فلسفة العنف بين رف الكتب

  • 2/10/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

برغم دروس التاريخ، لا تزال بعض الأرواح عديمة القيمة في نظر من يرديها قتيلة دون خوف من العقاب، كما يحدث في أماكن كثيرة من العالم. ما دفع أناسا كثيرين على التسلح والتدرب للدفاع عن النفس. وهو موضوع كتاب "دفاعا عن النفس" لإلسا دورلان أستاذة الفلسفة بجامعة باريس 8، تقصت فيه جينالوجيا فلسفية عن الدفاع عن النفس سياسيا. فاستعرضت القانون الأسود لعام 1685، الذي كان يمنع العبيد من حمل السلاح والهراوات، وقانون الاستعمار الفرنسي في الجزائر الذي كان يبيح للمستعمرين حمل السلاح واستعماله، ويحظره على الجزائريين، لتؤكد خط الفصل الذي يضع الأجسام "الجديرة بأن يذاد عنها" في مقابل أجساد المنزوعين من السلاح المتروكين بلا دفاع أو حماية. نزع السلاح هذا يطرح مسألة لجوء الفرد إلى العنف دفاعا عن نفسه. تحت التاريخ الرسمي للدافع المشروع، نجد ممارسات قديمة يكون فيها الدفاع عن طريق الهجوم شرطا للبقاء وضمان مستقبل سياسي. تاريخ العنف هذا يلقي الضوء على مفهوم الذاتية العصرية كما صاغها سياسيو الأمن المعاصرون، وتفترض إعادة قراءة نقدية للفلسفة السياسية حيث يجاور هوبز ولوك فرانز فانون ومالكوم إكس أو جوديث باتلر.التعذيب بغير نتيجة يبدو التعذيب في الثقافة الشعبية، كما تنقله الأفلام والروايات، ضرورة قصوى وأخيرة لانتزاع أسرار وإنقاذ أرواح. وهو ما يبرر به عملاء السي آي إي مثلا وكل المستنطِقين حينما يلجوؤن إلى القسوة لإنطاق المظنون فيهم. ولكن الفكرة خاطئة، كما بين شين أومارا، أستاذ علوم الأعصاب في ترينيتي كوليج بدبلن، في كتاب عنوانه "لماذا لا يفعل التعذيب فعله". فالمخ الواقع تحت الضغط لا يعمل كما يعتقد الجلادون، حسب ما أثبتته نتائج علوم الأعصاب حول ردود الأفعال الدماغية إزاء الخوف، والحرارة المرتفعة، والحرمان من الأكل والشرب والنوم، وكل أدوات التعذيب. ذلك أن عوامل الضغط تلك تعكر الذاكرة والذهن والمزاج إلى حد يُفقد المعلومةَ المتحصل عليها أي صدقية. وأن القدرات الإدراكية للشخص الخاضع للتعذيب تتدنى بشكل يصعب معه نقل ما يعلمه. في هذا الكتاب، يأخذنا أومارا عبر مسالك الألم والعذاب، ويرينا بالتفصيل كيف أن كل الحجج التي تساند التعذيب لا تصمد أمام الاختبار العلمي. الحيوانية البشرية ثمة شيء تغير في علاقتنا بالحيوانات، فقد صارت القضية الحيوانية تطرح في كل منبر، حتى غدا الإنسان أقرب إلى الحيوان منه إلى الإنسان. ذلك ما ذهب إليه إتيان بمبيني، أستاذ الفلسفة المعاصرة بجامعة بوردو، في كتابه "عقدة القردة الثلاثة"، وفي رأيه أننا نكسب كثيرا من صورة الإنسان الجديدة تلك، فهي تأتينا من بيولوجيا التطور التي وضعتنا، في سلم الحيوانات الرئيسية، إلى جانب القردة، وهي تذكرة أيضا بضرورة ترشيد علاقتنا بالحيوانات التي نستغلها، لا سيما أننا نحترم بقدر أكبر من يشبهنا. وفي رأيه أن الحيوانية البشرية تجعل منا أقوياء ذهنيا، لكوننا تخلصنا من الثنائيات والتقسيمات الميتافيزيقية القديمة، وأن ذلك يعكس فكرا تقدميا منفتحا على العلم، سخيا مع الحيوانات، مستنيرا فلسفيا. فهل نستطيع أن نتجنب "عقدة القردة الثلاثة"، تلك الكيفيات الثلاث التي تشير إلى أننا نجهل ما نعيش ونفعل كبشر أحياء؟ وهل نستطيع تصور تقدمية حقيقة تعي كل ما ندين به للحيوانات، دون أن ننكر من نحن؟

مشاركة :