في أواخر عام 2017 وجه ديفيد مالباس، كبير المسؤولين عن الشؤون الدولية في وزارة الخزانة الأمريكية، نقدا صارخا للمؤسسات الدولية الرائدة في العالم. ومع أنه عارض "الانعزالية"، أخبر مالباس لجنة تابعة للكونجرس أن "العولمة والتعددية" "بولغ فيهما إلى حد كبير فوق الحد". وقال إن مكتبه اضطر إلى التعامل مع أكثر من 100 مجموعة ومؤسسة عاملة، بعضها لا يستحق الدعم. "إنهم ينفقون كثيرا من المال، وهم لا يتمتعون بكفاءة عالية، وغالبا ما يكونون فاسدين في ممارستهم للإقراض، ولا يفيدون الناس الفعليين في البلدان". إذا حصل دونالد ترمب على ما يريد، سيصبح مالباس الرئيس المقبل للبنك الدولي، ما يمنحه وظيفة بارزة رفيعة المستوى، إن لم تكن قوية، في مجال التنمية العالمية. ورشح الرئيس الأمريكي مالباس للمنصب حتى يضمن إنفاق دولارات البنك "بكفاءة وحكمة" وعلى نحو "يخدم المصالح الأمريكية". بالنسبة إلى مالباس (62 عاما)، طويل القامة ويتحدث ببطء، من مواطني ميشيجان، تولى رئاسة البنك -وهو أحد أركان النظام الاقتصادي الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة- من شأنه أن يمثل مكافأة رائعة بعد مسيرة مهنية طويلة عمل فيها في وول ستريت وواشنطن وتضمنت دعما لحملة ترمب الرئاسية في عام 2016. لكن إمكانية أن يتولى هذا الناقد الثابت لوكالات الإقراض متعددة الأطراف قيادة البنك الدولي أثارت القلق والانزعاج داخل المؤسسة وبين المسؤولين الدوليين والأمريكيين السابقين الذين يتعاملون مع التمويل والتنمية العالمية. في عام 2005 أثار وصول بول وولفويتز، مهندس حرب العراق من المحافظين الجدد، إلى رئاسة البنك الدولي مخاوف مماثلة. قالت كارين ماتياسين، وهي موظفة سابقة في وزارة الخزانة الأمريكية كانت سابقا الممثل الأمريكي بالوكالة في مجلس إدارة البنك الدولي: "ما يحتاج إليه البنك الدولي في وقت يتسم بتحديات عالمية معقدة إلى هذه الدرجة الكبيرة هو شخص ملتزم بتعددية الأطراف، ولديه رؤية ويمكنه تحفيز المؤسسة، وليس لدى هذا الشخص أي من هذه الأشياء. آمل أن يدرس المجلس بجدية مرشحين بديلين". أصبحت رئاسة البنك الدولي شاغرة في الشهر الماضي عندما استقال جيم يونج كيم، الذي عينه باراك أوباما، قبل ثلاث سنوات من نهاية ولايته الثانية في منصبه، للانضمام إلى أحد صناديق الأسهم الخاصة. وأثار رحيله الذي أصبح ساريا منذ يوم الجمعة من الأسبوع الماضي، سباقا على الخلافة يقصد منه رسميا أن يكون "منفتحا" و"قائما على الجدارة"، لكنه يذهب تقليديا إلى المرشح الأمريكي، ضمن اتفاق غير مكتوب يرأس فيه شخص أوروبي صندوق النقد الدولي، ومرشح ياباني يتولى رئاسة بنك التنمية الآسيوي. من بين المرشحين الآخرين الذين نظر فيهم ترمب، يوجد محمد العريان، الرئيس التنفيذي السابق لشركة بيمكو، وإندرا نويي، الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة بيبسكو، اللذين كان من الممكن أن يلقيا ترحيبا أفضل من قبل المطلعين في البنك الدولي ووزراء المالية والتنمية في مختلف أنحاء العالم. لكن على الرغم من الذهول والامتعاض من مالباس -الأمر الذي قد يؤدي إلى ترشيح منافس- يقول المقربون من البنك، إن هناك احتمالا ضئيلا بأن تسير الأمور على نحو آخر، حيث يبدو أن قلة من الحكومات على استعداد لخوض شجار مع ترمب حول هذه القضية. يقول أنصار مالباس إنه سيحدث تغييرا مرحبا به في المؤسسة. لدى مالباس خبرة في الاقتصاد والتمويل، بعد أن عمل في منصب كبير الاقتصاديين في "بير ستيرنز"، المصرف الاستثماري الذي انهار خلال الأزمة المالية. ولديه أيضا خلفية في سياسة التنمية، يعود تاريخها إلى فترات سابقة في وزارة الخزانة في عهد رونالد