبت هذه الشجرة الصديقة والمعمرة ود أبناء الإمارات واهتمامهم بسبب خصائصها وفوائدها كملجأ ومصدر غذاء ودواء للإنسان والأحياء البرية في البيئة الصحراوية. فشجرة الغاف التي تنمو منفردة أو على شكل مجموعات وغابات صغيرة، تمتلك قدرة عجيبة على التأقلم المثالي مع البيئة الصحراوية القاحلة. ويساعدها على ذلك، نظام شامل ورائع يتمثل في طبيعة جذورها التي يُمكن أَن تصل إلى أعماق تبلغ 30 متراً لامتصاص المياه الجوفيّة. كما أن نباتاتها المكشوفةَ تتطور عند انكشافها للهواء فتعمل على تخصيب التربة عن طريق إطلاق النيتروجين. إضافة إلى ذلك، فإنه مع قدرتها على مُقاومة الجفاف لفترات طويلة والملوحة العالية، تبقى دائمة الخضرة على مدار العام – وهي مميزات تضعها في مرتبة عالية في نظام البيئة الصحراوية. وكانت شجرة الغاف في الماضي تعد بمثابة النسخة الطبيعية لتكييف الهواء، قبل اكتشاف البترول، فضلاً عن فوائدها البيئية في تحسين نوعية الهواء، فشجرة الغاف تساهم بامتصاص الكربون، وكل شتلة غاف تتم زراعتها تساهم في عزل ما يقارب من17 كلجم من ثاني أكسيد الكربون في عام واحد. وتوصف شجرة الغاف بأنها شجرة العطاء الصحراوية، فهي دائمة الخضرة وتنتشر في البيئيات الجافة والحارة بمنطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وتعتبر من الأشجار المفيدة والهامة في دولة الإمارات لا سيما وأنها توفر مصدراً غذائياً للبشر والحيوانات الأليفة والبرية ـ كما توفر الظل من حرارة الصحراء الحارقة للحيوانات البرية. وتعتبر أشجار الغاف واسمها العلمي (Prosopis cineraria) من نباتات الأقاليم الجافة، وتوجد في ظروف البيئة الصحراوية مثل البيئة السائدة في شبه الجزيرة العربية التي تشكل مساحة بلادنا نسبة 80% من مساحتها الكلية، وتتحمل درجات الحرارة الجوية والمناخية العالية مع الجفاف الشديد، إضافة إلى ارتفاع نسبة الملوحة في التربة والمياه. وتمتاز أشجار الغاف أيضاً بسهولة تكاثرها وسرعة نموها والتكيف مع الأجواء البيئية المحيطة بها، حيث تتعمق جذورها في التربة لمسافات بعيدة يقدرها العلماء المختصون بما يصل إلى (50) متراً في بعض أنواع هذه الأشجار. كما أن أشجار الغاف تمثل ثروة خشبية وفيرة ومن نوعية متينة، ولها قرون ثمرية تحتوي على نسب عالية من البروتين والسكر، إضافة إلى مساهمة أزهارها في إنتاج العسل، عسل النحل الجيد، فضلاً عن الاستفادة منها في الأبحاث الطبية والصيدلية. وتستخدم أشجار الغاف في تثبيت الكثبان الرملية المتحركة، ويجمع المختصون على أن هذه الأشجار هي أصلح وأنسب ما يمكن أن يتم به تشجير الصحاري لتثبيت الكثبان الرملية المتحركة، وإقامة مصدات للرياح مع أحزمة الوقاية الخضراء وهي تستخدم أيضاً لتشجير الشوارع والطرق والمتنزهات العامة وتزيينها، حيث تضفي عليها سمة جمالية راقية، فضلاً عن ظلالها الباردة صيفاً. ومن فوائد شجرة الغاف قرونها الثمرية والخشب الذي توفره للوقود وللصناعات المتعددة. أماكن النمو تنمو أشجار الغاف في الزاوية الجنوبية الشرقية من شبه الجزيرة العربية؛ أي في كل من سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، وفي أقسى ظروف الجفاف والحرارة، ولا تتأثر هذه الأشجار بأشعة الشمس المباشرة الحارقة، كما أنها معروفة أيضاً في الهند وباكستان. وتعتبر الغاف من أشجار الحجم المتوسط، وقد يكون للشجرة الواحدة منها أكثر من ساق واحدة (جذع) ولها تاج كروي ينتشر في صورة مظلة مفتوحة، وفي الظروف البيئية الملائمة من حيث رطوبة التربة، فإن بعض أنواع أشجار الغاف يرتفع طوله علواً إلى عشرين متراً، وقد تتضخم ساقها ليصل قطرها إلى حوالي المتر. ويحتوي معظم أنواع الغاف على أشواك مفردة قصيرة أو طويلة. وأوراقها أشبه بالريشة، لها تركيباتها وتفرعاتها والوريقات صغيرة وعديدة ومرتبة ترتيباً زوجياً في هندسة جمالية من إبداع الخالق سبحانه وتعالى، وازدواجية الأوراق تتراوح بين 10 إلى 50 زوجاً وقد يصل طول بعضها إلى (30) سنتيمتراً. وأزهارها صغيرة ومتجمعة بشكل سنبلي، بيضاء اللون أو مائلة إلى الصفرة. ويحدث بينها التلقيح بكل سهولة نتيجة الاختلاط، خصوصاً إذا كان هناك أكثر من فرد من الغاف في ساحة واحدة أو متقاربة، وهذا ما يساهم في تعدد واختلاف الأصناف والصفات. صفات ثمار أشجار الغاف تبدو الثمرة في شجرة الغاف قرنية وسميكة وهي عديدة ضمن الشجرة الواحدة، كما تختلف القرون بأشكالها وأطوالها، فتكون رفيعة، أو مفلطحة أو منحنية، وتحتوي هذه القرون الثمارية على البذور المحاطة بمواد سكرية صفراء جافة.