تحدّث امام وخطيب المسجد النبوي بالمدينة المنورة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان، في خطبة الجمعة اليوم، عن رزق الله؛ موصياً المسلمين بتقوى الله عز وجل فيما أمر، والكف عن ما نهى عنه وزجر. وقال "البعيجان": لقد قدّر الله المقادير، وكتب الآجال، وقسّم الأرزاق، وكتب على كل أحد حظه من السعادة والشقاء ونصيبه من النعم والسراء والبأساء والضراء؛ فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط، وكل شيء بقدر وقضاء، كتب الله أرزاق بني آدم وهم في عالم الأرحام؛ فإذا أتم الإنسان في بطن أمه أربعة أشهر بعث الله إليه ملكاً موكلاً بالأرحام فينفخ فيه الروح بإذن الله ويكتب أجله وعمله ورزقه وشقي أو سعيد، عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: (إن أحدكم يُجمع خلقُه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله، وشقي أو سعيد)؛ فالرزق مقسوم وكل شيء بقضاء وأجل معلوم؛ فأجملوا في الطلب، واستعينوا على الكسب، أحسنوا الظن بالله فسوء الظن مذموم لا ينفع، والله عند حسن ظن العبد به. وأضاف أن الله هو المعطي وهو الرزاق ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء، وخزائنه لا تنفد، ويمينه ملأى؛ فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله عز وجل أنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته؛ فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته؛ فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً؛ فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب واحد منكم ما نقص من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) رواه مسلم. وأردف إمام المسجد النبوي أن الله قد تكفل بالأرزاق؛ مستشهداً بقوله تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين}؛ فيرزق الجنين في بطن أمه والحيات في البحر والحيات في الوكر، وما خلق الله خلقاً فضيّعهم، ولو فر عبدٌ من رزقه لأدركه {الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له}. وأشار إلى امتحان الله لعبده بالرزق، فيبسط فيه ليحمد ويشكر ويضيق فيه ابتلاءً لا نسياناً وعجزاً، وحينها يلزم الصبر؛ فمن نزلت به فاقة فأنزلها بغير الله لم تُسَدّ فاقته، ومن يستعفف يُعفه الله، ومن يستغنِ يُغنه الله، ومن يتصبر يصبّره الله؛ فالصبر على الفاقة واللأواء والغلاء والبلاء مطلب شرعي واجب وأمر ضروري، وقد عاتب الله عز وجل في ذلك فقال: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن، وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن}. وذكّر "البعيجان" المسلمين بأن تقوى الله عز وجل هي خير مغنم للعبد، وهي المخرج من كل ضيق ونكد لقوله تعالى {ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب}؛ مبيناً فضيلته أن تقوى الله مفاتح خزائن السماء والأرض، وما عند الله لا يُنال بمعصيته. واستشهد بقوله تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض؛ ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون}.
مشاركة :