بيل غيتس اسم براق في عالم البرمجيات والمال والأعمال، فقد تصدر قائمة أغنى رجال العالم لسنوات عديدة متتالية منذ 1995 إلى 2010 ثم رجع ليتصدر قائمة الأثرياء مؤخرا بثروة تقارب 72.2 مليار دولار!، والسؤال البديهي ما الذي يريده بعد ذلك، وما هو الهدف التالي له؟!. لنتعرف على الجواب دعونا ننظر لما قدمه بيل غيتس مع بدايات القرن الحادي والعشرين حيث أنشأ مؤسسة بيل وميليندا غيتس للأعمال الخيرية والتي بدأت بفكرة الرعاية الصحية والحد من الفقر في العالم. وكانت البداية متواضعة بمبلغ 126 مليون دولار سنويا!. وانطلق بعد ذلك يستقطب أصحاب المليارات في أمريكا، ويحثهم على العطاء للآخرين، وعدم احتكار الثروات لأنفسهم!، وقد نجح في ذلك أيما نجاح خصوصا حين استقطب العجوز الداهية وارن بافت (ثالث أغنى رجل في العالم لعام 2014 بثروة تقدر 65.5 مليار دولار) حيث اشترك معه في حلمه، وخصص وارن جل ثروته للمؤسسة وللأعمال الخيرية. ولقد خرج بيل غيتس بخطابه الأخير في يناير من العام الحالي 2015 برسم أهدافه ورؤيته في تحسين وتطوير أربعة مجالات رئيسة هي التعليم، والصحة، والزراعة، والخدمات المصرفية لأغلبية الناس في الدول الفقيرة، وذلك خلال الخمس عشرة سنة المقبلة (حتى عام 2030)، ولاشك أن هذه تطلعات ضخمة (في العادة تقوم بها الدول) وفي فترة وجيزة. وبعد هذه المقدمة الطويلة بعض الشيء! يأتي السؤال الأهم بالنسبة للقارئ، وهو لماذا أطرح هذا الموضوع؟، والسبب وراء ذلك يتبين من خلال ثلاثة محاور: الأول أن الأهداف مهما كانت كبيرة وصعبة يمكن تحقيقها. ومن خلال انجازات بيل السابقة سيكون وصوله إلى تلك الأهداف ليس مستحيلا بل ممكن تحقيقها، وربما بزمن أقل. في بدايات عصر الكمبيوتر الشخصي في حقبة السبعينيات من القرن العشرين الماضي قالت إحدى الشركات الكبرى في صناعات الكمبيوتر: انه لن يحتاج أحد إلى كمبيوتر شخصي!! بينما كان حلم بيل هو عكس ذلك تماما. كان يعتقد أن كل بيت ومكتب سوف يحتاج إلى كمبيوتر شخصي، وذلك ما حصل، لأن الواقع يقول ان الأحلام بالإصرار وبالبذل تصبح حقيقة ولو بعد حين. المحور الثاني أن أغلبنا في سن المراهقة أو الشباب يعتقد أن المال سوف يحل له كل مشاكله ليس فقط الاقتصادية بل الأسرية والاجتماعية وحتى العاطفية!، ولعل هذا ما اعتقده بيل حين كان شابا حيث قال: انه حلم أن يكون مليونيرا بعمر الثلاثين، ولكن حينما عانق عالم المليارات علم أن المال لا يعني كل شيء، ولذلك قال بعدها: النجاح في الحياة لا يقاس بكمية المال الذي تكسبه، وإنما يقاس بعدد الأشخاص الذين أثرت عليهم بحياتك. وهذا يقودنا إلى المحور الثالث وهو العطاء. عندما يدخل الإنسان في بداية مرحلة الأشد من عمره( سن الأربعين) تبدأ الأسئلة الكبرى في الحياة تطنطن فوق رأسه بكثرة (إذا لم يكن وجد الأجوبة قبل ذلك) مثل: ما هي الحياة، وماذا أريد، وما الذي قدمته؟ ثم يبدأ في رحلة البحث عن أسرار الراحة والسعادة أكثر من أي شيء آخر. ولعل ذلك من الأسباب التي جعلته مع بدايات القرن الحادي والعشرين يركز أكثر على الأعمال الخيرية على مستوى العالم حيث صرف حتى الآن ما يقارب 29 مليار دولار!. قد ينفق الإنسان المال من أجل الإنسانية، أو من أجل ان يخلد اسمه في التاريخ أو من أجل الثناء الحسن بعد موته، أو لاعتقاده الشخصي أن هذا هو الطريق السليم، وكل تلك الدوافع والأسباب حسنة للعطاء، وسيشعر معها الإنسان بشيء من السعادة والراحة. ولكن حتى يصعد الإنسان إلى أعلى درجات الرقي والسمو، وحتى تتربع نفسه البشرية على قمة السعادة الروحية لتعلو عن وحل الأرض، وتشتم رائحة السحاب، وتلامس نقاء زخات المطر لابد أن يكون العطاء لوجه الله تعالى، وذلك ما قام به قمم البشر في العطاء من أمثال أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان رضي الله عنهما. النجاح في الحياة لا يقاس بكمية المال الذي تكسبه، وإنما يقاس بعدد الأشخاص الذين أثرت عليهم بحياتك. م. الهندسة الميكانيكية
مشاركة :