سـرديـات.. المتاحف العالميّة الكبرى.. «متحف مدينة لندن»

  • 2/10/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

قبيل وفاته بسنوات ألف الفيلسوف والمفكر الفرنسيّ بول ريكور ثلاثيته الشهيرة «الزمان والسرد»؛ وهو الكتاب القائم على تلك التقاطعات والتداخلات والاشتباكات بين التاريخ والسرد. ويأتي كتابه الآخر «الذاكرة، التاريخ، النسيان» لإكمال ذلك الاشتغال العميق الذي تنبّه إليه ريكور بين التاريخ والسرد «القصص». عندما أزور المتاحف في بعض العواصم الأوروبيّة يلفت انتباهي ذلك السرد الذي يشتغل على توثيق التاريخيّ وفسح مجالات أمام الذاكرة للتلقي والتأويل. ومن المتاحف التي جذبتني كثيرًا «متحف لندن» Museum of London نظرًا إلى وجود سردية كبرى يصدر عنها هذا المتحف التوثيقيّ الاستثنائيّ جدًا رغم صغر حجمه وحداثة إنشائه نسبيًا. إنَّ هذا المتحف يسرد قصة مدينة لندن في مراحلها التاريخية المتتابعة ابتداءً من الحقبة الرومانية وصولاً إلى لندن الحديثة والمعاصرة. لقد افتتحت الملكة إليزابيث الثانية هذا المتحف في الثاني من شهر ديسمبر عام 1976. ويُعد أول متحف يُفتتح في لندن بعد الحرب العالمية الثانية ليسرد كلَّ ما يتعلق بلندن من أطوارها التاريخية وحياتها الاجتماعية والسياسية والثقافية وحتى سرد حكايات الأزياء الإنجليزية العتيقة والمعاصرة وحتى ملابس الأطفال وألعابهم والآثار والتحف والمجوهرات والسيارات القديمة وغيرها. ويضم المتحف أكثر من مليون قطعة أثرية قديمة. إنَّ الثيمة الأساسية في هذا المتحف هو سردية مدينة لندن الكبرى لبيان اتساعها وتمددها عبر العصور وصولاً إلى لندن الحالية التي تفوق مساحتها أضعاف مساحة مدينة لندن العتيقة. ويحتفي المتحف بمدينة لندن بشتى تناقضاتها من سرديات الاحتفالات والانتصار في الحروب إلى سرديات الأوبئة والمحن والانكسارات التي هيمنت على هذه المدينة العتيقة جدًا. ولذلك خصّص المتحف قاعة عرض فيلم توثيقي للحريق الكبير الذي دمّر لندن التاريخية في القرن السابع عشر، ويأتي السرد من كتابة شاهدي عيان وثّقا هذا الحدث التاريخي الذي يُعد علامة تاريخية لا تُنسى في تاريخ هذه المدينة. وتبرز الثيمة السردية أكثر في سرد حياة لندن الفيكتورية ولندن الحديثة والمعاصرة من خلال قاعات متداخلة توثق تاريخيا أنماط الحياة التاريخية والاجتماعية والثقافية، وتجعل زائر المتحف يتفاعل مع هذه القاعات المزودة بشاشات تفاعلية لأبرز الأحداث الكبرى في مسارات سيرة مدينة لندن الذاتية. جميلة هي متاحف المدن بسردياتها المختزلة التي تتجاوز التوثيقي والتعليمي إلى سرد مسارات السير الذاتية للمدن التاريخية الكبرى في العالم؛ المدن التي شكّلت بطريقة ما تاريخ العالم وتحكمت في مساراته لحقب من الزمن. أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ الحديث المساعد، كلية الآداب، جامعة البحرين.

مشاركة :