وتسقط قرون الثمار مرتين في السنة الواحدة وهي لا تتفتح بسبب الجفاف كغيرها من أنواع الثمار والبقوليات؛ أي يمكن جمع البذور واستخراجها من القرون بسهولة دون ضياع أي منها. صفات الجذور تتألف جذور أشجار الغاف من مجموعة من الجذور العميقة في الغالب والسطحية أحياناً وتعمل على امتصاص الرطوبة الأرضية أينما توافرت؛ فالجذور السطحية الكثيفة تنتشر على سطح التربة لتستفيد من مياه الأمطار التي تسقط بسرعة ولفترات قصيرة. أما الجذور العميقة في باطن الأرض فهي تبحث عن طبقة المياه الجوفية ولمسافات بعيدة قد تصل إلى 50 متراً. والمعروف بحثياً أن جذور أشجار الغاف تحتوي على العقد البكتيرية كغيرها من البقوليات، والتي تقوم بتثبيت النيتروجين اللازم للنمو وخاصة في التربة الفقيرة، خصوصاً إذا كانت تربة رملية. أخشاب شجر الغاف تتميز أخشاب شجر الغاف بلونها الأحمر وبمتانتها الشديدة وتتحمل الظروف الطبيعية المحيطة بها كثيراً، فلا تتأثر بالحشرات والديدان والأرضة، كما لا تصاب بالأمراض التي تؤثر عادة على سلامة غيرها من أخشاب الأشجار الأخرى. ويمكن إلى جانب صناعات الأثاث وغيرها من ركائز المباني، رصف الشوارع بأخشاب الغاف لمتانتها وعدم تآكلها لفترات زمنية طويلة. بيئة النمو يلاحظ أن أشجار الغاف تنمو في مختلف أنواع التربة، مثل التربة الرملية الفقيرة والصخرية والمالحة، وتتحمل تأثير العوامل الخارجية، وخاصة التأثيرات الحشرية والفطرية، باستثناء إصابة قرونها بحشرة آكلة للقرون. وتتميز أنواع أشجار الغاف بقيمتها الرعوية والعلفية العالية للحيوانات، فجميع الحيوانات تحب القرون الثمرية لأشجار الغاف وتأكلها، كما يمكن أن تعيش عليها فقط فترات طويلة، إذ تحتوي البذور على ما نسبته 34 و39% بروتين و 7 إلى 8% مادة سكرية. ويقدر إنتاج الهكتار الواحد لأشجار الغاف التي يبلغ عمرها 10 سنوات بطن من القرون، خاصة إذا كانت ظروف النمو طبيعية. كما تتغذى الحيوانات أيضاً على أوراق الغاف. كما تنمو الأعشاب مجاورة لأشجار الغاف أو تحتها بصورة كثيرة وجيدة، نظراً لأن النيتروجين يتوفر حولها بزيادة تبلغ 3 أضعاف، ما قد يتوفر في المناطق الأخرى البعيدة عن وجود أشجار الغاف. كما تجذب أشجار الغاف النحل إليها، حيث تبني خلايا العسل من أزهارها بكميات كبيرة وبأنواع جيدة. ويستفاد من حطب الغاف في توليد الطاقة الكبيرة، كما يستخدم الغاف في إقامة مصدات تمنع انحراف التربة وتثبيت الكثبان الرملية والرياح، فضلاً عن الظل الظليل البارد والزينة وتشجير البيوت والطرقات. مخاطر الانقراض وفقاً لدراسات هيئة البيئة في أبوظبي، يوجد في الإمارة 436 نوعاً من النباتات المحلية، منها 432 نباتاً برياً، و4 نباتات بحرية، منها 18 نوعاً مهدد بالانقراض أبرزها الغاف، السمر، النخيل القزم، الخنصور، وأحد أنواع الأوركيد في جبل حفيت، شرخس، كزبرة البئر والقفص. وأكدت الهيئة أن حماية الأنواع النباتية البرية المحلية تعتبر جزءاً من مسؤوليات الهيئة، ومن خلال مشتل بينونة الحالي الذي يقع في منطقة الظفرة، تقوم الهيئة بإكثار النباتات المحلية والمحافظة عليها، ويوجد به حالياً مجموعات مخزنة من البذور تقريباً لـ 50 نوعاً من النباتات البرية المحلية، ومن أهم الأنواع هي الخنصور، النخيل القزم، السمر، الغاف، القفص، الغضا، الثمام، الشوع، الأرطا بنوعيها، الحاذ وغيرها من النباتات. وتمتاز النباتات المحلية، بأنها نباتات متأقلمة ويتعايش الإنسان معها فترات طويلة، وتستخدم كمصدر غذاء مباشر للإنسان أو لرعي الحيوانات، كما تستخدم كعلاج وكنباتات رحيقية للنحل. وتتمثل الفوائد البيئية للغاف في منع زحف الرمال وتثبيت الكثبان الرملية والنباتات المحلية، حيث تساهم في المحافظة على البيئات وإغناء التنوع البيولوجي ليستفيد منه كائنات أخرى كالطيور والحيوانات. كما أن الدولة موقعة على اتفاقيات دولية توجب المحافظة على التنوع البيولوجي والهيئة لديها مسؤولية أخلاقية للمحافظة على هذه الأنواع للأجيال المستقبلية.
مشاركة :