ريجان، ووزارة الخارجية في عهد جورج بوش الأب، حيث عمل في أمريكا اللاتينية. قالت جودي شيلتون، الممثلة الأمريكية في مجلس إدارة البنك الأوروبي للإعمار والتنمية: "لدى ديفيد مالباس رؤية واضحة حول كيفية تقديم أفضل دعم لتمويل التنمية بهدف تحقيق ازدهار أكبر لبلدان الأسواق الناشئة من خلال النمو الاقتصادي المنتج". ووصفته بأنه مؤمن "بالميزانيات الإدارية المنضبطة وذات الكفاءة، وممارسات الإقراض الشفافة والمسؤولة" وكذلك "شفافية الديون وتحسين حس المسؤولية". وبحسب أحد مؤيديه، إحدى فوائد اختياره، بدلا من أن يكون شخصا من خارج الإدارة، هي أنه يفهم ترمب، كونه في السنوات الأخيرة عمل عن قرب مع الرئيس الأمريكي ومع ستيفن منوشين، وزير الخزانة، وإيفانكا ترمب، ابنة الرئيس. وهذا يفترض أن يجعله أكثر فاعلية في الوظيفة، لأن الولايات المتحدة هي أكبر مساهم في البنك. في الجانب الآخر، يقول منتقدو عمل مالباس في وزارة الخزانة، الذي شمل مقعدا على الطاولة في المفاوضات التجارية الأخيرة مع الصين، إن تأثيره في إدارة ترمب كان محدودا، إن لم يكن عاديا ومملا. وفقا لماثيو جودمان، وهو مسؤول سابق في وزارة الخزانة يعمل الآن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "لم يجتذب الانتباه أو يعطي انطباعا قويا في وزارة الخزانة مثل أسلافه، بمن فيهم لاري سمرز، وتيم جايتنر، وديفيد مولفورد، وتيم آدامز، عندما كانوا في الدور نفسه". في الوقت الذي يبدأ فيه مالباس حملته لانتزاع المنصب، من المرجح أن يشدد على أنه لا يزال يؤمن بانخراط الولايات المتحدة في العالم، لكن فقط من خلال نوع مختلف من المهمة. قاد مالباس المحادثات الأمريكية التي انتهت بدعم واشنطن غير المتوقع لزيادة رأس المال في البنك الدولي، المشروطة ببعض التغييرات في المؤسسة. اشتملت هذه الشروط على فرض قيود على رواتب ومزايا الموظفين، فضلا عن الحد من الإقراض إلى الاقتصادات النامية الأكثر تقدما، مثل الصين. دوره في دعم التمويل الجديد للبنك الدولي يمكن أن يساعد في تسهيل إقرار هذا الدعم في الكونجرس الأمريكي - وهي خطوة حيوية تالية بالنسبة للمؤسسة. قال أمام الكونجرس العام الماضي: "هذه حزمة إصلاحات قوية تجعل البنك الدولي ينسجم بشكل أفضل مع الأمن القومي والسياسة الخارجية والأولويات الاقتصادية للولايات المتحدة". المخاوف من أن يقود مالباس البنك في مسار جديد راديكالي مؤيد لترمب قد تكون مبالغا فيها. إذا فاز، من غير المحتمل، على الأقل في البداية، أن يسعى إلى الحد بشكل عجيب من عمل البنك في مسألة تغير المناخ - وهو أمر يسبب قلقا كبيرا في كثير من البلدان. قال أحد الأشخاص المطلعين على تفكيره، إنه سيوضح أن البنك الدولي سيحترم الالتزامات البيئية التي يقطعها أثناء رئاسته. وعلى الرغم من تحذيره من خطر استحواذ الصين على نفوذ "جيوسياسي" في مصارف التنمية متعددة الأطراف - وانتقد كيم على الترويج لمشاريع البنية التحتية في "مبادرة الحزام والطريق" – يبقى من غير المرجح أن يسعى علنا إلى استعداء بكين وإخراجها من البنك. ويشتكي بعض الذين عملوا معه من أنه يمكن أن يكون متصلبا وعنيدا في مناسبات معينة، لكن آخرين يقولون إنه أظهر نفسه شخصا مرنا إلى حد ما، حتى أنه رجل دمث في حالات أخرى. الخلاصة، في حين أن عددا قليلا من الناس داخل البنك الدولي -أو في العواصم حول العالم- سيشجعون تعيين مالباس، من المرجح أن يكون رد الفعل السائد مزيجا من القبول والتسليم على مضض. يقول مسؤول أوروبي سابق في واشنطن: "إنه على خلاف مستمر مع ما تمثله تعددية الأطراف. لكن البلدان الأخرى لن تكون لديها الشجاعة لقول لا، هذا هو كل ما في الأمر".
مشاركة :