قراءة في خطاب ترامب عن «حال الاتحاد»

  • 2/9/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

د. غسان العزي على بعد واحد وعشرين شهراً من الانتخابات الرئاسية المقبلة التي سيخوضها، وبعد أيام معدودة من هزيمته السياسية أمام الديمقراطيين الذين أفشلوا محاولته الحصول على خمسة مليارات دولار لتشييد الجدار على الحدود مع المكسيك، ألقى الرئيس ترامب الخطاب السنوي التقليدي حول «حال الاتحاد» أمام الكونغرس، وذلك في مناخ سياسي مشحون بسبب الخلافات بينه وعدد كبير من المنتَخبين الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء. وكالعادة التي درج عليها الرؤساء في هذا الموعد السنوي، جاء الخطاب تصالحياً تفاؤلياً يشيد بعظمة أمريكا وبإنجازاته ويقدم نفسه كرئيس للجميع وكضامن لوحدتهم.وحسب التقليد جلست زعيمة الأقلية في مجلس النواب نانسي بيلوسي خلف ترامب، كما بدا من عدسات الكاميرات التي صورت المناسبة. ولهذه الصورة رمزيتها الخاصة هذه المرة بالتحديد، ذلك أن بيلوسي التي تعارض بناء الجدار على الحدود مع المكسيك تسببت للتو بهزيمة سياسية ماحقة للرئيس، الذي يعشق إبراز صورته كمفاوض بارع، عندما أجبرته على التنازل ووضع حد للاغلاق الحكومي الجزئي من دون أن يحصل على دولار واحد لتمويل الجدار المذكور والذي وعد به خلال حملته الانتخابية، هو الذي يحرص على الوفاء بهذه الوعود. وكانت الحكومة الفدرالية الأمريكية قد دخلت في حالة إغلاق جزئي، في ٢٢ كانون الأول/ديسمبر الماضي بسبب الخلاف الشديد حول طلب ترامب تمويل هذا الجدار الذي تعتبره المعارضة الديمقراطية غير إنساني وغير مجد عدا كلفته الباهظة. وقد اضطر ترامب في ٢٥ كانون الثاني/ يناير الماضي، إلى تعليق هذا الإغلاق الأطول في التاريخ الأمريكي (٣٥ يوماً)، حيث تم تعطيل بعض الخدمات الفدرالية ما أدى إلى حرمان ٨٠٠ ألف موظف من رواتبهم. أعضاء الكونغرس الإناث من الديمقراطيين وبعض الإناث من الجمهوريين ارتدين اللباس الأبيض تكريماً للمناضلات من أجل حقوق المرأة، اللواتي أطلقن في العام ١٩١٩ حركة تطالب بحق الاقتراع للمرأة وتأكيداً على عدم التراجع عن الحقوق التي حصلت عليها المرأة بعد نضال مرير، وذلك على خلفية الاتهامات الموجهة لترامب بالعنصرية ضد النساء. لم يكن جديداً في شيء أن يقدم ترامب برنامجه على أساس أنه «ليس جمهورياً ولا ديمقراطياً بل هو برنامج للشعب الأمريكي، في خلال ثمانين دقيقة شكلت له مناسبة جديدة ليعيد تكرار أفكاره التي ينقسم حولها الحزب الجمهوري نفسه، والذي صوت قبل وقت قصير ضد الانسحاب من سوريا، وهو تصويت لا قيمة إلزامية له، لكنه يبين عمق الخلاف مع الرئيس.كذلك لا جديد في أن يفخر ترامب بالانجازات المتحققة في عهده حيث «تشهد أمريكا معجزة اقتصادية، فقط الحروب العبثية والسياسة أو التحقيقات السخيفة يمكن أن توقفها» في إشارة بهلوانية إلى الاستقصاءات التي تسمم ولايته والتي يجريها المدعي الخاص روبرت موللر، وتلك التي تقودها لجنة برلمانية من الكونغرس حول العلاقة بين موسكو وفريقه الانتخابي في العام ٢٠١٦. حرص ترامب في خطابه أن يستخدم لغة توحد ولا تفرق وعلى تلميع صورته كرئيس للجميع عبر رفض «سياسة الانتقام والعرقلة والثأر، لأنه علينا الاختيار بين العظمة والشلل، النتائج أو الجمود، الرؤية أو الانتقام، التقدم أو التدمير غير المجدي. هذا المساء أطلب منكم اختيار العظمة» كما قال داعياً الديمقراطيين الى التعاون معه، أقله في الملفات التي تهمهم. لكنه في المقابل لم يتخلص من رغبته بإثارة حماسة قاعدته الانتخابية عبر تكرار الاستفزازات لاسيما في ملف الجدار مع المكسيك والذي كرر الوعد ببنائه في النهاية، ولكن من دون أن يعلن حالة الطوارىء الوطنية كما توقع البعض، وهو إجراء يسمح له بالالتفاف على الكونغرس. ويتوقع كثيرون أن يعلنها في ٢٥ من الشهر الجاري فور انتهاء تجميد فترة الإغلاق الحكومي.من جهتهم حرص الديمقراطيون على التصفيق له في كل مرة كان يقدم وعوداً إيجابية في ملفات عزيزة عليهم مثل التعليم والضمان الصحي ودعم الأبحاث في مجال مكافحة السرطان والإيدز وتجديد البنية التحتية وغيرها، لكنهم مصرون على مواجهته في ملف الجدار، ما يعني بأن معارك سياسية طاحنة ستدور في واشنطن عما قريب.في السياسة الخارجية كان ترامب قليل الكلام. فقد تطرق بسرعة إلى الملف التجاري مع الصين، و«الوقوف إلى جانب الشعب الفنزويلي في سعيه النبيل إلى الحرية» وسمع ضحكات ساخرة في صفوف الحاضرين عندما قال: لو لم انتخب رئيساً لكنا دخلنا في حرب كبرى مع كوريا الشمالية، مؤكداً موعد لقائه مع زعيمها في نهاية الشهر الجاري في فيتنام، وعندما فاخر بالتقدم الذي يتحقق في المفاوضات مع طالبان.علق نائب فلوريدا الجمهوري السابق ديفيد جولي بأنه حتى عندما يتصرف ترامب كرئيس فإنه يفتقد إلى المصداقية وعندما يتكلم بطريقة عقلانية فإن أحداً لا يثق به، وهو نفسه يعترف بذلك.

مشاركة :